وسط الانهماك العربي بسورية ومصر، يومض السودان فجأة بتحركات جماهيرية تبدو أكبر من الانتفاضات السابقة، التي قمعها البشير بعنف لا يعرف الرحمة. وقد بادر بعض الإعلام العربي باعتبار التحركات الغاضبة دخولاً للسودان في فصل الربيع العربي، بينما تجاهلها الخط الآخر من الإعلام، على اعتبار أن البشير وحزبه من القوى الإسلامية واجبة النصرة، لكن المفارقة أن أول ما خرج من السودان نفسه ـ على قلة ما يخرج من هذه المقبرة الإعلامية ـ كان كلام الترابي عن ترتيبات ما بعد إسقاط النظام!
والترابي، لمن لا يتذكر كان اليد التي حملت المصحف في انقلاب 30 يونيو عام 1989 ضد الحكومة المدنية وكان البشير اليد التي حملت السلاح، لكن العسكري لم يلبث أن التقط مصحفًا باليد الأخرى وأطاح بالترابي ومصحفه. ووقف المتحمسون للأسلمة مع البشير حامل المصحف والسلاح وتركوا الترابي وحيدًا، واليوم يقتضي المنطق أن يهبوا دفاعًا عن شرعية البشير وشريعته، وقد حافظ الرجل على حدود الله، وإن لم يرع حدود الوطن. لم يتردد في التخلي عن الجنوب، ولن يتردد في التخلي عن الشرق والغرب لو استحكمت الأزمة، لكن النار اليوم في القلب، فليتقدم الترابي ويقف بمصحفه في وضع الاستعداد!
30 يونيو المصري، كان بسيطًا، وكان من السهل على الإعلام تحديد حدود الفسطاطين، لكن حالة السودان تفرض السؤال الصعب: إلى أي الإسلامين يجب أن ينحاز أنصار الشريعة والشرعية؟
السؤال لا يبدو جوهريًا بالنسبة للإعلام، فالإعلام مخلوق أساسًا لوأد الأسئلة لا لطرحها أوالإجابة عليها، لكن تجاهل السؤال لا يعني أنه غير موجود أو أن طرحه محظور. وأيًا كان الجواب وأيًا كان نوع انحيازات الأطراف التي تلعب لتوجيه الربيع العربي في الوجهات الخطأ، فالسودان حالة فضّاحة.
***
إن كانت هذه نهاية البشير فلن تكون بداية الترابي لأن الادعاء الديني تمت تجربته في البوتقة نفسها، وأعيدت التجربة في غير مكان واتهت سريعًا. وإن لم تكن هذه هي النهاية وتمكن البشير من قمع الحشود مجددًا، فبداية حلفه مع الترابي ضد الشرعية الديمقراطية تكفي عبرة، لمن يريد أن يتصور أو يصور لآخرين أن طريق العسكر يبتعد عن طريق المتأسلمين بُعد المشرق عن المغرب.
السودان ـ وليس أي بلد آخر ـ يكشف الجوهر الفكري لعقيدة الطاعة التي يحتاجها العسكري والمتأسلم. هذا التشابه الواضح يضببه التراشق الإعلامي حول الشرعية والانقلاب والثورة والإرهاب!
والمسألة كلها يلخصها شعار السيف أو السيفان مع المصحف أينما كان ذلك الشعار وأيًا كان حجم حصة كل طرف من طرفي تحالف الطاعة الذي يهدف إلى توحيد الكل في واحد خلف الجنرال أو الإمام.
في كل التاريخ السياسي العربي كان هذا الحلف ينعقد ليأخذ بلادًا إلى الوراء ويتبادل طرفاه المصالح حتى ينقلب أحدهما على الآخر فيتبادلا الاتهامات، ويجد أحدهما في نفسه القدرة على السيطرة منفردًا فيزيح الشريك، وعادة لا يقر الآخر بالهزيمة بل يتحين الفرصة لاسترداد وديعة الجمهور المطيع.
السيف يحسم المعركة عند الخلاف، وهذا يجعل حملة المصاحف لا يتخلون عن السيف، وفي المقابل لا يتخلى حملة السيوف عن شرعية المصحف. وهكذا يختلط حابل العسكري بنابل المتأسلم، وتتطاير الاتهامات ويتخندق كل طرف وراء ما يتوهمه شرعية سلبها الآخر أو يريد أن يسلبه إياها.
***
لم يكن المتأسلمون بعيدين عن السلطة يومًا، ولم يتوقف العسكر عن استخدام الإسلام، وتفاوت الحصص لا يعطي لأي منهما الحق في ادعاء أنه لم يكن جزءً من قوة القمع في يوم من الأيام.
وهذا التهارش بينهما ـ الذي يبدو حتى اليوم لا نهائيًا ـ لن يكون له وجود في مستقبل العالم العربي الذي لاح فجره وبدأ السير باتجاه النور ولن يتوقف حتى يصل، لأن العرب بشر مثل الآخرين، من حقهم أن ينعموا بالتعدد والمساواة وأن تكون المواطنة أساسًا لحياتهم السياسية وأن يختاروا من يحكمهم دون إرهاب السيف والكتاب.
وإذا كان للفصيلين المتناحرين أن ينظرا تحت أقدامهما، أو إن كان قصور رؤيتيهما يفرض عليهما الجهل بالتغيرات في وعي الشباب العربي، فإن المستقبل ستصنعه الحقائق على الأرض لا التصورات القاصرة للقوى القديمة. لن يرتهن المستقبل لصراعهما أو تعاونهما، كما لن يرتهن لمتنطع على الفكر يعتقد أن من حقه تأييد عصابة حاكمة لأن البديل إسلاموي!
المستقبل سيكتبه الشباب بإصرارهم على الحرية وبناء دول حديثة تحرس فيها الجيوش حدود البلاد، أما حدود الله؛ فالله يحرسها، دونما حاجة لأوصياء أخلصوا أو دلسوا.
.
لعل الأسباب التي أدت إلى حدوث الاضطرابات في البلاد الإسلامية لها مبررها عند شعوبها، ولكن كلما تدخلت القوى الكبرى في شؤون هذه البلاد أدى ذلك إلى إثارة الفتن ونشر الفساد. ولقد ألقي خطبتين أو ثلاثة حول هذا الموضوع في مطلع عام 2011 وأوضح امير المؤمنين ميرزا مسرور فيها أن الخطط الظاهرة والخفية التي ستضعها القوى الكبرى باسم الأمن والسلام نظرًا لأوضاع المسلمين المتدهورة ستضر بالمسلمين في نهاية المطاف، ولن ترضى هذه القوى بحال من الأحوال أن تتضرر مصالحها. فانظروا الآن، أن هذه القوى دعمت الشعب في أعمال القتل والدمار في عهد حسني مبارك فأُقصيَ عن الحكم وأثيرت ضجة كبيرة، ولكن عندما لم تراع الحكومة التالية أيضا مصالح هذه القوى الكبرى تولى الجيش الحكمَ وأريقت الدماء أكثر مما أريقت سابقًا، ومع كل ذلك لم يبدِ أحد مواساة للشعب هذه المرة، ولم يحرك أحد ساكنًا. إنها ازدواجية في المواقف.
باختصار، لقد آن لحكومات البلاد الإسلامية أن تُبدي غيرتها، وعليها أن تنظر إلى مصالح الأمة المسلمة بدلا من مصالح بلادها فقط. ولا يتأتى ذلك إلا إذا تولدت التقوى في قلوب الحكام والشعب وسعوا جاهدين للعمل بالأسوة الحسنة للنبي صل الله عليه وسلم إلى جانب ادعائهم بحبه، وشعر الحاكم والشعب بمشاعر النبي صل الله عليه وسلم وآلامه وعملوا بتعليمه.
أقدم فيما يلي بعض أقوال النبي صل الله عليه وسلم التي تنبه الحكّام والشعب إلى مسئولياتهم. وأقدم أولا بعض الأحاديث عن الحكام:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ صل الله عليه وسلم قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ (أولهم) الْإِمَامُ الْعَادِلُ. (البخاري، كتاب الأذان)
س1- ماهو دور الظلم بأنواعه ؟
س2-ماهو دور العدل ودرجاته؟
س3- ماهو دور الفساد وأشكاله؟
لا اعتقد ان الاسلامويون في مصر والسودان عوامل متماثلة حتي يمكن المقارنة والقياس ..جاء الاخوان المصريون عبر عملية ديمقراطية حرة نزيهة ولم تتح لهم الفرصة المعقولة اذ باغتهم الانقلابيون..اما الاسلامويون السودانيون فقد انقلبوا علي سلطة شرعية وحكموا ربع قرن وقسموا البلد وفسدوا ودمروا المؤساسات الاقتصادية والاجتماعية وفسدوا وافسدوا وجوعوا الشعب وفرضوا عزلة دولية علي البلد و ما زالت الحرب الاهلية مستعرة والان يطبقون اساليب الامن المصري في القتل والتنكيل بالمتظاهرين السلميين..اين وجه المقارنة..ابحث عن عوامل اخري…..