الطريق باتت سالكة الآن أمام الرئيس السوداني عمر البشير للترشح رسميا لولاية رئاسية جديدة لخمس سنوات ليصل عهده إلى ثلاثين عاما كاملة، فما مبارك ولا القذافي ولا صالح بأفضل منه. لم يتعظ، وهو الذي وصل إلى الحكم بانقلاب عسكري عام 1989، بالمآلات المأسوية من حوله لبقاء رجل واحد وحزب واحد طوال هذه السنوات بعد أن تكون الشعارات اهترأت والمصداقية تلاشت والفساد ازداد والاستبداد استفحل.
أما السودان فباتت الطريق سالكة أمامه نحو مزيد من العزلة : رئيس مطلوب للعدالة الدولية منذ أن أصدرت عام 2008 محكمة الجنايات الدولية مذكرة بتوقيفه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وبلد مدرج منذ سنوات طويلة ضمن القائمة الأمريكية للدول الداعمة للإرهاب. كما أن دولا عديدة، أبرزها الولايات المتحدة وبريطانيا إشترطتا، على ما سربته مصادر برلمانية سودانية، عدم ترشح البشير لولاية رئاسية جديدة للتخفيف من أعباء ديون البلد البالغة أكثر من أربعين مليار دولار. كما لن يُسمح للسودان أن يكون شريكا في المطالبة برفع العقوبات عنه، ولن يسمح له بالمطالبة بالدعم التنموي الأوروبي. يحدث هذا في وقت يئن فيه الناس من أوضاع معيشية صعبة مع تراجع متواصل للجنيه السوداني أمام الدولار بطريقة جنونية: حين استلم البشير السلطة كان الدولار الأمريكي يساوي 12 جنيها سودانيا، وقتها قال أحد رفاقه إنه لولا ألطاف الله و»ثورة الإنقاذ» لوصل الدولار إلى 20 جنيها. تخيلوا اليوم أن الدولار الأمريكي يعادل تقريبا…. 90 ألف جنيه !!!
وقبل هذا وبعده، رجل لم يمانع في انفصال نصف بلده، دفع جنوبه بالأساس رشوة لإنقاذ رأسه ومع ذلك لم يفلح. وهو إلى الآن يواجه تمردا مسلحا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الزرق مع صعود ونزول دائمين لوتيرة العنف في دارفور غرب البلاد منذ 2003. وحتى حين دعا إلى حوار وطني شامل، لم تستجب له الأطراف الفاعلة لا سيما تلك التي ما زالت تحمل السلاح في وجهه لأن الحد الأدنى من الإجراءات الواجبة لتنقية الأجواء السياسية في البلاد تمهيدا لإنجاح هذا الحوار لم يتم اتخاذها. حتى الحوار الوطني الواسع أراده على هواه وبما يمهد، على ما يرى معارضوه، لإعادة ترشحه رئيسا للبلاد وليس شيئا آخر.
إذن رئيس استمر في الحكم خمسة وعشرين عاما ويطمع في المزيد مع أنه لم يضمن استمرار الوطن كما تسلمه ولا أمّن له ازدهارا ولا تنمية ولا عيشا كريما لمواطنيه ولا أمنا واستقرارا ولا صيتا دوليا. أي واحدة من هذه العيوب كفيلة لوحدها بإسقاط أعتى رئيس إن اقترفها في فترة واحدة من فترات حكمه فكيف إن كانت مجتمعة ومتلاحقة تجر إحداها الأخرى. مع ذلك لا يشعر هذا المؤتمن على البلد بأي حرج وهو من يقودهم بكل «تألق» من فشل إلى آخر!
قد يقبل الناس بالتنمية والرفاه الاجتماعي والأمن حتى وإن كان ذلك كله مغمسا بذل الدكتاتورية، أما أن يفقدوا كل شيء مقابل لا شيء فهو ما لا يطاق، لا سيما عندما يتقدم المسؤول الأول عن كل هذه الكوارث المنفردة والمجتمعة ويرى نفسه الأكثر جدارة بـ «مواصلة المسيرة»! حين تبحث في كل ما يقوله أنصار البشير الآن من محاولات التبرير لكل ذلك لن تجد أكثر من هذين التبريرين : الأول أن الرجل هو صمام الأمان لوحدة حزبه المؤتمر الوطني الحاكم والثاني أن الجيش لن يقبل بمرشح آخر للرئاسة من خارجه. تبريران سقيمان وكل واحد منهما أسوأ من الثاني لأنهما يعنيان في الأساس أن الرجل أمـّــن طوال حكمه من شبكات المصالح ما جعل الجيش والحزب سنديه الحقيقيين عوض أن يكون الشعب وما وفره له من مكاسب ملموسة، مع أن التجارب أثبتت في الجوار السوداني، ودون البحث بعيدا عنه، أنه إذا خرجت الناس غاضبة لا تلوي على شيء فلن يشفع لأعلى هرم الدولة لا الجيش ولا الحزب طبعا.
باختصار نحن نرى الآن رجلا واحدا، مع كل ما يمثله من شبكات انتهازيين ومصالح، يأخذ في وضح النهار بلدا كاملا رهينة محتميا به لإنقاذ رأسه من ملاحقة دولية لن يفلت منها. إنه يحاول فقط تأخيرها… فإما أن يأتي أجلها أو أجل الله.
٭ كاتب تونسي
محمد كريشان
وصل سعر الدولار الآن 9 ألف جنيه ، و ليس 90 ألف كما ذكر الكاتب ، لذا لزم التنويه .
صحيح ، لكن الحكومة غيرت اسم العملة من جنيه الي دينار ، وعندما طلب جيش السودان استبعاد الدينار لان له دلاله اسلامية ، تم اعادة تسمية الدينار الي جنيه ولكن الجنيه الجديد يساوي 10 جنيهات قديمة.
شكرا على المقال الرائع الذى انعش فينا نوعا من الأمل بأنه ما زال هناك عربا يتألمون لألم اخوانهم فى الدين …
ما ذكرته صحيحا رغم التزامك الأدب فى كثير من الأحيان .. فما فعله عمر البشير وأتباعه يفوق الوصف …
رغم ان المعلن من الاعدامات والاغتيالات فى عهد البشير وصحبه أقل بكثير مقارنة بما اعدمه القذافى الا أن الخطر على السودان من هذا الحزب اكبر بكثير مما يمكن ان يفعله افظع ديكتاتور فى تاريخ البشرية – ذلك لانه فى عهد البشير فقد السودان أعز ما يملك وهو الأخلاق النبيلة التى كان السودانيون مشهودا لهم بها على مستوى العالم .. فقد استشرى الفساد و دفع ضيق ذات اليد التى وضع فيها الانقاذيون الشعب الى تغيير مبادئهم واخلاقهم ففقدنا الامانة والصدق والنزاهة التى كانت تميزنا عن بقية الشعوب .. لقد اهترأ نسيجنا الاجتماعى للأسف وهذا لعمرى هو أبشع ما صنعته بنا الانقاذ .. والمصيبة أن شعبنا الذى كان يطلق عليه معلم الشعوب من حيث الثورات قد وصل لحالة من اليأس اصبح بعدها لا أمل فى ازاحة حكم البشير بالثورة وذلك ببساطة لان الكل قد يئس من اصلاح ما افسدوه واصبح طموح كل مواطن هو الهروب من البلد بحثا عن لقمة العيش خارجه وبحثا عن الهوية خارجه .. للأسف لم يعد ذلك مقتصرا على الشباب فقط فمنذ اقل من شهر صعقت بخبر هجرة استاذى فى الجامعة صاحب الستة وخمسين ربيعا الى الولايات المتحدة طلبا للقمة العيش وهو احد الذين كانوا يساندون مبدأ التضحية من اجل الغير فرفض كل المغريات طيلة هذه السنوات للاغتراب املا فى انصلاح حال البلد ..
شكرا لك ايها الاعلامى الرقم .. ووالله انى احبك فى الله منذ سنوات
الاخوة الافاضل
كتب الاستاذ الصحفي محمد كريشان مقالا صادقا فى حكومة الانقاذ وما آل اليه هذا البلد الغني بحرامية المؤتمر الوطني و الفقير بشعب سلبي فى اتخاذ اجراءات من حقه القيام في انتفاضة شعبية تغيير هذا النظام وهذا الخيار اصبح فى مهب الريح اما الخيار الثاني فهو في متناول الشعب هذه الايام ونقولها ……
لا لاختيار البشير رئيسا للسودان وذلك من خلال عدم الادلاء باصواتنا لهذا البشير وليس ما تقوله المعارضة بعدم دخول الانتخابات وكا من المفترض دخول المعارضة او اى مستقل مدعوما من الشعب الحائر على امر هذه الانتخابات لتكون غير سالكه امام البشير وليس ببعبد المنال ..
مجرد رأي
ماذا يقصد الكاتب بالعبارة خاتمة المقال؟ لن أفهما
التحية لك أستاذ / محمد كريشان
مع إحترامنا لرأيك
لكن الشأن السودانى تم تعقيدة بسبب التدخلات الخارجية السالبة .
وانت كأعلامى قد تكون أكثر الناس معرفة بالتدخلات الخارجية السالبة .
ويجب أن تكتبوا عن هذه التدخلات الخارجية السالبة وهناك إدعاءات و إشاعات وإختلاق بعض المشاكل من جهات خارجية كثيرة سواء منظمات أو حكومات ، يجب عليكم ان تكتبوا عنها حتى يعرف الجميع الحقائق .