السودان: صراع سياسي واضطرابات أمنية وانقلاب عسكري ينهي الانتقال الديمقراطي

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

تواصلت التظاهرات الشعبية الرافضة للانقلاب ولاتفاق حمدوك-البرهان والمطالبة بالسلطة المدنية الكاملة، بالتزامن مع مرور الذكرى الثالثة للثورة السودانية.

الخرطوم ـ «القدس العربي»: بدأ العام 2021 في السودان، في ظل إرهاصات تشكيل حكومة جديدة، تضم فضلاً عن العسكريين والكفاءات قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية-الحركات والمجموعات الموقعة على اتفاق السلام-مع الحكومة، الذي نص على منح الجبهة الثورية ثلاثة مقاعد في المجلس السيادي وخمس وزارات اتحادية، فضلا عن حصصهم في الحكم الولائي والمجلس التشريعي.
ووقعت الحكومة السودانية اتفاق سلام مع الجبهة الثورية في الثالث من تشرين الأول/اكتوبر 2020 مقسم إلى عدة مسارات حسب أقاليم السودان-دارفور، النيل الأزرق، الشمال والوسط وشرق السودان.
وبعد مشاورات طويلة وصلت ذروتها في الشهر الثاني من العام، أعلن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك حكومته الجديدة، بمشاركة الجبهة الثورية-شركاء اتفاق السلام- في الثامن من شباط/فبراير2021 والتي ضمت 25 وزيرا، بدون إعلان وزير للتربية والتعليم لجهة خلافات في اتفاق مسار الشرق، الذي كان من المنتظر أن يتولى مرشحه الحقيبة الوزارية الذي تم تعليقه لاحقا نهاية العام.
وضمت قائمة وزراء الحكومة، وزيرين عسكريين-الدفاع والداخلية- وخمسة وزراء من الحركات المسلحة، بالإضافة إلى مكونات قوى الحرية والتغيير. أبرزهم وزير المالية، رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم والقيادية في حزب الأمة مريم الصادق المهدي التي تولت وزارة الخارجية، بالإضافة إلى القيادي في المؤتمر السوداني خالد عمر وزيرا لشؤون مجلس الوزراء.
وقال حمدوك في مؤتمر صحافي وقتها، إن التشكيل الوزاري الجديد جاء بعد ثلاثة أشهر من النقاشات المتواصلة للوصول إلى توافق سياسي والمحافظة على السودان من الانهيار.
وعلى الرغم من مخاطر تخفيض سعر صرف العملة السودانية، خاصة بعد التحديات التي واجهت تشكيل الحكومة، شهد شباط/فبراير، إلا أن البنك المركزي السوداني أصدر قرار توحيد سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه السوداني، ضمن برنامج إصلاح اقتصادي يهدف إلى إعادة السودان إلى المؤسسات المالية الدولية، والذي ترتب عليه صعوبات اقتصادية كبيرة كان نصيب المواطنين من معاناتها الأكبر.
وفي مواصلة لخطواتها الساعية للتعافي الاقتصادي، قامت الحكومة في السادس والعشرين من اذار/مارس، بسداد متأخرات المؤسسة الدولية للتنمية، تحضيرا لعودة التعامل مع البنك الدولي وتحقيق مطلوبات الحصول على إعفاء شامل من الديون الخارجية في إطار مبادرة»الهيبك»- البلدان الفقيرة المثقلة بالديون. الخطوة التي وصفها خبراء اقتصاديون بالهامة والتي مهدت لعودة البلاد للتعامل مع المؤسسات المالية الدولية بعد عزلة استمرت لقرابة الثلاثة عقود. وقبلها في السابع من اذار/مارس 2021 أدى كل من رئيس الجبهة الثورية وحركة تحرير السودان المجلس الانتقالي الهادي ادريس، ورئيس الحركة الشعبية شمال-الجبهة الثورية- مالك عقار، بالإضافة إلى رئيس تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر اليمين الدستورية تنفيذا لاتفاق السلام، ليرتفع عدد أعضاء مجلس السيادة الانتقالي إلى 14.
تجددت أحداث العنف في دارفور التي كانت قد شهدت استقرارا نسبيا بعد توقيع اتفاق السلام، في نيسان/ابريل خاصة في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور ومحيطها، وحسب الأمم المتحدة «كانت بيئة الحماية في السودان في شهر أبريل 2021 شديدة الحرج في المناطق عالية الخطورة وتميزت بنزاع مجتمعي محتمل وأنماط عنف معممة».
وحتى السابع والعشرين من ايار/مايو، قالت المنظمة الدولية للهجرة كان هناك حوالي 150 ألف نازح أي ما يقارب من 30.000 عائلة في الجنينة والقرى المحيطة بها. لكن المنظمة الدولية رغم ذلك أكدت أن العدد الإجمالي للنازحين في دارفور انخفض بحوالي 1.700 شخص حيث عاد البعض إلى مواقعهم الأصلية بسبب استقرار الوضع الأمني . ولعل مؤتمر باريس لدعم الانتقال الديمقراطي في السوداني، الذي انعقد في السابع عشر من ايار/مايو في العاصمة الفرنسية باريس، برعاية الرئيس ايمانويل ماكرون ومشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات والمنظمات الإقليمية والدولية مثل خطوة هامة في سبيل إعفاء ديون السودان الخارجية التي تصل لحوالي 59 مليار دولار وجذب الاستثمار ودمج البلاد في المجتمع الدولي بعد عزلة دامت لحوالي 30 عاما.
وأعلن نادي باريس أكبر دائن للسودان، أنه سيلغي الكثير من الديون المستحقة له على السودان للمساعدة في إعادة الخرطوم إلى الساحة الدولية.
وجاء الإعلان في إطار جهد أوسع من قبل صندوق النقد الدولي لتخفيف أكثر من 50 مليار دولار من ديون السودان، أي نحو 90 في المئة من إجمالي الديون، على مدى السنوات القليلة المقبلة.
وفي التاسع عشر من نفس الشهر، قررت الحكومة السودانية تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات لمدة شهر لمواجهة انتشار متوقع لفيروس كرونا. وقالت اللجنة العليا للطوارئ الصحية بالسودان في بيان صحافي إنه «تقرر تعطيل الدراسة بكافة الجامعات والمدارس لمدة شهر» ومنع دخول جميع القادمين بكل المعابر من الهند مباشرة أو من دول أخرى كانوا في الهند خلال الـ14 يوماً الماضية.
وفي ظل سخط شعبي عال، وارتفاع كبير في أسعار السلع الاستهلاكية، تجاوز معدل التضخم في السودان الـ400 بالمئة، في حزيران/يونيو، وحسب بيان للبنك المركزي، سجل معدل التضخم، ارتفاعا بلغ (412.75 في المئة) لشهر حزيران/يونيو 2021 مقارنة بمعدل (378.79 في المئة) لشهر أيار/مايو 2021 أي بزيادة قدرها (33.96) نقطة.
وفي اب/أغسطس، اجتاحت السودان فيضانات مدمرة، خاصة في ولايتي النيل الأزرق ونهر النيل، وأودت بحياة 52 شخصا ودمرت 3890 منزلا بشكل كامل و12500 منزل بشكل جزئي، كما أدت إلى قطع الطريق الوطني المؤدي لولايتي سنار والنيل الأزرق.
وفي الثامن من ايلول/سبتمبر، وقع المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير إعلانا سياسيا مع عدد من الحركات المسلحة، يتضمن إنشاء هيكل تنظيمي جديد لتوحيد قوى الحرية والتغيير والوصول إلى انتخابات حرة ونزيهة، إلا ان بعض الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية رفضت الاتفاق، واتهمت المجلس المركزي للحرية والتغيير بالاستحواذ على السلطة تمهيدا لدعمها انقلاب قائد الجيش لاحقا.
وفي الحادي والعشرين من نفس الشهر، أحبطت الحكومة محاولة انقلابية، ليقوم العسكريون بعدها بتحميل السياسيين تبعات الأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد.
زاد الأمر تعقيدا، إغلاق مكونات قبلية في شرق السودان الطرق والموانئ لمدة شهر، لم ينته الا بإنقلاب قائد الجيش.
ثم في تشرين الأول/اكتوبر، تسارعت الأحداث، حيث وقعت المجموعات الرافضة للإعلان السياسي الذي وقعه المجلس المركزي للحرية والتغيير، ميثاقا سياسيا أعلنت من خلاله انشقاقها عن المجلس المركزي للتغيير، تلى ذلك اعتصام نظمه مناصرو هذه المجموعة، مطالبين بإعفاء الحكومة، وصولا للانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر، الذي أطاح عبره بالحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيين والعسكريين لقرابة العامين.
أعلن وقتها البرهان حالة الطوارئ وجمد عددا من المواد في الوثيقة الدستورية-الخاصة بالشراكة مع المدنيين- فضلا عن وضعه رئيس الوزراء في الإقامة الجبرية، عددا من أعضاء الحكومة والسياسيين والناشطين رهن الاعتقال.
بالمقابل، تصاعدت التظاهرات الشعبية التي ما زالت مستمرة، الرافضة لإنقلاب قائد الجيش والمطالبة بالسلطة المدنية الكاملة، وراح ضحيتها حوالي 45 شخصا بينما جرح العشرات.
وفي الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر أعلن البرهان مجلسا سياديا جديدا، أعاد إليه العسكريين وأعضاء الحركات المسلحة بالإضافة إلى العضوة التوافقية رجاء نيكولا فيما استبعد الأعضاء من قوى الحرية والتغيير واستبدلهم بآخرين قال انهم يمثلون أقاليم السودان.
ثم في الحادي والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر، أخرج البرهان، حمدوك من الإقامة الجبرية ووقع معه اتفاق إعلان سياسي عاد من خلاله رئيسا للوزراء ولكن دون حكومته من الحرية والتغيير، على ان يستبدلهم بكفاءات مستقلة، لكن الشارع رفضه أيضا.
وفي كانون الأول/ديسمبر، تواصلت التظاهرات الشعبية الرافضة للانقلاب ولاتفاق حمدوك-البرهان والمطالبة بالسلطة المدنية الكاملة، بالتزامن مع مرور الذكرى الثالثة للثورة السودانية التي انطلقت في كانون الأول/ديسمبر2018.
ويتوقع أن تكون التظاهرة الأكبر، في التاسع عشر من الشهر الجاري لجهة تزامنها مع التحول في الثورة السودانية التي بدأت بالاحتجاج على التدهور الاقتصادي في البلاد، ثم في 19 من كانون الأول/ديسمبر، أحرق المحتجون في مدينة عطبرة شمال السودان مقر حزب المؤتمر الوطني-الحزب الحاكم السابق- لتنطلق الدعاوى السياسية المطالبة بإسقاط النظام الحاكم وقتها لأكثر من ثلاثين عاما.
يشار إلى أن المجلس السيادي أعلن في السادس عشر من الشهر الجاري تعليق مسار الشرق في اتفاق السلام إلى حين الوصول إلى توافق بين جميع الأطراف هناك وانعقاد مؤتمر جامع لذات الغرض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية