تعرض التحالف الحاكم الحرية والتغيير لهزات وانشقاقات قادت لخروج أحزاب كثيرة عنه، ما قاد لعدم استقرار الحكومة سياسيا، وهو الملف المرشح لتظهر تداعياته العام المقبل.
الخرطوم-“القدس العربي”: تقلب السودان خلال العام على صفيح ساخن حقيقي ان كان من ناحية سياسية، حيث شهد مفاوضات مارثونية لتحقيق السلام في عدد من الأقاليم الملتهبة، أو التفاوض الخارجي مع الولايات المتحدة لرفع اسمه من لائحة الإرهاب والذي توج به كانون الأول/ديسمبر. فيما كانت أقاليمه مسرحا لتفلتات أمنية خطيرة أودت بعشرات الأرواح البريئة في نزاعات قبلية في الجنينة ومدن شرق السودان، كسلا وبورسودان والعديد من الانقلابات العسكرية التي احبطت قبل وقوعها وعملية لاغتيال رئيس الوزراء لم يكشف كنهها، بالإضافة لكوارث الطبيعة ممثلة في كورونا والسيول والفيضانات غير المسبوقة، في ظل استمرار الروح الثورية التي جسدتها المواكب في نيسان/ابريل وحزيران/يونيو التي دفعت رئيس الحكومة عبدالله حمدوك لقبول استقالة سبعة وزراء يمثلون ثلث أعضاء الحكومة. فيما قادت كورونا لرحيل حكيم السودان الإمام الصادق المهدي وتوفي بالسكتة القلبية وزير الدفاع الفريق جمال عمر أثناء قيادته للتفاوض مع جماعات الكفاح المسلح في جوبا .
النزاعات القبلية
استهل السودانيون عامهم في كانون الثاني/يناير على وقع أعمال عنف قبلي غير مسبوقة بين قبائل البني عامر والنوبة التي راح ضحيتها العشرات والتي سبقتها أعمال عنف خطيرة في مدينة الجنينة غربي السودان بين المساليت والقبائل العربية، ما جعل رئيس الوزراء يتحول لرجل إطفاء للحرائق القبلية متنقلا ما بين الجنينة وبورسودان وكسلا التي كانت سيدة المشهد في الصراعات التي تنوعت ما بين الصراع القبلي والسياسي الرافض لمسار الشرق في المفاوضات في جوبا وتحول لصيغة أكثر عنفا بعد اختلاف المكونات المحلية على تعيين الوالي صالح عمار في حزيران/يونيو وهو المنتمي لأحد المكونات الأساسية البني عامر فيما رفضه المكون القبلي الآخر ممثلا في الهدندوة، وهو الصراع الذي كان أكثر عنفا من غيره من النزاعات القبلية التي كانت تتناوبها المدينة الشقيقة الأخرى بورتسودان عاصمة إقليم البحر الأحمر. لكن بالمجمل ظل شرق السودان ملتهبا بالصراعات القبلية المميتة ما جعل الحكومة تعلن حالة الطوارئ ونشر الجيش في المدينتين أكثر من 4 مرات، وظل الموت المجاني طابع الشرق طوال شهور العام الحالي وما زالت النفوس تحمل ما تحمل ما يرشح انتقال هذه الصراعات للعام الجديد.
وكانت عملية السلام أحد أبرز تجليات هذا العام بعد ان استضافتها جوبا على مدار العام الحالي مع مكونات الجبهة الثورية التي تضم 10 تنظيمات ما بين مسلحة ومدنية أبرزها ثلاثة من دارفور واثنين من جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي التي توجت باتفاق للسلام مع الجبهة الثورية في تشرين الأول/اكتوبر الماضي فيما تعثر التفاوض مع المكون الآخر الحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو الذي تمترس حول ضرورة إقرار علمانية الدولة قبل ان ينال إقرارا بمناقشتها في اتفاق مع رئيس الوزراء في اديس ابابا، وهو الاتفاق الذي سرعان ما وجد معاكسة من الجانب العسكري ما قاد لارتفاع التوتر مع الفريق شمس الدين كباشي، عضو مجلس السيادة ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك، ووصل التراشق فيه إلى الإعلام أكثر من مرة وهو أيضا قضية مرشحة لتكون حاضرة في العام الجديد.
صدمة سياسية
لكن تظل العلامة الفارقة هذا العام هي الخطوة الجريئة التي قام بها رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان شباط/فبراير الماضي، عندما طار إلى يوغندا والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وهو اللقاء الذي أحدث صدمة سياسية في الخرطوم كادت ان تؤدي بالشراكة بين أطراف الحكم، ولكن سرعان ما تم تدارك الأمر لكن في الوقت نفسه فتح الطريق للتفاوض مع إسرائيل على التطبيع والذي وصل مداه بإعلان وقف العداء بين السودان وإسرائيل الذي جاء نتيجة لإدراج الولايات المتحدة للتطبيع كأحد الشروط لرفع اسم السودان من لائحة الإرهاب، الأمر الذي ظل ملفا مفتوحا طوال هذا العام قبل أن يغلق يوم 22 كانون الأول/ديسمبر الحالي بإعطاء السودان الحصانة السيادية بعد رفعه من لائحة الإرهاب إثر دفع السودان لمبلغ 335 مليون دولار لضحايا تفجيرات المدمرة كول وتفجيرات سفارتي الولايات المتحدة في دار السلام ونيروبي وهو الإنجاز الأوحد هذا العام باعتباره ملفا أغلق ليفتح صفحة جديدة للعلاقات بين واشنطن والخرطوم حيث ستقدم أمريكا في العام المقبل منحة بمبلغ 1.1 مليار دولار وتحويل الخرطوم إلى شريك سياسي في المنطقة .
في أثناء كل ذلك ظلت جذوة الثورة السودانية متقدة بالمواكب التي استمرت في تخليد محطاتها الرئيسية في نيسان/ابريل وحزيران/يونيو واب/اغسطس وكانون الأول/ديسمبر. لكن كان لموكب ذكرى 30 حزيران/يونيو القدح المعلى، فهو الذي قاد لاستقالة أعضاء الحكومة ليقبل منهم رئيس الوزراء عبدالله حمدوك استقالة سبعة منهم أبرزهم وزير الصحة اكرم علي التوم ووزير المالية ابراهيم البدوي ووزيرة الخارجية، ما جعل الحكومة عرجاء بالكامل وهو الأمر الذي ظهر بوضوح في مواجهة جائحة كورونا التي ضربت البلاد والنظام الصحي بشكل كامل إلى جانب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ظلت السمة العامة لمشهد العام بأكمله، حيث ظل تراص العربات لانتظار الوقود لليالي وأيام أمرا طبيعيا على مدار العام حرفيا، إلى جانب أزمة طاحنة في الخبز ظلت شاخصة هي الأخرى على الرغم من تحرير الحكومة لسعر السلعتين أكثر من مرة ومضاعفة أسعارهما من أجل تغطية العجز في الاستيراد، لكن ظل الفشل يلازمها في هذا الجانب باستمرار ما حول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق رغم نجاح الحكومة في عقد مؤتمر لشركاء السودان تموز/يوليو الماضي الذي شاركت فيه أكثر من 40 دولة ودفعت المليارات، فيه لكنها ظلت وعودا معلقة ولم يتم تسديد دولار واحد منها لترحل إلى العام المقبل في انتظار قطف الثمار بعد رفع اسم السودان من لائحة الإرهاب.
سيول وفيضانات
واجه السودان مثله مثل دول العالم الأخرى جائحة كورونا التي راح ضحيتها أكثر من ألف شخص وعادت لتضرب من جديد بعد رفع الإغلاق الذي استمر لأكثر من أربعة أشهر. وقبل ان يفيق الناس من هول كورونا داهمتهم أعنف سيول وفيضانات لنهر النيل منذ أكثر من 100 عام ما قاد لتدمير واسع في البنية التحتية وضياع أرواح العشرات وهدم منازل الآلاف ليسارع العالم لمد يد العون للسودان المنهك اقتصاديا والمقسم اجتماعيا وسياسيا بشكل عنيف، حيث ظل التحالف الحاكم الحرية والتغيير يتعرض للهزات والانشقاقات التي قادت لخروج أحزاب كثيرة عنه أبرزها حزب الأمة القومي والحزب الشيوعي وانشق تجمع المهنيين عنه ما حطم قلوب السودانيين باعتبار انه التنظيم الذي كان رافعة للثورة وهو الأمر الذي قاد لعدم استقرار الحكومة سياسيا وهو الملف المرشح لتظهر تداعياته بشكل واضح العام المقبل ان لم يتم تداركه .
في غضون كل ذلك استمرت محاولات النظام القديم وحزب البشير العودة للمشهد والتأثير فيه عبر المواكب والتظاهرات والاحتجاجات في ظل ضربات الحكومة الانتقالية المتوالية عبر لجنة إزالة التمكين التي استعادت آلاف الأراضي وملايين الدولارات وعشرات الشركات والمصانع والفنادق من رموز النظام السابق تحت دعاوى الفساد الذي حوكم بسببه الرئيس السابق عمر البشير نفسه بالسجن في الإصلاحية لمدة عامين نسبة للعثور على ملايين الدولارات في مقر سكنه بغير وجه حق، فيما تتواصل محاكمته مع عدد من أركان نظامه في دعاوى قانونية أبرزها الانقلاب على نظام الحكم الديمقراطي عام 1989 فيما توفي عدد من وجوه النظام في السجون بسبب كورونا ومن بينهم وزراء سابقون وشقيق البشير نفسه عبدالله البشير الذي رحل في ملابسات غامضة أثارت الكثير من الشكوك حول الأمر.
راحلون
الرحيل المر في عام 2020 يتمثل في آخر رئيس وزراء شرعي ومنتخب، الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وإمام طائفة الأنصار، بعد صراع مع كورونا قبل ان ينتقل إلى الإمارات التي توفي في أحد مستشفياتها لتشيعه الخرطوم كما لم تشيع أحدا.
فقد العسكريون الذين يحكمون السودان بالمناصفة مع المدنيين أحد أبرز وجوههم الفريق جمال عمر، عضو المجلس العسكري الذي تسلم الحكم في نيسان/ابريل ووزير الدفاع بعد تشكيل الحكومة في اب/اغسطس 2019 وهو المنصب الذي ظل يشغله إلى لحظة وفاته نيسان/ابريل الماضي إثر إصابته بذبحة صدرية في مقر إقامته في جوبا عندما كان يقود التفاوض مع جماعات الكفاح المسلح.