السودان: قانون دعم الانتقال من الكونغرس يثير المخاوف من تعميق الشقة بين العسكريين والمدنيين

عمار عوض
حجم الخط
1

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تواصلت ردود الأفعال حيال القانون الذي أصدره الكونغرس الأمريكي لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، الذي يشدد الرقابة على قوى الأمن والاستخبارات السودانية، ويتضمن تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني في البلاد من قبل الحكومة، كتفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.
وبعد ان تجنب رئيس الوزراء عبدالله حمدوك الحديث عنه مباشرة في المؤتمر الصحافي الذي عقده واكتفى بالقول “نرحب بكل الجهود التي تدعم الانتقال” وأسهب في طبيعة شركاء الحكم التي تحتم عليهم النجاح بحسبانها تجربة غير مسبوقة، فيما رأى نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان انه يعمق الشقة بين المدنيين والعسكريين، بينما ألمح إليه رئيس أركان الجيش السوداني في معرض حديثه في تخريج دفعة من كبار الضباط قائلا “هناك من استعان بالأجنبي وجلب القوانين من وراء البحار” إلا ان ضابطا رفيعا في الجيش كشف لـ”القدس العربي” عن وجود وفد من وزارة الدفاع الأمريكية يتفاوض مع القيادة العامة للقوات المسلحة وان الاتفاقات تمضي لتوقيع بروتكول عسكري يسمح للجيش الأمريكي بحرية الحركة في السودان وصفقات أسلحة وتدريب للاستخبارات على مكافحة الإرهاب وصيانة طائرات حربية وأبدى اطمئنانه لاستعادة السودان لعلاقته الوثيقة مع الجيش الأمريكي مثل ما كان الحال في الثمانينيات.
وفي 11 ايلول/سبتمبر أقر الكونغرس الأمريكي، مشروع قانون يدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، ويتطلب المشروع من وزارة الخارجية الأمريكية تقديم استراتيجية تفصل الدعم الأمريكي لعملية انتقالية نحو حكومة بقيادة مدنية في السودان، كما يعرب عن دعم المشرعين الكبير لتقديم مساعدات تسهل العملية الانتقالية السياسية.
وقد سمي هذا المشروع باسم “قانون الانتقال الديمقراطي في السودان والمساءلة والشفافية المالية للعام 2020” وهو يحظى بدعم واسع من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لهذا فقد تم إدراجه ضمن مشروع التمويل الدفاعي الذي مرره الكونغرس بإجماع كبير من الحزبين.
ويتطلب المشروع بحسب ما نشرت مقتطفات منه صحف عربية ومحلية من الخارجية الأمريكية تقديم تقرير عن استراتيجيتها المذكورة، يتضمن أهداف الولايات المتحدة في الانتقال السلمي السياسي في السودان، والخطة التي ستعتمدها لتحقيق هذه الأهداف. إضافة إلى تقييم للإصلاحات اللازمة لترويج حقوق الإنسان والمساءلة، ووصف للجهود الرامية لتحقيق هذه الإصلاحات. كما يتضمن تقييماً لإصلاحات القطاع الأمني في البلاد من قبل الحكومة السودانية كتفكيك الميليشيات، وتعزيز السيطرة المدنية على القوات العسكرية.
وحسب نص المشروع، يطلب المشرعون من الرئيس الأمريكي تقديم الدعم لجهود حماية حقوق الإنسان، وبسط سلطة القانون والحكم الديمقراطي، إضافة إلى دعم البرامج الهادفة إلى تقديم النمو الاقتصادي، وإنتاجية القطاع الخاص. كما يدفع باتجاه دعم الاستراتيجيات الرامية إلى تعزيز فرص سلام واستقرار طويل الأمد، ومساءلة قوى الأمن والاستخبارات السودانية. إضافة إلى المحاسبة على جرائم انتهاكات حقوق الإنسان، واستغلال الموارد الطبيعية، وتهديد العملية الانتقالية الديمقراطية في السودان.
ويتحدث القانون عن مراقبة أموال الجيش والأجهزة الأمنية والعسكرية، وأصولها، وميزانيتها، والكشف عن أسهمها في جميع الشركات العامة والخاصة.
وينص أيضا على ضرورة وضع لائحة بكل الأسهم في الشركات العامة والخاصة التي تديرها أو تملكها قوى الأمن والاستخبارات ونقل كل هذه الأسهم إلى وزارة المالية أو أي هيئة تابعة للحكومة السودانية والتي أسست لهذا الغرض، والتي تقع تحت السلطات المدنية.
ويشمل النص وقف أي ضلوع لقوى الأمن والاستخبارات في الاتجار غير الشرعي للموارد المعدنية بما فيها النفط والذهب. إضافة إلى رسم وتطبيق خطة يمكن من خلالها للحكومة السودانية استرجاع أي ممتلكات أو أرباح للدولة تم تحويلها لحزب المؤتمر الوطني أو لأي مسؤول فيه، إضافة إلى تحقيق الشفافية فيما يتعلق بأي موارد مالية خارج السودان تعود لقوى الأمن والاستخبارات.
وينص المشروع على ضرورة المحاسبة على جرائم انتهاكات حقوق الإنسان واستغلال الموارد الطبيعية وتهديد العملية الانتقالية الديمقراطية في السودان. وذلك من خلال فرض عقوبات على المرتكبين حتى لو كانوا من المسؤولين. وتتراوح هذه العقوبات بين تجميد الأصول وإلغاء تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة، وغيرها من عقوبات.
ويشدد نص المشروع على أنه وبعد أن يصادق السودان على الخطوات اللازمة لتحسين الشفافية المالية، فإن وزارتي الخزانة والخارجية ستدفعان المؤسسات المالية الدولية لإعادة هيكلة، أو تأجيل، أو إلغاء ديون السودان.
وكان رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده الأسبوع الماضي تجنب الحديث عنه مباشرة عندما سئل عن تأثير القانون على المدنيين باعتبار انه يدعمهم بشكل واضح في مقابل العسكريين، وفضل الحديث عن طبيعة الشراكة السودانية بين المدنيين معتبرا إياه تجربة غير مسبوقة وانه يسعى جاهدا لتحقق نجاحا. ولم يفوت الفرصة في الهجوم مجددا على الشركات الاقتصادية التي تديرها المؤسسة العسكرية مطالبا بالشفافية في إدارة شؤونها واصفا تدخل الجيش في الاقتصاد الإنتاجي بانه “غير مقبول”.
لكن مستشار رئيس الوزراء لشؤون السلام جمعة كندة كان أكثر صراحة في ترحيبه بالقانون وقال لصحيفة “التغيير” المحلية “إطلعت على القانون وأن بعض البنود ربطت جزءا من الدعم بعد ايلولة رئاسة مجلس السيادة الانتقالي للشق المدني وجزء من الدعم في المرحلة المقبلة ما يعني أن القانون وضع لحماية الحكم المدني في السودان”.
وقال القيادي بالجبهة الثورية ياسر عرمان، إن قانون الكونغرس الأمريكي الجديد حول الانتقال الديمقراطي والمحاسبة، يمكن أن يؤدي إلى “تعميق الشقة الوطنية بين مؤسسات الحكم الانتقالي وبين المدنيين والعسكريين على وجه التحديد وهي من أمهات قضايا التحول والانتقال” وزاد: “الذي يعرف الكونغرس وتأثيره على السياسة الأمريكية؛ يدرك أهمية القرار وتاثيراته”.
وأشار عرمان لهشاشة البلاد وضعفها ما يستدعي الحاجة لطريق جديد يوحد جميع قوى الانتقال في شراكة حقيقية.
فيما استغل رئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين، حفل تخريج ضباط رفيعي المستوى بعد ان نالوا درجة الماجستير العسكري وفي حضور القائد العام للجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة ، للتاكيد على أن “القوات المسلحة ستظل عصية على مكر الماكرين وكيد الكائدين حتى وإن استعان البعض عليها بالأجنبي واستجلبوا لذلك القوانين من وراء البحار”. في اشارة لقانون الكونغرس الأمريكي مثار الجدل ليضيف “القوات المسلحة الجيش الذي يرومه الوطن وليست جماعة مسيسة ولا تهوى السلطة ولا تحترف الانقلابات والجيوش بمثل تلك المواصفات انهارت من حولنا، وحلت محلها الميليشيات”.
واعتبر كبير مستشاري السياسات في مؤسسة “كفاية” سليمان بلدو بحسب “سودان تربيون” أنّ أهمية هذا التشريع تنبع من سعيه لإنشاء آلية شفّافة لمُراقبة إدارة هذه الشركات العسكرية ومنع الفساد. وقال “في غضون ستة أشهر، سيقدم الرئيس الأمريكي تقريراً إلى الكونغرس يحدد الأفراد والكيانات التي ترتكب انتهاكات في السودان مخالفة لهذا القانون وتعيق الانتقال الديمقراطي في السودان”.
ونوه سليمان بلدو إلى أن الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن التزم خلال حملته الانتخابية بمحاربة الفساد المؤسسي في دول العالم بالتعاون مع الحلفاء.
فيما وصف الخبير القانوني عثمان محمد الحسن خيري، التشريع بأنّه فخٌ أو مخلب قط لتوقيع عقوبات على عسكريين سواء كانوا في الحكومة الحالية أو الحكومة السابقة، وقال لصحيفة “الصيحة” المحلية، إنّ التشريع بداية لتأسيس وتوقيع عقوبات على عسكريين وليس المنصوص عليه، الغرض منه الضغط على شركات عسكرية أو أمنية كي تلتزم مع المالية، وأكد أن الكونغرس الأمريكي درج على إنشاء قوانين، انطلاقاً من النظرية التي تدعو إلى إلغاء سيادة الدول، ولذلك أصبح يتخذ قوانين تُطبّق في دول أخرى، وأن تطبيقها لا يعتمد على أشخاص، وإنما التشريع تمهيدا لإعلان عقوبات على أشخاص يمكن أن يكونوا حاكمين حالياً، واعتبر ذلك جزءاً من لعبة دولية يتم تنفيذها الآن.
لكن ضابطا رفيع المستوى في الجيش السوداني ويمسك بملفات خارجية مهمة قلل لـ”القدس العربي” من هذه المخاوف وقال “علاقتنا في الجيش السوداني مع الولايات المتحدة تتقدم بسرعة كبيرة وهناك وفد عسكري أمريكي وصل الخرطوم ودخل في مفاوضات مع القوات المسلحة السودانية لتوقيع اتفاقية تعاون مشترك تتضمن عقود لتسليح الجيش السوداني بأسلحة متطورة، وتدريب للضباط السودانيين في أمريكا وإرسال مدربين للقوات الخاصة لتدريب الجنود في السودان، كما يشمل الاتفاق المتوقع السماح للجيش الأمريكي بحرية الحركة والحصول على تسهيلات للقوات داخل الأراضي السودانية عند الضرورة”. وتابع “يضم الوفد الأمريكي خبراء من وزارة الدفاع ووكالة الأمن القومي وذلك لتعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب خاصة منطقة القرن الأفريقي وغرب أفريقيا، وسيتم تدريب أفراد الاستخبارات في تشغيل أنظمة وأجهزة تركب في المطارات للتحقق من أي شخصية تمر بالمطار والمنافذ السودانية مع تبادل المعلومات من إدارات مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة”. وزاد “الأمريكان يعملون بجدية عالية لأن يصبح الأمن السوداني واحدا من أهم وحدات مكافحة الإرهاب في المنطقة الأفريقية، كما تم الاتفاق أيضا على صيانة أربعة طيارات C130 لم تصن لفترة طويلة تصل 35 سنة وتفعيل كل الاتفاقات التي كانت موجودة في الثمانينات مع الجيش الأمريكي وقريبا جدا سنشهد مناورات جديدة مثل النجم الساطع التي كانت مع الجيش الأمريكي في الصحراء الغربية”.
وأوضح قائلا “إن قيادات الجيش الموجودة الآن جادة جدا لإصلاح ما خربته الانقاذ، وهيئة القيادة الحالية للجيش كلهم من الضباط الذين شهدوا الجيش السوداني في فترة الثمانينات حيث كان أكثر تنظيما وتدريبا وانضباطا ولديهم توق خاص لإعادة الجيش إلى سابق عهده المنفتح على الخارج في التدريب والتسليح ليكون أكثر منعة في حماية البلاد وحماية الانتقال نفسه من المخاطر الداخلية والخارجية واأريكا تحتاج هذا ونحن نحتاجه أيضا”.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول البرهان:

    كما هو معلوم ان انفصال جنوب السودان عن شماله كانت ورائه امريكا وبما ان العلاقات التثنائية الامريكية السودانية اصبحت عادية لماذا لايطالب السودان بجنوبه؟

إشترك في قائمتنا البريدية