السودان: قتيل في تظاهرات ضد الانقلاب.. وردود فعل متباينة حول مبادرة الحوار الأممية

ميعاد مبارك
حجم الخط
1

الخرطوم ـ «القدس العربي»: تباينت ردود الفعل السياسية في السودان على إعلان بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، إطلاق مشاورات سياسية بين الأطراف، لحل الأزمة الراهنة في البلاد، فيما تواصلت، الأحد، التظاهرات المطالبة بإسقاط انقلاب الجيش، وتسليم السلطة للمدنيين، وقد سقط قتيل في مدينة بحري، بعد إصابته بعبوة غاز مسيل للدموع في عنقه.
وخرج عشرات الآلاف من المتظاهرين في العاصمة السودانية الخرطوم وعدد من المدن الأخرى، في تظاهرات نددت بالانقلاب والانتهاكات ضد الكوادر والمرافق الطبية.
ودعت لجان المقاومة السودانية وتجمع المهنيين السودانيين لهذه التظاهرات في إطار مواصلة التصعيد ضد الانقلاب تحت شعار «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية».

دروع وخوذات

وأغلقت الأجهزة الأمنية جميع الطرق المؤدية للقصر الرئاسي بـ(البلوكات) الإسمنتية لا سيما شارع القصر، القريب من القصر الرئاسي وسط الخرطوم.
وظلت القوات المشتركة تطلق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية بكثافة على المتظاهرين قرب القصر الرئاسي، بينما ابتدع المحتجون أساليب جديدة لحماية أنفسهم، حيث استخدموا مقاطع من براميل المياه الكبيرة كدروع لحماية أنفسهم من الإصابة بعبوات الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية، وارتدى بعضهم الخوذات التي يرتديها سائقو الدراجات النارية، وكان أغلب أصحاب الدروع والخوذات في خطوط التظاهرات الأولى.
وأيضا ارتدى المحتجون نظارات السباحة والأقنعة الواقية والكمامات لحماية أنفسهم من الاختناق بالغاز المسيل للدموع. والتحمت التظاهرات القادمة من مدينة أمدرمان مع المتظاهرين في مدينة بحري، حيث واجهتهم السلطات بإطلاق الرصاص والغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية. وحسب المدير التنفيذي لمبادرة حاضرين لعلاج مصابي الثورة السودانية، قتل شخص في مدينة بحري بإصابة مباشرة في العنق بعبوة غاز مسيل للدموع، بينما أصيب آخر برصاصة في كاحله الأيسر.
كما أعلنت لجنة أطباء السودان المركزية، الأحد، وفاة علاء الدين عادل (17 عاما) متأثرا بإصابته برصاصة في العنق في تظاهرات الخميس الماضي بمدينة أمدرمان، ليرتفع عدد القتلى في التظاهرات منذ انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي إلى 62.
ونفذت الكوادر الطبية عددا من الوقفات الاحتجاجية في مستشفيات أمدرمان وشرق النيل في بحري والجودة وسط الخرطوم، والتي انطلقت منها تظاهرة إلى مباني مفوضية حقوق الإنسان، حيث سلمتها مذكرة تندد بالاعتداء على المرافق والكوادر الطبية.

استهداف المستشفيات

وحسب بيان مشترك للجنة أطباء السودان المركزية، ونقابة الأطباء السودانيين، وعدد من اللجان الصحية الأخرى، «منذ بداية الانقلاب، تعرض مستشفى الخرطوم التعليمي لأربع حوادث اقتحام وإطلاق للغاز المسيل للدموع، بينما تعرض مستشفى شرق النيل لحادثتي اقتحام، وتم اقتحام مستشفى الأربعين في أمدرمان واعتقال جرحى من داخل المستشفى، فضلا عن إطلاق الغاز المسيل للدموع في مستشفى أحمد قاسم للأطفال وجراحة القلب».
وأيضا «اقتحمت الأجهزة الأمنية مستشفى بورتسودان، واعتقلت إحدى المصابات في 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهاجمت مستشفى كسلا التعليمي أثناء تنفيذ الكوادر الطبية وقفة احتجاجية 10 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي».
سياسياً، تواصلت ردود الأفعال المتباينة على مبادرة الحوار السياسي التي أطلقتها بعثة الأمم المتحدة في السودان بين جميع الأطراف لحل الأزمة الراهنة في البلاد، على أن تتولى الأمم المتحدة تيسيرها للوصول لاتفاق للخروج من الأزمة.
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان، فولكر بيرتس إن «الأمم المتحدة بالتشاور مع الشركاء السودانيين والدوليين، أطلقت مشاورات سياسية أولية بين جميع الأطراف، تتولى الأمم المتحدة تيسيرها بهدف دعم أصحاب المصلحة السودانيين للتوصل لاتفاق للخروج من الأزمة السياسية الحالية والاتفاق على مسار مستدام نحو الديمقراطية والسلام».

دعم قوي

ورحبت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، حسب بيان مشترك نشرته وزارة الخارجية الأمريكية، بالإعلان عن قيام بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان بتسهيل المناقشات لحل الأزمة السياسية في السودان.
وأكدت «دعمها القوي لمبادرة الحوار بمساعدة الأمم المتحدة وقيادة السودانيين، وحثت كل الناشطين السياسيين على اغتنام ما وصفتها بالفرصة لاستئناف انتقال البلاد إلى الديمقراطية المدنية بما يتماشى مع الوثيقة الدستورية لعام 2019».
وقال البيان أيضا: «نأمل أن تكون عملية موجهة إلى تحقيق نتيجة تقود البلاد إلى انتخابات ديمقراطية تتوافق مع تطلعات الشعب السوداني الواضحة إلى الحرية والديمقراطية والسلام والعدالة والازدهار».

«هزيمة الانقلاب»

المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» أكد على «موقفه المعلن حول مواصلة العمل الجماهيري السلمي لهزيمة الانقلاب وتأسيس سلطة مدنية كاملة تقود الانتقال الذي يستكمل مهام ثورة السودانية، ويؤدي لانتخابات حرة ونزيهة بنهاية المرحلة الانتقالية» مشددة على أنها لن تتراجع عنه.

مفوضية حقوق الإنسان تتسلم مذكرة تندد بالاعتداء على المرافق الطبية

وحول مبادرة البعثة الأممية، قال المجلس «اطلعنا على البيان الذي أصدره الممثل الخاص للأمين العام في السودان، والذي بادر فيه بالدعوة لمشاورات أولية حول عملية سياسية بين الأطراف السودانية تتولى الأمم المتحدة تيسيرها».
وأشار إلى أن «الانتقال عصف به انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي» مؤكدا على «ضرورة تعاطي البعثة مع الوضع الراهن على هذا الأساس وأن يتوافق عملها مع قرارات مجلس الأمن التي نصت على دعم عملية الانتقال والتقدم نحو الحكم الديمقراطي والسلام وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها».
وأكدت قوى «الحرية والتغيير» أنها «تتعامل بشكل إيجابي مع أي جهد دولي يساعد في تحقيق غايات الشعب السوداني في مناهضة الانقلاب وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية» موضحة أنها «لم تتلق حتى الآن أي تفاصيل حول مبادرة البعثة الأممية حول السودان».
وبينت أنها «ستدرس المبادرة حال تلقتها بصورة رسمية وستعلن موقفها للرأي العام في حينها».

«مثيرة للجدل»

لكن تجمع المهنيين السودانيين رفض المبادرة، واصفا تحركات رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان بـ«المثيرة للجدل ولا تتوافق مع المهام الموكلة للبعثة».
وقال في بيان السبت : «نؤكد رفضنا التام لهذه الدعوة التي تسعى للدفع في اتجاه التطبيع مع المجلس العسكري الانقلابي» مشددا على أن «الشعب أعلن بوضوح أن الطريق لحل الأزمة السودانية يبدأ بإسقاط المجلس العسكري الانقلابي بشكل تام، وتقديم عضويته للعدالة الناجزة على ما اقترفوه من مذابح ومجازر بحق الشعب السوداني في محاكم خاصة».
وأضاف: «ظلت تحركات رئيس البعثة الأممية منذ فترة مثيرة للجدل ومفارقة للمهام الموكلة للبعثة التي يقودها، فسعى سابقاً لتثبيت وحشد الدعم لاتفاق البرهان – حمدوك، مشيرا إلى أن مساعيه باءت بالفشل في دعم الاتفاق الذي كان يسعى لمحاولة لشرعنة وتعضيد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».
وأكمل: «ممارسات رئيس البعثة تخالف أسس ورسالة المنظمة الدولية في دعم تطلعات الشعوب في الحرية والسلم والعيش الكريم» مطالبا إياه بـ«الإصغاء جيداً لأهداف الشعب وقواه الثورية في الحكم الوطني المدني الكامل وهزيمة آخر معاقل الشمولية» حسب البيان.
كذلك رفضت حركة «جيش تحرير السودان» بقيادة عبد الواحد محمد نور دعوة رئيس البعثة الأممية بالسودان للانضمام لعملية سياسية برعاية أممية.
وقال رئيس حركة جيش تحرير السودان؛ عبد الواحد نور، حسب وسائل إعلام محلية، إن الحركة تلقت دعوة ورفضتها بناء على موقفها المعلن والمبدئي ضد الانقلاب، لافتا إلى أن فكرة الحوار السوداني السوداني هي فكرة حركته وسبق وأن عرضتها على رئيس البعثة الأممية لكن لم تجد استجابة.
وقال نور: إن أي حراك في ظل الانقلاب ما هو إلا شرعنة لوضع انقلابي، وأي قوى سياسية تطبع مع الانقلاب تصبح جزءا منه.
الخبير القانوني عبد الباسط الحاج، قال لـ«القدس العربي» إن البعثة السياسية الخاصة للأمم المتحدة في السودان هي من «نوع البعثات التي يتم تشكيلها بناء على طلب الدول الخارجة من نزاع» مشيرا إلى أنها «اختيارية ويكون من مهامها الأساسية تقديم كل ما هو لازم لإكمال الانتقال السياسي في البلدان مثل السودان».
وحسب الحاج «وفقا لميثاق الأمم المتحدة والقرار رقم 2524 لعام 2020، المؤسس للبعثة، يعتبر من صلاحياتها تقديمها مبادرة تيسير لعملية الحوار الوطني في السودان» مشيرا إلى أن ذلك «ضمن مهامها الأساسية بجانب مهام أخرى متعلقة بإصلاح المنظومة العدلية ومساعدة الحكومة الانتقالية في بناء برنامجها الاقتصادي، بالإضافة إلى توجيه كل صناديق الأمم المتحدة الأخرى لدعم عملية الانتقال في السودان».
وأضاف: «وفقا لتجارب أخرى حدثت في دول في القارة الأفريقية، فإن البعثة السياسية لا تقوم هي بنفسها بصياغة الحلول والبرامج الوطنية، ولكن تقوم بتيسير عملية الحوار وفقا لمبدأ الملكية الوطنية لعملية الانتقال».
أما المحلل السياسي أنور سليمان فقد رأى في تصريح لـ«القدس العربي» أن مبادرة بعثة المساعدة الأممية، «تكتنفها شكوك واسعة» مشيرا إلى أن «احتمالات فشلها أكبر من نجاحها، خاصة بعد فشل مبادرات وطنية عديدة أبرزها مبادرة رئيس الوزراء المستقيل نفسه».
ولفت إلى أن «بعثة المساعدة الدولية مطلوب منها المساعدة فيما تجيده وتعرفه وهو بناء مؤسسات حكم القانون وتحقيق ضمانات استقلال الهيئات والمؤسسات بما يحقق جودة الإدارة والحكم الرشيد».
واعتبر «ما تقوم به البعثة محاولة تيسير حوار بين الأطراف السودانية».
وقال «البعثة تتحدث عن مشاورات أولية ما يعني أنها ستبدأ في استكشاف الواقع وبحث إمكانيات التوصل لأرضيات صلبة وصالحة للتقدم منها، والذي يعني بالضرورة أنها تحتاج لوقت حتى تقرر ما إن كانت مبادرتها يمكن أن تنجح وتتقدم بها أو أنها محكوم عليها بالفشل، فتنسحب وتتراجع عنها».
ورجح فشلها قائلا: «الوضع في السودان على بساطته ليس مفهوما للجهات الخارجية والأجنبية وليس مفهوما لموظفي المنظمات، ويتطلب جهداً ومبادرة وطنية في المقام الأول».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الصعيدي المصري:

    على الاشقاء غي السودان ان يعرفوا ان الدول الغربية وامريكا والامارات والسعودية ومن خلفهم سيسي رئيس الانقلاب المصري لا يريدون انتقالا ديمقراطيا مدتيا في اي بلد عربي .. من مصلحة الغرب واسرائيل ان تظل الدول العربية تحت حكم تسلطي دموي غاشم لان ذلك يحقق مأربهم في ثروات وخضوع الدول العربية ..وان يظل مستبدوها تحت امرة الغرب باعتبارهم وكيلا عن الاستعمار في ثوبه الجديد .. على الثورة السودانية ان تستكمل طريقها وترفض اي وساطات مشبوهة الغرض منها هو تبريد وتركيد المطالب في الانعتاق والحرية والعدالة .. برهان السودان ليس الا صورة من سيسي مصر وبشار سوريا .. وكلهم يخوضون معارك ضد شعوبهم متكئين على الدعم والتخابث الغربي

إشترك في قائمتنا البريدية