السودان: لا وساطة عربية… والجيش يواصل مساعي تهميش «الحرية والتغيير»

ميعاد مبارك
حجم الخط
0

الخرطوم ـ «القدس العربي»: نفى رئيس وفد الجامعة العربية للخرطوم، حسام زكي، الإثنين، وجود وساطة تقوم بها الجامعة العربية في السودان، مؤكداً لـ«القدس العربي» وجود نافذة أمل لحل الأزمة، في وقت يسعى فيه العسكريون لخلق واقع انتقالي جديد لا يكون شريكهم السابق «قوى الحرية والتغيير» جزءأ منه، متجاهلين الاحتجاجات والتظاهرات التي تعم العاصمة الخرطوم والولايات السودانية منذ انقلاب الجيش على الحكم المدني في الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
زكي الذي يشغل منصب الأمين العام المساعد للجامعة العربية، نفى وجود وساطة تقوم بها الجامعة العربية في السودان. وقال لـ«القدس العربي»: «جهودنا تهدف إلى التعرف على تطورات الوضع في السودان والإسهام في معالجة الازمة إذا طلب منا ذلك» مؤكدا وجود «نافذة للأمل في حل الأزمة السودانية».
وأضاف: «ينبغي العمل على توسيع هذه النافذة وليس إغلاقها».
وبخصوص اجتماعهم بقوى «الحرية والتغيير» قال: «طلبنا لقاء بعض مكونات الحرية والتغيير والحركات المسلحة ولكن ضيق الوقت حال دون ذلك، لذا اكتفينا بلقاء قائد الجيش عبد الفتاح البرهان كممثل للشق العسكري ورئيس الحكومة المعزول عبد الله حمدوك كممثل للشق المدني». في الأثناء، تستمر جهود قائد الجيش في إقناع حمدوك بالانضمام لحكومة جديدة يكونها البرهان، حيث كان آخر العروض التي قدمها الجيش لحمدوك هو أن يصبح عضوا في المجلس السيادي مع احتفاظه ببعض الصلاحيات التنفيذية.
ويراهن الشق العسكري في السودان على تقسيم قوى «الحرية والتغيير» وصناعة حاضنة سياسية جديدة تضمن استمراره في الحكم.
وكان البرهان قد حمّل قوى «الحرية والتغيير» مسؤولية الوضع المأزوم في السودان، مشددا على أن الفترة المقبلة من عمر الانتقال في البلاد لن تكون فيها حكومة سياسيين بل حكومة تكنوقراط.
وفي الوقت الذي أكد فيه البرهان التزامه باتفاق سلام جوبا الموقع في تشرين الثاني/ أكتوبر 2020 واستحقاقاته التي منحت الحركات المسلحة مقاعد في المجلس السيادي ومجلس الوزراء، أكد قائد الجيش أنه لن يقبل عودة أعضاء المجلس السيادي والوزراء المنتمين لقوى الحرية والتغيير للحكم.

«امتلاك البندقية»

وهذا يعني أن خطة الجيش تشمل بقاء المجلس العسكري في السلطة، وكذلك الحركات المسلحة مع استبدال السياسيين بتكنوقراط يسهل التحكم فيهم، حسب الصحافي والمحلل السياسي عمر الفاروق، الذي قال لـ«القدس العربي» إن «خطوة الانقلاب التي تمت في السودان تمت تحت اعتبار وحيد هو امتلاك البندقية، وتنحية كل من لا يملك السلاح جانبا بقوة السلاح». وبين أن «التحالف الذي يحكم السودان حاليا هو تحالف أمراء حرب» على حد تعبيره، «يعيش هدنة تكتيكية وتجمعه التناقضات والمصالح ويسعى لابتلاع الموارد، كل حسب مربعه التنقيبي المتفق عليه».
وأضاف: «الجيش اصطدم بجدية القوى المدنية في المطالبة بتسليم السلطة لهم في النصف الثاني من الفترة الانتقالية حسب الاتفاق الذي تم في الوثيقة الدستورية، في وقت لم يكن مستعدا بعد للتخلي عن السلطة».

«سنستعيد ثقة الشارع»

عضو المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» شهاب الدين الطيب، قال لـ«القدس العربي» «واضحة جدا هي محاولات الجيش لإخراج قوى الحرية والتغيير من المشهد ومراهنته على تقسيمها، فضلا عن محاولة تماهي البعض مع هذا الموقف لإيجاد تسوية» مشددا على أن «قوى الحرية التغيير قادرة على أن تكون حاضرة في المستقبل السياسي للبلاد، وأنها ملتزمة بمطالب الشارع».
وأضاف: «سنعمل على استعادة ثقة الشارع السوداني الذي جئنا كممثلين له في الأساس».
وجدد المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» رفضه لأي مبادرة للوساطة لا تشمل العودة إلى ما قبل انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر.
وأكد أن اللقاءات التي قامت بها مجموعة من عضويته مع البرهان وحمدوك لا تمثله.

تحركات فردية

وكشف الطيب عن تحركات يقوم بها ثلاثة أعضاء في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، هم فضل الله برمة وحيدر الصافي ويوسف محمد زين، بشكل فردي، مؤكدا أن المجلس لفت نظرهم لخطورة الخطوات الخطيرة التي يقومون بها.
وأشار إلى أن الأعضاء الثلاثة التقوا البرهان دون التوافق مع المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» والتقوا الأحد حمدوك، وقدموا له عرضا بإيعاز من العسكريين ليتخلى عن منصب رئيس الوزراء ويكون العضو الخامس عشر في المجلس السيادي. ويشمل العرض أيضا أن يتم الإبقاء على صلاحيات حمدوك التنفيذية، التي كان يملكها كرئيس للوزراء عند انتقاله لعضوية المجلس السيادي في حال موافقته على عرض العسكريين، والذي يعني بالضرورة إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية.
ورفض حمدوك عرض العسكريينـ مؤكدا التزامه بما تتفق عليه القوى السياسية.

الطيب: سنعمل على استعادة ثقة الشارع الذي جئنا كممثلين له في الأساس

ووضع المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» خلال اجتماع له أمس أربعة شروط اساسية للقبول بأي مبادرة للوساطة.
والشروط، حسب الطيب، هي العودة للوضع الدستوري للبلاد وإطلاق سراح كل المعتقلين بمن فيهم حمدوك، بالاضافة إلى عودة حمدوك وحكومته وتسليم السلطة للمدنيين، وكذلك توحيد قوى الحرية والتغيير.
وشدد «الطيب» على أن أي مبادرة للوساطة تتم داخل الغرف المغلقة ستشمل تسوية لن يقبلها الشارع، مطالبا بـإخراجها للعلن أمام الجماهير السودانية، مؤكدا تمسكهم بعودة حمدوك وخروج العسكريين من المشهد.
وأضاف: لا يمكن قيام أي حوار دون أساس دستوري، في اشارة إلى تجميد الجيش للعديد من المواد في الوثيقة الدستورية.
وأشار إلى «محاولة بعض القائمين على مبادرات الوساطة على تجاهل قوى الحرية والتغيير لجهة موقفها الرافض للتماهي مع موقف الجيش واعتباره أمرا واقعا» لافتا إلى أن «محاولة إخراج قوى الحرية والتغيير من المشهد ستقود إلى تعقيدات واسعة، وإلى أن الشارع السوداني في حال استمرار الوضع الراهن ستكون مطالبه أكبر من عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الانقلاب، ورفض الشراكة مع العسكريين بالمطلق».
وأكد أن «وفدي جنوب السودان والجامعة العربية لم يتواصلا مع قوى الحرية والتغيير».
وعقد وفد من المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» أمس، اجتماعات مع سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، لمناقشة الوضع الراهن في السودان، وأكد الاجتماعان على رفض الانقلاب العسكري.
وكان ائتلاف إعلان قوى «الحرية والتغيير» المكون من تجمع المهنيين وأحزاب سياسية قد قاد الاحتجاجات الشعبية التي نجحت في إنهاء حكم البشير للسودان الذي استمر لثلاثين عاما، في نيسان /ابريل 2019، إلا أنه لم يستطع الحفاظ على تماسكه، حيث أعلن الحزب الشيوعي انسحابه منه في تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، كما أعلن رفضه للشراكة مع العسكريين، بينما جمد حزب الأمة عضويته لأسباب تنظيمية ثم عاد مرة أخرى لائتلاف قوى الحرية والتغيير.
ووقعت قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري اتفاقا لتقاسم السلطة الانتقالية بين المدنيين والعسكريين في السابع عشر من أغسطس/ آب 2019 بعد أشهر من التفاوض، وأكد الجانبان التزامهما بقيادة البلاد وفق الوثيقة دستورية الموقعة بين الجانبين.

مجموعتان

وشهدت قوى «الحرية والتغيير» انقسامات عديدة كان أبرزها الانقسام الذي تم عند توقيع مجموعة من الأحزاب والحركات والقوى المهنية ذات الثقل في سبتمبر/ أيلول الماضي، إعلانا سياسيا، كان الغرض منه توحيد قوى «الحرية والتغيير» ورأب الصدع بين أطرافها، إلا أنه انتهى بانقسام قوى «الحرية والتغيير» إلى مجموعتين،
تشمل المجموعة الأولى المعروفة بقوى «الحرية والتغيير» «المنصة» مجموعات مهنية وأحزاب ذات ثقل جماهيري، مثل حزب الأمة والتجمع الاتحادي، بالإضافة إلى مجموعة من حركات مكونات الجبهة الثورية، تضم الحركة الشعبية شمال ـ الجبهة الثورية، بقيادة مالك عقار وحركة جيش تحرير السودان المجلس الانتقالي بقيادة الهادي ادريس، فضلا عن قائد تجمع قوى تحرير السودان الطاهر حجر. بينما يعتبر أبرز مكونات المجموعة الثانية لقوى الحرية والتغيير، المعروفة بمجموعة «الميثاق» حركة العدل والمساواة، بقيادة وزير المالية في حكومة حمدوك جبريل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة حاكم اقليم دارفور مني أركو مناوي، وعدد من الأحزاب الأقل ثقلا، والتي قالت إن المجموعة الأولى تستحوذ على المناصب في المجلس السيادي ومجلس الوزراء.
ووجهت المجموعة الأولى اتهامات للمجموعة الثانية بـ«التآمر والعمل مع العسكريين من أجل خلق خلل دستوري وإقامة اعتصام أمام القصر الجمهوري السوداني لإيجاد مبررات لانقلاب العسكريين على السلطة المدنية في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
ولم تخف أغلب المجموعات والحركات في مجموعة قوى الحرية والتغيير «الميثاق» تأييدها للانقلاب العسكري، حيث اعتبره رئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم، إجراءات استثنائية لا بد منها.
إلى ذلك، أكد مصدر مطلع في مجموعة الجبهة الثورية التابعة لقوى الحرية والتغيير «المنصة» لـ«القدس العربي» أن «حركتي الهادي ادريس والطاهر حجر تتعرضان لضغوطات كبيرة من الجيش للانضمام لصفه» في وقت جددت الجبهة الثورية في بيان الأحد رفضها للانقلاب العسكري واحترام إرادة الشعب السوداني والتحول الديمقراطي وبناء الدولة المدنية.
وأكدت كذلك التزامها بالوثيقة الدستورية وتنفيذ اتفاق سلام جوبا، مطالبة بإطلاق سراح جميع المعتقلين وعلى رأسهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعضو المجلس القيادي في الجبهة الثورية ياسر عرمان.
ونددت الجبهة بالاعتقالات المتكررة للسياسيين والناشطين واستخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، مطالبة برفع حالة الطوارئ وتهيئة المناخ للحوار الجاد بإعتباره المخرج للأزمة في السودان.
وفي أول ظهور له منذ الانقلاب قال قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو «حميدتي» في بيان متلفز مساء الأحد، إن قرارات البرهان جاءت لتصحيح مسار الثورة والمحافظة على أمن واستقرار السودان، مؤكدا أن كل المحاولات فشلت بسبب تمسك وتحكم فئة قليلة بزمام الأمر في البلاد وانشغالها بالصراع على السلطة عن مطالب ثورة الشعب.
وعلى صعيد الشارع، بدت الحركة العامة أكثر كثافة من الأحد، رغم استمرار التزام بعض المؤسسات بالعصيان المدني الذي نادى به تجمع المهنيين وكذلك بعض المستشفيات بالإضراب.
وكانت شوارع العاصمة الخرطوم مفتوحة للمارة ما عدا بعض الحواجز «والمتاريس» في أحياء» الهجرة» «الدومة» و« العمدة» في مدينة امدرمان غرب العاصمة وشارع «المعرض» في حي بري وسط الخرطوم.
إلى ذلك، لا تزال خدمات الإنترنت مقطوعة في السودان للأسبوع الثاني على التوالي.
من جهة أخرى، يشكو المواطنون في العاصمة السودانية من انعدام الخبز المدعوم وغاز الطهي منذ بداية الانقلاب العسكري، حيث توقفت معظم المخابز في الخرطوم عن صنع الخبز المدعوم وتحولت لصناعة الخبز التجاري الذي يكلف أكثر من عشرة أضعاف سعر المدعوم.
وفي تصعيد آخر قالت لجنة المعلمين السودانيين في بيان إن قوة عسكرية اقتحمت مكتب تعليم المرحلة السودانية بمحلية كرري وسلمته لإدارة تنتمي للنظام السابق.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية