الخرطوم ـ «القدس العربي»: أبدت «لجان المقاومة» استياءها من موقف المجلس المركزي لقوى «الحرية والتغيير» الذي اعتبر إعلان نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو «حميدتي» ترك الحكم للمدنيين في السودان «إقرارا إيجابيا ببعض مطالب الحراك الجماهيري، وامتدادا لتراجع خطوات الانقلاب».
المتحدث باسم لجان مقاومة الخرطوم، أحمد عصمت، قال لـ«القدس العربي» إنهم في لجان المقاومة يعتبرون أن «مواقف الحرية والتغيير تؤكد أنها ماضية نحو تسوية، وتماه جديد مع العسكر» مؤكدا أنهم «لن يعترفوا بأي حكومة يكون القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه (حميدتي) جزءا منها، وأنهم متمسكون برفض الشراكة، والتفاوض مع العسكر، والعمل من أجل السلطة المدنية الكاملة».
وأكد أنهم غير معنيين بما قاله «حميدتي» وهو «مجرد كلام لا أكثر» مشيرا إلى أن «الخروج من العمل السياسي ليس بالقول، ولكن بالتنفيذ العملي على أرض الواقع».
وبين أن «العسكر استولوا على السلطة والمال العام ومناجم الذهب بفوهة البندقية، وأنهم للحفاظ على ذلك سيواصلون التمسك بالسلطة».
وفي معرض تعليقه على موقف «الحرية والتغيير» الأخير، أشار إلى اللقاءات التي تمت مؤخرا بين التحالف وبين العسكر، تمهيد لعودتهم (الحرية والتغيير) إلى السلطة، مشيرا إلى أنهم يتعاطون مع انقلاب العسكر «كأزمة سياسية تنتهي بتسوية جديدة». وهذه التسوية، حسب عصمت «لن تعني لجان المقاومة في شيء» مؤكدا «رفضهم لدعوات الوحدة التي أطلقتها الحرية والتغيير».
«تدليس ومراوغة»
وفي السياق، قالت لجان مقاومة العشرة ـ جنوب الخرطوم، في بيان، أمس الأحد، إن «قوى الحرية والتغيير احتفت بخطاب حميدتي، وتحاول تصديره كانتصار لمطالب الثورة» مشددة على أن «الحركة الجماهيرية لا تستجدي الإقرار بمطالبها من الانقلابيين والقتلة، الذين تعد لهم المشانق».
ووصفت موقف «الحرية والتغيير» بـ«التدليس والمراوغة وتحوير مطالب الشارع الواضحة بعودة العسكر للثكنات وحل قوات الدعم السريع التي يقودها (حميدتي)» معتبرة ذلك «دليلا على عدم حرص الحرية والتغيير على مطالب الثورة السودانية ومضيها في طريق التسوية».
وشددت على أن أي «محاولة لإسكات الأصوات المتمسكة باللاءات الثلاث (لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية) تعتبر تمهيدا لإضعاف الحراك الثوري ومحاولة لتضليل وتغبيش الوعي الجماهيري من أجل التسوية».
وفي إشارة إلى اللقاءات التي تمت بين المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» والعسكر، خلال الشهرين الماضيين، بوساطة أمريكية ـ سعودية، اتهمت لجان المقاومة، مركزي «الحرية والتغيير» بـ«العمل على تفكيك لجان المقاومة والتأثير على استقلاليتها» وما وصفته بـ«تلطيخ يدها بمصافحة الانقلابين لتكملة تسوية منزل السفير السعودي، وإعادة تجربة الشراكة والارتهان للمحاور وضمان إفلات القتلة من العقاب».
لن ننخدع
ووصفت دعوات «الحرية والتغيير» لـ«وحدة قوى الثورة بغير الحقيقية» مضيفة «لن ننخدع بوحدة زائفة كحال المستجير بالرمضاء من النار».
وتابعت إن «مبادئنا التي توافقنا حولها في ميثاق تأسيس سلطة الشعب ووصايا الشهداء هي مرشدنا في الطريق نحو التحول المدني الديمقراطي» مؤكدة أن أي «محاولة لتعطيل وحدة قوى الثورة لن تزيدهم إلا إصرارا لجهة إسقاطها كل أصحاب المواقف الرمادية» وفق البيان.
وأكملت: «سنسير في طريقنا بجهود الثوار المخلصين لتحقيق أهدافنا الوطنية المشتركة ووضع أسس بناء الدولة السودانية».
وكان المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» قد عقد السبت اجتماعا طارئا حول تصريحات «حميدتي» التي جاءت في وقت متأخر من مساء الجمعة، وأكد خلالها ترك العسكر السلطة للمدنيين.
وقال المجلس عقب الاجتماع إن «خطاب حميدتي جاء كامتداد لخطوات تراجع السلطة الانقلابية» مؤكدا أن ذلك «جاء نتيجة لقوة الحراك الشعبي المتصاعد، وتمسك الشارع بقضاياه العادلة واستكمال مسيرة الثورة السودانية».
وأكد أن «خطاب حميدتي احتوى إقراراً إيجابياً ببعض مطالب الحركة الجماهيرية، أهمها ضرورة تسليم السلطة كاملة للمدنيين، وخروج المؤسسة العسكرية كلياً من السياسة وتفرغها لمهامها الدستورية والالتزام بالإصلاح الأمني والعسكري الذي يشمل الوصول لجيش مهني وقومي واستكمال ملف السلام».
تنحي السلطة الانقلابية
وحسب المجلس «الانقلاب يقود البلاد إلى وضع خطير يهدد وحدة البلاد واستقرارها» مشددا على أن «نجاة البلاد من السيناريوهات السيئة التي تحيط بها، لن يتأتى إلا بتنحي السلطة الانقلابية وتأسيس سلطة مدنية كاملة».
قالت إن «الحركة الجماهيرية لا تستجدي الإقرار بمطالبها من الانقلابيين والقتلة»
وقال إن «مهمة السلطة المدنية المطلوبة هي التعبير عن الثورة وقضاياها خلال مرحلة انتقالية يتم فيها الشروع الفوري في الإصلاح الأمني والعسكري، وصولا إلى جيش موحد، بالإضافة إلى مخاطبة قضايا العدالة بصورة شاملة ومنصفة والترتيب لانتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب من يحكمه». وشدد على أن «تأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة، يتطلب وحدة قوى الثورة وتمسكها بقضايا التغيير الديمقراطي الشامل» داعيا «جميع القوى المناهضة للانقلاب للتنسيق المشترك وصولا للحكم المدني الديمقراطي» مؤكدا أنهم بصدد «طرح مشروع إعلان دستوري لكل قوى الثورة والقوى المدنية والسياسية الديمقراطية».
وأشار إلى أن «الإعلان سيستند على كل ما أنتجته قوى الثورة من مواثيق وعلى التقييم الأمين والشفاف لتجربتها في الحكومة الانتقالية بما يضمن وضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي المستدام وجعل انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي آخر انقلابات في البلاد، والعمل على إغلاق هذه الصفحة بصورة كلية». ودعا «المجتمع الإقليمي والدولي للتضامن مع الشعب السوداني ودعمه في سعيه الدؤوب للسلام والعدالة والحرية» مشيرا إلى «ضرورة التفهم العميق لأن معادلة الاستقرار في السودان مرتبطة بالتحول المدني الديمقراطي الحقيقي».
وبعد صمت دام لأسبوعين، قال «حميدتي» في بيان أصدره في وقت متأخر من مساء الجمعة، إنه يؤيد إعلان البرهان ترك السلطة للمدنيين، وتفرغ العسكر لمهام الأمن والدفاع. وعقب ذلك بيوم واحد، عاد مرة أخرى إلى دارفور، التي استمرت زيارته الأخيرة لها نحو ثلاثة أسابيع التقى خلالها قادة المجموعات العشائرية، ليرجع بعدها إلى العاصمة، الأحد قبل الماضي، وسط تساؤلات عديدة حول أسباب بقائه في دارفور وعودته إلى الخرطوم في هذا التوقيت.
ووفق إعلام المجلس السيادي فإن «حميدتي عاد إلى دارفور لاستكمال المصالحات القبلية وبسط الأمن وفرض هيبة الدولة والعمل على العودة الطوعية للنازحين، وإعادة الحياة الطبيعية ورتق النسيج الاجتماعي بين مكونات دارفور، فضلاً عن متابعة الإجراءات والقرارات المتعلقة ببسط هيبة الدولة وإعمال حكم القانون، وإنفاذ اتفاقيات الصلح التي تمت وإنزالها إلى أرض الواقع».
وفي البيان الذي أصدره «حميدتي» مساء الجمعة، أبدى استياءه من أحداث القتل والعنف في البلاد، مؤكدا أن البلاد تمر بأزمات هي الأخطر في تاريخها الوطني الحديث، مشيرا إلى أن «تلك الأزمات تهدد وحدتها وسلامتها وأمنها ونسيجها الاجتماعي، وتفرض على الجميع وقفة أمينة وصادقة مع النفس، وتحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية». وأكد أن «انتشار الصراعات القبلية على امتداد البلاد وإراقة الدماء دون مراعاة وتعالي أصوات الكراهية والعنصرية ستقود البلاد بشكل حتمي إلى الانهيار» مشددا على أنه «لن يكون جزءاً من ذلك ولن يصمت إطلاقاً عن كل من يهدد البلاد وإنسانها».
وأضاف: «إنني أراقب وأعلم تماماً المخططات الداخلية والخارجية التي تتربص بالبلاد، وأدعو من هذا المنبر كل الوطنيين الشرفاء من قوى سياسية وثورية ومجتمعية للتكاتف والانتباه للمخاطر التي تواجه البلاد، والوصول لحلول سياسية عاجلة وناجعة لأزمات الوطن الحالية».
وتابع « قد حان وقت تحكيم صوت العقل، ونبذ كل أشكال الصراع غير المجدي والذي لن يربح فيه أحد غير أعداء الوطن ومن يتربصون به شراً» حسب البيان.
نفي الخلافات
وفي وقت أكدت فيه تقارير محلية وجود خلافات بين البرهان و«حميدتي» قال الأخير إنه «عمل مع البرهان على صياغة القرارات التي أصدرها في الرابع من الشهر الجاري، وإنها جاءت بعد تشاور مستمر وبروح الفريق الواحد وبنية صادقة لتوفير حلول للأزمة الوطنية الراهنة مهما كلفتهم من تنازلات».
وأكد أنهم «لن يتمسكوا بسلطة تؤدي إلى إراقة دماء الشعب والعصف باستقرار البلاد، وقرروا سوياً إتاحة الفرصة لقوى الثورة والقوى السياسية الوطنية للحوار والتوافق دون تدخل من المؤسسة العسكرية».
كما «قرروا بصدق، ترك أمر الحكم للمدنيين وتفرغ القوات النظامية لأداء مهامها الوطنية المنصوص عليها في الدستور والقانون» داعيا «كل قوى الثورة والقوى السياسية الوطنية للإسراع في الوصول لحلول عاجلة تؤدي لتشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي» حسب تصريحاته. وتعهد بـ«بذل قصارى جهده لتذليل أي صعاب قد تواجه القوى المدنية في سبيل الوصول لما يخرج البلاد إلى بر الأمان».
وقال إن «زيارته لدارفور ستكون للعمل على تنفيذ اتفاق السلام واستكماله» مؤكدا أنه «صدم بحجم الدمار الذي خلفته سنوات الحروب والتهميش هنالك وحجم الصراعات والخلافات بين مكونات الإقليم وانتشار الفقر وسوء الخدمات وغياب الدولة».
وبيّن أنه «بذل جهدا كبيرا حتى ينعم الإقليم وعموم البلاد بالأمن والاستقرار وحتى ينهي خطاب العنصرية والكراهية».
ودعا لـ«نشر ثقافة التسامح وقبول الآخر والوعي بتعدد البلاد وتنوعها وضرورة إنهاء كل أشكال التمييز فيها».
وأكد التزامه بـ«العمل الجاد من أجل حماية أهداف الثورة السودانية، وحماية المرحلة الانتقالية حتى تقود لتحول ديمقراطي حقيقي وانتخابات حرة ونزيهة».
وأكد «التزامه التام بالعمل مع الجيش السوداني» ومن وصفهم بـ«المخلصين الوطنيين من أجل الالتزام بمهامهم الدستورية والعمل على إصلاح المنظومة العسكرية والأمنية وتنفيذ اتفاق جوبا لسلام السودان، بما في ذلك بند الترتيبات الأمنية وصولاً إلى جيش واحد مهني ويعكس تعدد السودان وتنوعه، ويحافظ على أمن البلاد وسيادتها ويصد كل أشكال العدوان ضدها» داعياً الحركات المسلحة غير الموقعة على اتفاق السلام للانضمام له.
يشار إلى أن المجلس العسكري السوداني قد نفذ في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، انقلابا عسكريا على الحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيون والعسكريون في البلاد، لأكثر من عامين.
وراح ضحية قمع الأجهزة الأمنية للتظاهرات المتصاعدة منذ ثمانية أشهر، 115 قتيلا، معظمهم بالرصاص وفق لجنة أطباء السودان المركزية، بالإضافة إلى أكثر من 6000 مصاب.