بسبب التطورات الدرامية في المشهد السياسي السوداني المضطرب، نستأذن القارئ في قطع مناقشتنا مبادرة منظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر/كانون الأول حول مشروع حق السودانيين في الحياة الأفضل والتأسيس لدولة العدالة والقانون، والقائمة على ركيزتين أساسيتين هما إصلاح المنظومة العدلية وإصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، حيث تناولنا في المقالات السابقة الركيزة الأولى، ونؤجل مناقشة الركيزة الثانية، إصلاح المنظومة الأمنية والعسكرية، إلى مقال قادم.
أعتقد من الطبيعي أن نتساءل لماذا هذا الاضطراب أو «العيطة» بالمعنى السوداني الدارجي وليس المغربي، في المشهد السياسي ما دامت النتائج والخلاصات الراهنة متوقعة؟
قد يكون البعض محقا في شكوكه بأن ظاهر وسطح المشهد السياسي لا يتطابق مع باطنه، ولكن في اعتقادي، أيضا وفي كل الأحوال وفي ظل العملية الجارية الآن، النتائج المعلنة متوقعة، وما سيترتب عليها متوقع. وعموما، المشهد السياسي واضح في ظاهره وسطحه، فهناك من يرفض عملية التفاوض من أساسها ويقول أنه غير معني بنتائجها، وإن كنت أعتقد أن هذه النتائج حتما ستؤثر على خططه وتكتيكاته.
وهناك من يقبل بالتفاوض لكنه لا يرضى أن يكون مجرد تابع لما يقرره آخرون، ويطلب أن يكون شريكا من البدايات في صنع نتائج هذا التفاوض حتى لا يوسم بأنه في منزلة أدنى، لأن هذا الوسم سيلقي بظلال سالبة على دوره في ترتيب أجهزة الانتقال القادمة. وهناك من يتعامل بعقلية رأس الحربة، أو القاطرة، مع أن التجربة تقول إن هذه العقلية حتما ستقود لأضرار جسيمة في العملية السياسية. السودانيون على دراية تامة بحقيقة أن الحرية والتغيير/المجلس المركزي ظلت في تفاوض أو تفاهمات مع المكون العسكري، وأن الوثيقة الإطارية هي نتاج هذه التفاهمات. وأيضا هم على دراية بحقيقة العلاقة بين ذات المكون العسكري والحرية والتغير/الكتلة الديمقراطية. كما أنهم على دراية بوجود مسعى للتفاهم بين المجلس المركزي وبعض مكونات الكتلة الديمقراطية، مثلما هم على دراية بوجود كتلة كبيرة من قوى الثورة المؤيدة للعملية السياسية، بما في ذلك كتلة المجتمع المدني، خارج العملية السياسية، لأن تصميم العملية، وهو بيد المجلس المركزي، لا يجد قبولا عندهم.
من حق الحرية والتغيير/المجلس المركزي أن تتوج تفاهماتها مع المكون العسكري بالتوقيع على وثيقة
إطارية. ولكن ستظل هذه الوثيقة خاصة بالطرفين فقط، ما لم ينشط المجلس المركزي في إدارة حوار مع أكبر عدد من القوى السياسية والثورية الأخرى لتنضم إلى الطرفين الموقعين، وعندها ستكتسب الوثيقة الإطارية قوة وثقلا أكبر. وفي كل الأحول يمكن أن تكون الوثيقة مدخلا، أو محطة أولى، أو ورقة من ضمن أوراق أخرى مقدمة لآليات الحوار الأخرى التي ستقترحها العملية السياسية بتسهيل وتيسير من بعثة اليونيتامس.
إن سلاح جذوة الثورة المتقدة وبسالات لجان المقاومة، رغم فاعليته ودوره الأساسي، لن يستطيع وحده حسم المعركة، والتي تتطلب أكثر من سلاح وعدة أنواع من الذخائر
ومن ضمن هذه الآليات الأخرى، ربما تقترح اليونيتامس عقد مؤتمر مائدة مستديرة يضم جميع مكونات الثورة في مؤتمر مائدة مستديرة، ليتصدى للوضع الخطير الذي تمر به البلاد، والذي يزداد خطورة بحالة العجز المتمكن من قوانا السياسية وما تعانيه من تشرذم وانقسامات. إن سلاح جذوة الثورة المتقدة وبسالات لجان المقاومة، رغم فاعليته ودوره الأساسي، لن يستطيع وحده حسم المعركة، والتي تتطلب أكثر من سلاح وعدة أنواع من الذخائر. وكما ظللنا نكرر دائما، لا خير في أي عملية سياسية يكون هدفها الرئيسي فقط هو إقتسام كراسي السلطة. وكما تعلمنا من دروس التاريخ، فإن تبوؤ أحلام الشعوب مكانها في صدر أولويات أجندة القادة والزعماء هي التي بنت الحضارة البشرية، وفي اللحظة التي تتساقط فيها هذه الأحلام من أولويات أجندات أولئك القادة والزعماء ويعجزون عن الاستجابة لها، أو يضعونها في موقع أدنى بالنسبة لأجنداتهم الحزبية والخاصة الضيقة، تصاب الحضارة البشرية بالتصدع.
صحيح أن الأوضاع الراهنة في البلاد، قد تصيب البعض بالإحباط واليأس من أن يتجسد حلم الثورة واقعا، وخاصة الذين ظلوا طويلا في انتظارها، أو ظنوا أن قطف ثمارها سيكون صباح الغد. وحالات الإحباط المؤقتة، والتي تصيبنا في لحظة معينة وزمان محدد، أعتقد أنها مفهومة ومقدّرة ما دمنا لم نسقط المبدأ. ولكن، أن يتملكنا الإحباط مطلقا، فهذا غير مقبول، وهو في النهاية، حلم ومنى طغاة الأمس المدحورين. إن حماس الناس، المنظم والواعي، قادر على قلب الموازين في اللحظات التاريخية الحاسمة. وما نشاهده حاليا في منافسات كأس العالم في قطر، يذهلنا جميعا بقدرة المونديال على حشد الملايين من كل بلد، وتفجير حماسهم وتفاعلهم مع المنافسات حد الهوس.
ونحن في الدفاع عن ثورتنا أحوج ما نكون إلى مثل هذا الحماس وهذا التفاعل، لا حماس فرحة الانتصارات فحسب، بل وحتى دموع الهزائم المؤقتة، لهزيمة اللامبالاة، ولرفع رايات الأمل وشحذ إرادة التغيير من أجل الانتصار النهائي لثورتنا، ومن أجل دحر كل محاولات استرجاع تحالف الفساد والاستبداد.
إن الجروح الغائرة في جسد الوطن، مغلقة كانت أم مفتوحة، قطعية كانت أم نزعية مصحوبة ببتر جزء من الوطن، انتفض شعبنا العظيم في ديسمبر/كانون الأول 2018 من أجل رتقها، ولكن لا تتملكنا أي أوهام بأن الثوره يمكن أن تعالجها في عامين أو ثلاثة.
إن رتق جروح الوطن يحتاج إلى خيوط متينة وأيد ماهرة، وجميعها، لن تتوفر إلا بتوفر الإرادة والرؤية والأداة المناسبة عند قياداتنا. وهذه الخيوط تستمد متانتها، مثلما الأيدي تكتسب مهارتها، من حقيقة أن بناء الوطن يحتاج إلى توسيع مبدأ القبول والمشاركة، إلا من ارتكب جرما في حق الوطن، فهولاء مصيرهم المثول أمام العدالة.
الأزمة في بلادنا بلغت الحلقوم، ولم نعد على شفا حفرة من نار، بل نفترب من مستقرها، ولا بديل أمامنا سوى أن نطلق حماسنا ونبث الأمل من أجل الإنتصار لثورتنا، ومن أجل دحر محاولات استرجاع تحالف الفساد والاستبداد.
كاتب سوداني
يا عزيزي، قطر بلد جميل، ولنا عدد كبير من الأقارب في قطر، ونحن احد الأقارب أن اسافر الي قطر منذ التسعينات لوجود نسبه محترمه من الانتماآت البشريه… كأس العالم رائعه وانا أشاهدها بإنتظام، فأصبحت قناة الكأس وبين اسبورت لمسه روتينيه معينه…. السياسه السودانيه في مفترق طرق..
تصحيح.. نصحني احد الأقارب، بدلا من نحن احد الأقارب..