الخرطوم ـ «القدس العربي»: أعلنت «الحرية والتغيير ـ الكتلة الديمقراطية»، التي تضم قوى مؤيدة للانقلاب، رفضها للتسوية السياسية المرتقبة بين «الحرية والتغيير» والعسكر.
وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أعلنت مجموعة من الحركات المسلحة والتنظيمات السياسية الموالية للانقلاب العسكري، عن تحالف جديد باسم «الحرية والتغيير ـ الكتلة الديمقراطية»، يضم حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والذي يشغل منصب حاكم إقليم دارفور، وحركة «العدل والمساواة» التي يتزعمها وزير المالية جبريل إبراهيم، بالإضافة إلى الفصيل الذي يترأسه جعفر الميرغني في الحزب الاتحادي الديمقراطي ومجموعة من الأحزاب الصغيرة.
وفي مؤشر لخلافات بين العسكر والموالين لهم، أعلنت الكتلة التي ظل العديد من مكوناتها يعتبر انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 تصحيحا لمسار الانتقال في السودان، رفضها للتسوية الجارية في البلاد، واصفة المشاورات الجارية بين المجلس المركزي للحرية والتغيير والعسكر بـ «السرّية والمرفوضة».
عدم التشاور
وقال الأمين السياسي للكتلة الديمقراطية في السودان، مني أركو مناوي، أن العسكر قاموا بتوجيه الآلية الدولية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي وإيغاد، بعدم التشاور مع الكتلة الديمقراطية، فيما يتعلق بالعملية السياسية الجارية في البلاد.
وأوضح في تصريحات صحافية أن «المكون العسكري وجّه الآلية الثلاثية بالتعامل فقط مع حركتي تحرير السودان والعدل المساواة باعتبارهما أطراف سلام، بينما تجاهل بقية مكونات الكتلة»، مشددا على أنهم «تحالف واحد، ولن يقبلوا بالتفاوض إلا وفق ذلك الاعتبار». وأكد «عدم وجود جسم يُدعى أطراف السلام، وأنهم كحركات جزء من تحالفات تضم مكونات سياسية واسعة، يجب أن تمثل في أي عملية سياسية في البلاد»، مشددا على أن «قيام الآلية الثلاثية بأي خطوة في اتجاه تهميش الكتلة، سيؤدي إلى فقدانها التفويض الدولي والإقليمي لتيسير الحوار بين الأطراف السودانية».
ودعا الآلية للاجتماع مع الكتلة للوقوف على تصورها للعملية السياسية في البلاد، مؤكدا أن التسوية الجارية ستعرقل اتفاق السلام الموقع في أكتوبر/ تشرين الأول 2020 والذي يتضمن ترتيبات لدمج جيوش الحركات المسلحة في الجيش السوداني، والتي تواجه بالأساس العديد من التحديات.
وزاد مناوي الذي يقود حركات تحرير السودان، أن «المجتمع السوداني لم ينزلق نحو مصير الدول التي تعاني من الحروب وظل متماسكا على الرغم من هشاشة الدولة وتعدد الجيوش وانتشار السلاح»، واصفا الوضع بـ«الخطير». وطالب بحوار شامل يضم كل السودانيين، من دون تدخلات خارجية، مؤكدا أن التسوية الجارية أسوأ من الحوار الوطني الذي أطلقه نظام الرئيس المخلوع عمر البشير قبل أن تطيح به الثورة الشعبية في 6 أبريل/ نيسان 2019.
يشار إلى أن الكتلة الديمقراطية، أعلنت الأسبوع الماضي، تعيين جعفر الميرغني رئيسا لها والذي يقود واحدا من مكونات الحزب الاتحادي الأصل، وشغل منصب مساعد الرئيس المعزول عمر البشير.
وكانت الحرية والتغيير قد رفضت في وقت سابق التفاوض مع التنظيمات التي دعمت الانقلاب العسكري، مؤكدة أن إنهاء الانقلاب الذي نفذه العسكر على الشراكة مع الحرية والتغيير يجب إنهاؤه عبر التشاور بين طرفي الأزمة الأساسيين وحددتهم بالمجموعات المدنية المناهضة للانقلاب والعسكر الذين نفذوا الانقلاب.
وصفت مشاورات «الحرية والتغيير» والعسكر بـ «السرّية والمرفوضة»
وتأتي التطورات الأخيرة، بعد إعلان المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» عن وصوله إلى تفاهمات مع المكون العسكري، حول توقيع اتفاق إطاري ينص على إقامة سلطة مدنية وإنهاء الأزمة الراهنة في البلاد منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
والأحد، قال نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو «حميدتي»، إنه مع التسوية الجارية بين الأطراف السودانية، مؤكدا أن البلاد لن تعود إلى ما قبل ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018. بينما لم يعلن القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، حتى الآن، عن موقف واضح بخصوص التسوية، واكتفى بالإشارة إلى مشاورات مع بعض مكونات «الحرية والتغيير».
موقف لجان المقاومة
وفي وقت ترفض فيه لجان المقاومة العملية السياسية الجارية، وتعتبر الإتفاق الإطاري «خيانة» للثورة السودانية، تؤكد «الحرية والتغيير» أنها تضع في الاعتبار التحديات والمزالق التي تحيط بالبلاد، ومؤشرات عودة النظام السابق وتمدد المجموعات المستفيدة من تمدد الانقلاب العسكري.
وقالت إنها ترى أن الاتفاق يمكن أن يؤدي إلى إنهاء الإنقلاب مع استمرار المقاومة الشعبية للمزيد من الضغط من اجل الانتقال الديمقراطي في البلاد، بينما بيّن عضو المجلس السيادي السابق والقيادي في «الحرية والتغيير»، محمد الفكي، خلال مخاطبته ندوة في الخرطوم، السبت الماضي، أنهم فشلوا في إبعاد البرهان و«حميدتي» من المشهد ولكنهم استطاعوا تضمين جميع مطالب الثورة السودانية في الاتفاق المنتظر توقيعه قريبا.
وطرحت «الحرية والتغيير»، منتصف الشهر الجاري، رؤية تحت عنوان «نحو عملية سياسية ذات مصداقية وشفافية تنهي الانقلاب وآثاره وتكمل مهام الثورة السودانية». وحسب الرؤية، يتم توقيع اتفاق الإطاري الذي يستند على التفاهمات التي جرت بين قوى «الحرية والتغيير» والمكون العسكري وأطراف قوى الانتقال الديمقراطي والتي شملت ملاحظات الجانب العسكري حول مشروع الدستور الانتقالي.
وتضمنت التفاهمات بين الجانبين، وضع إطار دستوري لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية انتقالية تستكمل مهام الثورة السودانية، في المرحلة الأولى للاتفاق.
ونصت على أن يتم تطوير الاتفاق الإطاري بمشاركة جماهيرية واسعة من أصحاب المصلحة وقوى الثورة وصولا للاتفاق النهائي.
ويناقش الاتفاق النهائي حسب الرؤية المعلنة، قضايا العدالة الانتقالية والإصلاح الأمني وتفكيك النظام السابق وإصلاح اتفاق السلام الموقع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
وفي إطار التشاور بين «الحرية والتغيير» والأطراف التي تطلق عليها اسم قوى الانتقال وتتكون من أحزاب سياسية من خارج التحالف، انعقد الأحد، اجتماع برعاية الآلية الدولية الثلاثية، ناقش ملاحظات الأطراف المشاركة على الاتفاق الإطاري، وصفته «الحرية والتغيير» بـ«الهام».
وقال حزب «الأمة القومي»، في إيجاز صحافي، إن الاجتماع ضم القوى الموقعة على الإعلان السياسي المقترح من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وضم قوى «الحرية والتغيير» والجبهة الثورية والاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي والحزب الجمهوري.
وأشار إلى أن الاجتماع ناقش «أولويات الانتقال في البلاد وتطورات العملية السياسية»، مبينا أن «الأطراف المشاركة أبلغت الآلية الدولية باستعدادها للتوقيع على الاتفاق الإطاري الذي يقوم على أساس التفاهمات التي تمت حول الدستور الانتقالي الذي نتج عن ورشة اللجنة التسييرية لنقابة المحامين». وأكد الاجتماع على «ضرورة اتخاذ إجراءات مهمة لتهيئة المناخ بواسطة المكون العسكري، وأهمها إطلاق سراح المعتقلين ووقف العنف ضد الحراك الجماهيري السلمي».
يشار إلى أن البرهان نفذ في 25 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، انقلابا ضد الحكومة الانتقالية التي تشاركها المدنيون والعسكريون لأكثر من عام، قبل أيام قليلة من موعد تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين المحدد حسب اتفاق أبرم في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته.
وبينما تصاعدت المقاومة الشعبية الرافضة للانقلاب العسكري، ظلت القوات النظامية تقمع المعارضين، حيث قتل خلال التظاهرات121سودانيا، بينما تجاوز عدد المصابين 6000.
وفي يوليو/ تموز الماضي أعلن البرهان خروج العسكر من العمل السياسي، مطالبا المدنيين بالتوافق على حكومة انتقالية، بينما دعت الآلية الثلاثية وقتها الحرية والتغيير والتنظيمات الداعمة للانقلاب إلى مفاوضات مباشرة رفضتها الحرية والتغيير، مؤكدة أن تلك المفاوضات محاولة لإغراق العملية السياسية بمجموعات هي بالأساس تابعة للانقلاب وليست طرفا أساسيا.
ولاحقا شهدت البلاد تحركات واسعة للوساطة الرباعية التي تقودها واشنطن والرياض لدفع الأطراف السودانية للتوافق، بعد فشل المفاوضات التي يسرتها الآلية الثلاثية. وقبل نحو شهرين، قالت «الحرية والتغيير» إنها تلقت عبر اتصالات غير رسمية، ملاحظات من العسكر حول مشروع للدستور الانتقالي طرحته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين، وإنها اعتبرته قاعدة جيدة للعملية السياسية في البلاد.
وكانت اللجنة قد أعلنت في سبتمبر/ أيلول الماضي عن مشروع إعلان دستوري جديد، يلغي الوثيقة الدستورية الانتقالية لسنة 2019، تعديل 2020، وكل القرارات التي صدرت بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بما في ذلك كل الاتفاقيات الإقليمية والدولية التي أبرمت في الوقت ذاته.