الخرطوم ـ «القدس العربي»: في وقت تتواصل فيه دعوات المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير لتوحيد جبهة المعارضة الرافضة لانقلاب قائد الجيش السوداني، عبد لفتاح البرهان، عقد السكرتير التنفيذي لمنظمة «إيغاد» ورقيني قبيهو، في اليوم الثاني لزيارته الخرطوم، اجتماعات سياسية مع أطراف دولية ومحلية، ناقشت الأزمة السياسية الراهنة في البلاد، فيما أبدى القيادي في «الحرية والتغيير» وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، خالد عمر، تخوفه من خطورة الوجود الروسي الكثيف في المشهد السوداني.
وعقد أمس، اجتماعات مع رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان (يونيتامس) فولكر بيرتس، وممثلي الاتحاد الأوروبي والترويكا في السودان.
مصادر مطلعة قالت لـ«القدس العربي» إن قبيهو دعا البعثة الأممية وممثلي الاتحاد الأوروبي والترويكا للتنسيق المشترك مع «إيغاد» في جهود حل الأزمة السودانية.
وكانت بعثة الأمم المتحدة في السودان قد أطلقت قبل أربعة أسابيع عملية مشاورات غير مباشرة بين الأطراف السودانية، التقت خلالها عددا من القوى السياسية المدنية، بينما رفضت قوى أخرى مقابلتها، تضم تجمع المهنيين السودانيين، وعددا من لجان المقاومة.
ومن المقرر أن تلتقي البعثة الأممية أطرافا عسكرية، في إطار المشاورات غير المباشرة التي ينتظر أن تقود لجمع الأطراف السودانية حول طاولة حوار مشتركة، في حال نجاح المشاورات غير المباشرة.
كما التقى قبيهو البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي» بالإضافة إلى مجموعة «الميثاق» التي تضم حركات مسلحة وأحزابا صغيرة، دعمت الانقلاب، بعد انشقاقها عن الحرية والتغيير بأيام قليلة، في وقت لم يلتق فيه المجلس المركزي للحرية والتغيير وتجمع المهنيين حتى الآن.
وأكد البرهان لدى لقائه قبيهو حرصه على مواصلة الحوار مع كافة الأطراف لتحقيق الانتقال السياسي في السودان، بينما قال «حميدتي» إن السودان يرحب بأي مبادرة لإيغاد تسهم في التوصل لمعالجات تعزز الاستقرار، مؤكداً التزامهم بمبدأ الحوار كمدخل أساسي للخروج من الأزمة الراهنة.
تحديات سياسية
وحسب بيان للمجلس السيادي، أكد قبيهو إجراء مشاورات مع جميع الأطراف السياسية الفاعلة، مبينا أن الغرض من زيارته للبلاد «بحث التحديات السياسية التي تواجه السودان والوقوف على حقيقة الأوضاع في السودان» مشددا على «عزم المنظمة تقديم الدعم السياسي للسودان».
وأشار إلى أن الوفد سيقدم تقريراً لقادة المنظمة الإقليمية، خلال لقائهم في اجتماع الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا الشهر المقبل، مؤكداً أن «إيغاد» ستلعب دوراً بنّاءً للغاية في طريق معالجة جميع التحديات التي يواجهها الشعب السوداني.
وينتظر أن يغادر المسؤول الأفريقي، الخرطوم، بعد التشاور مع الأطراف السودانية والفاعلين الدوليين، في وقت ما زال فيه الاتحاد الأفريقي يجمد عضوية السودان منذ الانقلاب.
وأستبق «حميدتي» تحركات «إيغاد» بزيارة قام بها الأسبوع الماضي لإثيوبيا، التقى خلالها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، وكذلك رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، موسى فكي، بحضور عضو الوساطة الأفريقية لحل الأزمة السودانية في عام 2019، محمد الحسن ولد لبات.
وقال فكي، حسب إعلام المجلس السيادي، إن الاتحاد الأفريقي مهتم بالتطورات الجارية في السودان، مبدياً استعداده للمساهمة في معالجة الأزمة في إطار تعظيم الحلول الأفريقية الأفريقية.
وأشاد الاتحاد الأفريقي الأسبوع الماضي بتعيين حكومة تصريف أعمال في السودان، الأمر الذي اعتبره مراقبون تماهيا مع مواقف قادة الانقلاب، وبمثابة إعطاء ضوء أخضر للعسكريين لتعيين رئيس وزراء، الأمر الذي يرفضه الشارع الرافض للانقلاب.
التطبيع مع الانقلاب
الصحافي والمحلل السياسي ماجد محمد علي، رجح في تصريح لـ «القدس العربي» اختراق قادة الانقلاب للموقف الأفريقي، معتبرا تحركات الاتحاد الأفريقي وإيغاد الأخيرة في إطار السعي للتطبيع مع الانقلاب إقليميا، ومع المجتمع الدولي، في وقت لاحق.
ولفت إلى أن الاتحاد الأفريقي يمكن أن يخاطب مجلس الأمن الدولي، ليكون هو الوسيط باعتباره الأقرب بالشأن الأفريقي، مثلما خاطبه في عام 2019، عندما قاد الوساطة التي انتهت إلى توقيع العسكر وقوى الحرية والتغيير الوثيقة الدستورية.
ورأى أن طرح الاتحاد الأفريقي نفسه كوسيط أكثر فاعلية، محاولة للإطاحة بالمبادرة الأممية، المكلفة بشكل مباشر من مجلس الأمن، وتدفع في اتجاه الضغط الدولي على قادة الانقلاب.
«الحرية والتغيير» تجدد الدعوة لبناء جبهة عريضة لهزيمة الانقلاب
وأشار إلى أن تحركات المنظمات الأفريقية الأخيرة، ستدفع بالمقابل في اتجاه حل يستوعب العسكريين في التسوية ورفع الضغط الدولي عن العسكريين، والذي يقابله رفض الجماهير التي تطالب بإسقاط الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين، لافتا إلى أن العسكريين تلقوا ضوءا أخضر لتعيين رئيس حكومة وإكمال هياكل حكومة الانقلاب بعد ترحيب الاتحاد الأفريقي بتكليفهم لوزراء حكومة تسيير أعمال.
وشدد ماجد على ضرورة تكوين المدنيين لجسم تنسيقي عريض لمقاومة الانقلاب والمضي نحو تحركات مضادة في الصدد.
كذلك لم يستبعد أستاذ العلاقات الدولية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة الذي قال لـ«القدس العربي» أن تتجه السلطة العسكرية لتعيين رئيس حكومة في ظل تحركات (إيغاد) والاتحاد الأفريقي في البلاد، ومحاولة فرض أمر واقع وحصد الاعتراف تدريجياً بادعاء الذهاب للانتخابات في ظل بطء مبادرة فولكر، مؤكدا أن كل هذه التحركات لن تصل لنتيجة في ظل تصاعد الرفض الشعبي للانقلاب.
ورأى أن ترحيب الاتحاد الأفريقي بتعيين الوزراء المكلفين الجدد جاء في إطار تشجيع العسكريين لتقديم تنازلات، مشيرا إلى أن إمكانية فك تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي غير مرتبطة بالتحركات الأفريقية الأخيرة.
وأشار إلى أن رفع التجميد متعلق بلائحة وشروط متعلقة بموقف الاتحاد الأفريقي الرافض للانقلابات العسكرية، مبينا أن حكومة الانقلاب ظلت تعاني من الرفض الدولي لها وعدم تعامل المجتمع الدولي معها ومع مندوبيها وممثليها كممثلين شرعيين لحكومة السودان.
وبخصوص مبادرة (يونيتامس) لفت إلى أن عمليات الأمم المتحدة السياسية ومبادراتها تتسم بالبطء والتعامل مع الأمر الواقع، مرجحا عدم تحقيقها أي تقدم في حل الأزمة السودانية.
وفي ظل تسارع تحركات الشارع، رجح الدومة أن تحاول المبادرة الأممية، في مرحلة متقدمة اللحاق بالشارع، مشيرا إلى أن الشارع يمضي نحو خنق الانقلاب من الداخل، بينما تعمل الدول الغربية برفضها الاعتراف بالانقلاب، على دعم خط الشارع وتساهم في تشديد الطوق على قادة الانقلاب.
وشدد على أن الاعتماد على الدعم الدولي بشكل أساسي ليس أمرا ايجابيا، مؤكدا على أهمية إيجاد حل من الداخل بشكل أساسي.
وفي حين اتفق الخبير الدبلوماسي الرشيد أبو شامة مع الدومة بخصوص ثقل الشارع الرافض للانقلاب، خالفه الرأي بخصوص التعويل على مبادرة الأمم المتحدة والتحركات الأفريقية، مرجحا إمكانية نجاحها في جمع الأطراف السودانية حول طاولة حوار.
وقال لـ«القدس العربي» إن إيغاد من خلال زيارة مبعوثها للخرطوم، تبحث عن لعب دور في حل الأزمة الأفريقية، خاصة وأن الفاعلين الأفارقة كان لهم دور فاعل في الوصول لتسوية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، وتوقيع الوثيقة الدستورية التي حكمت الشراكة الانتقالية، حتى تنفيذ قائد الجيش للانقلاب العسكري، في الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ولفت إلى أن طرح «إيغاد» مبادرة منفصلة عن مبادرة الأمم المتحدة قد يعقد المشهد، مشيرا إلى أن دعمها لتحركات الأمم المتحدة والتنسيق معها قد يحققان نتائج أفضل.
ورأى أن مبادرة فولكر لديها دعم دولي واسع، خاصة من الترويكا والاتحاد الأوروبي، مرجحا أن يقود فشلها لسيطرة العسكريين بشكل كامل على السلطة.
واستبعد أن يعين البرهان رئيسا لمجلس الوزراء إلى حين الوصول لتسوية، خاصة وأنه يسيطر على الحكومة الحالية وهو الرئيس الفعلي لها.
مركز مدني موحّد
وفي سياق متصل، أكد القيادي في «الحرية والتغيير» وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، خالد عمر، على ضرورة قيام مركز مدني موحد ينوع وسائل المقاومة ويستخدم طرقا عديدة سياسية وميدانية في إنهاء الوضع الانقلابي الحالي، مشددا على أنه شرط لازم لهزيمة الانقلاب، وبدونه من غير المرجح حدوث أي تغيير مدني ديمقراطي.
وقال، في بيان، أمس، إن تأخير قيام جبهة مدنية موحدة هو السبب الرئيسي في إطالة عمر الانقلاب، مضيفا: المنطق البسيط يقول إن انتقال السلطة بأي طريقة متصورة يتطلب وجود هذا مركز مدني يمتلك المشروعية الحصرية.
وأشار إلى أن ما يعطل قيام المركز الموحد هو الصراع حول من يحوز السلطة عقب سقوط الانقلاب، لافتا إلى أن ضعف الانقلاب وعزلته أغريا أطرافاً عديدة للظن بأن سقوطه حتمي وقريب.
وأكد أن معركة بعض الأطراف المدنية انتقلت من توجيه سهامها لصدور سلطة الانقلاب لخوض معركة ضد رصفائها من القوى المدنية الأخرى لإبعاد أكبر عدد من الأطراف المدنية من معادلة الانتقال المقبل وحيازة الطرف المتبقي على مقدار أكبر من السلطة.
وشدد على أن تأخر قيام المركز المدني الموحد يعني منح السلطة الانقلابية وأطراف أخرى فرصة أوسع لفرض واقع جديد قد يغير المعادلات الحالية بصورة لا تعود لمصلحة التحول المدني الديمقراطي.
السلطة ترتب أوراقها
وبيّن أن السلطة الانقلابية في كل يوم تبقى فيه في سدة الحكم تفرض سيطرتها وهيمنتها على مفاصل الدولة وترتب أوراقها بصورة أفضل، لافتا إلى أن عناصر النظام البائد وجدت مساحة تنفست فيها الصعداء وبدأت تعود للسيطرة على مفاصل الدولة والتمدد وعلو صوتهم في ركوب موجة الثورة الحالية، مستفيدين من خطابات الشقاق الداخلي بين القوى المدنية الديمقراطية التي توفر لهم خدمات مجانية عجزوا عنها لعقود طويلة من قبل.
وأشار لوجود قوى إقليمية عديدة معادية للتحول الديمقراطي المدني في السودان لأسباب متباينة، وأنها تستثمر في حالة الانقسامات الداخلية التي توفر لهم مساحات يسهل التمدد فيها وتشكيل الأوضاع وفقاً لمصالحهم ورؤاهم.
وأبدى تخوفه من خطورة الوجود الروسي الكثيف في المشهد السوداني، مشيرا إلى أن طبيعة النشاط الروسي في دول مثل أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي وجنوب أفريقيا، يؤكد أن السودان يمكن أن يدخل في دوامة يصعب الخروج منها مستقبلاً.
وشدد على أن التصدي للمخاطر الإقليمية والدولية رهين بتأسيس وضع دستوري ذي مشروعية شعبية واسعة تغلق الطريق أمام تسرب أي أجندات غير مرغوب فيها من خلال ثقوب الانقسامات الداخلية.