السودان: موسم الهجرة إلى إسرائيل

في قصته الشهيرة «موسم الهجرة إلى الشمال» يُظهر الكاتب السوداني الكبير، الطيب صالح، شدة التعقيد خلف بساطة المظهر، فالحقيقة ليست دائماً، ما يبدو ظاهراً للعيان.
هذا تقريباً ما نراه حالياً، مع توجه السودان، إلى تطبيع علاقاته مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فخلف وجود سلطة توافقية ناتجة عن الثورة، نجد تناقضات عميقة، بين مكونات هذه السلطة.

رموز الثورة المضادة

فالنموذج السوداني فريد من نوعه، من حيث تواجد الثورة والثورة المضادة، بنفس الوقت بقمة السلطة.
قوة الثورة المضادة، المُمثلة بالعسكر، وخصوصاً رجلها القوي «حمديتي» هي باستمرار سيطرتها على وسائل القوة، أي الجيش والشرطة بينما قوة الثورة، هي فقط بوعي الشعب واستعداده للتضحية لإنجاح ثورته.
من كان يتصور أن رموز الثورة المضادة، المتواجدين بالسلطة، سيتركونها بعد الفترة الانتقالية، ويذهبون للاستجمام، هو خاطئ، بمن فيهم قيادات الثورة.
هؤلاء كما حدث في مصر، مع عبد الفتاح السيسي، وزير دفاع الرئيس الشرعي الوحيد، محمد مرسي، أو قبله بينوشيه، وزير دفاع الرئيس أليندي في تشيلي، لا ينتظرون سوى اللحظة المناسبة، للانقضاض على السلطة وإنهاء الثورة.
ما رأينا في السودان، من رفض الولايات المتحدة، رفع اسم السودان عن لائحة الإرهاب، مع أن هذا الشعب، قام بثورة ديمقراطية، علمانية بالمعايير الحديثة، والاستمرار في حصار السودان، دون أدنى سبب، ما هو إلا إنعاش للثورة المضادة، لتتمكن من العودة.
أمريكا في أواخر أيام البشير، كانت على استعداد، لرفع اسمه عن قائمة الإرهاب، وكان البشير على ما يبدو، على استعداد للتطبيع مع إسرائيل.

اللوبي الصهيوني الأمريكي

ما يظهر على كونه، ابتزازا للثورة لصالح إسرائيل، هو بالحقيقة، محاولة إنهائها.
السودان اليوم، لم تقبل الثورة الاعتراف بإسرائيل، وإنما انتصرت الثورة المضادة، في أول معركة لها مع قوى الثورة، بدعم من معسكر كل الثورات العربية المضادة، من دول الخليج إلى مصر وغيره، ومع دعم الدولة الأكبر في العالم، ورئيسها الذي يلهث وراء اللوبي الصهيوني الأمريكي، للنجاح بالانتخابات المقبلة، بعد أيام قليلة.
الثورات المضادة العربية، تهرول نحو إسرائيل، طلباً للحماية من الثورات العربية الحالية والمقبلة، وإسرائيل تعرف ذلك وتطلب أغلى الأثمان، والنموذج المصري واضح، من تحالف إسرائيل ومصر، ضد أهل غزة وحقوق الشعب الفلسطيني.
في مواجهة تحالف قوى الثورة المضادة العربية وداعميها، لا يوجد للأسف، أي تحالف لقوى الثورة العربية، لا رسمياً ولا شعبياً، فعند اندلاع الثورة السودانية، كان الكثيرون، من الإسلاميين وغيرهم، يدعون أنها ثورة شيوعية كافرة إلى ما آخره، نادمين على جمال زمن البشير، والذي دمر البلاد باسم الشريعة والدين الإسلامي.
هذه الثورات العربية، إن لم تتضامن فيما بينها، شعبياً ورسمياً، ستؤكل كل واحدة على حدة، والنموذج المصري سيصبح النموذج الرسمي لمستقبلها.
من يظن مثلاً في تونس، أنه بمنأى عن عودة الثورة المضادة، فهو خاطئ، من حاصر السودان، بحجة واهية، يستطيع أن يفعل الشيء نفسه، في تونس أو الجزائر أو أي دولة أخرى.
تضامن قوى الثورات العربية، مع الثورة السودانية، هو أقل ما يمكن تقديمه لها بهذه الأيام العصيبة، بدل انتظار أن تؤكل كما أكل الثور الأبيض.

توحد الثورات

علينا أن نتعلم من الثورات المضادة، وهي تتضامن دائماً، وتوحد جهودها، ومنذ اليوم الأول، لسحق أي حراك شعبي في أي منطقة (ليبيا، البحرين، اليمن، سوريا، العراق…الخ)
توحد الثورات العربية، خلف شعارات واحدة، يجمع القوى، هو أكثر من ضروري، اتهام الثورة السودانية، بالتطبيع مع إسرائيل هو تجن عليها، الشعب السوداني، لن يقبل ذلك، وهو يدرك أكثر من غيره، أن أباطرة الفساد، ومجرمي حرب دارفور وساحات الاعتصام، يبحثون عمن يحميهم من هذا الشعب ومن المحاسبة المقبلة، لأفعالهم الشنيعة.
في نهاية قصة موسم الهجرة إلى الشمال، نعرف الحقيقة، وخفايا الأشياء، وحب الحياة، كما يعرفها أبناء الشعب السوداني العظيم.

 كاتب ومحلل سياسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية