السودان وإلغاء المقاطعة الإسرائيلية: لهاث الدولة ومقاومة المواطن

حجم الخط
13

أعلنت السودان، بقرار مشترك اتخذه مجلس السيادة ومجلس الوزراء، المصادقة على مشروع قرار يلغي قانون مقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يعود إلى سنة 1958 ويندرج في إطار عريض يتابع قرارات الجامعة العربية لعام 1945 ومنظمة التعاون الإسلامي وهيئات أخرى سبقت تأسيس الكيان الصهيوني أو أعقبته. وكانت المقاطعة قد شملت ميادين سياسية واقتصادية في البدء، لكنها توسعت لاحقاً لتشمل الميادين الثقافية والأكاديمية، خصوصاً بعد أن اعتمدت دولة الاحتلال المزيد من السياسات الاستيطانية فباتت المقاطعة تشمل أيضاً منتجات المستوطنات غير الشرعية.
ومن حيث المبدأ السياسي تعتبر المقاطعة قراراً سيادياً يخص طبيعة العلاقات التي تقيمها الدول مع سلطة الاحتلال، بحيث تتفاوت المستويات بين مقاطعة الدولة بصفة سياسية واقتصادية ودبلوماسية شاملة، وبين مقاطعة منتجات المستوطنات وحدها، أو المقاطعة الثقافية التي تتوخى ممارسة الضغوط في سياق نصرة الشعب الفلسطيني خاصة وقضايا السلام والتحرر والقانون الدولي بصفة عامة. واضح بالتالي أن القرار السوداني يستكمل سيرورة التطبيع مع دولة الاحتلال، التي انطلقت أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بضغط مباشر من إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
من الواضح أيضاً أن قرار إلغاء المقاطعة يستكمل سلسلة إجراءات توجّب أن يتخذها السودان في إطار موافقة واشنطن على رفع البلد عن لائحة الإرهاب الدولي، وبينها سداد 335 مليون دولار لضحايا الإرهاب تنفيذاً لقرارات المحاكم الأمريكية، بالإضافة إلى اللقاء الشهير بين رئيس المجلس السيادي السوداني عبد الفتاح البرهان ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو في أوغندا بمعزل عن أي ترخيص من الحكومة المدنية. ليس خافياً كذلك أن قرار إلغاء المقاطعة يعتبر شرعياً من الناحية القانونية، بالنظر إلى أنه اتُخذ بصفة مشتركة بين مجلسَي السيادة والوزراء معاً، وفي غياب المجلس التشريعي الذي يتوجب أن تناط به قرارات سيادية حاسمة مثل هذه.
لكن الواضح والصحيح في المقابل هو أن إلغاء المقاطعة لا يقتصر على مؤسسات الدولة المختلفة وحدها، ولا يتوقف عند القرارات السيادية ذات الطابع السياسي أو الدبلوماسي أو الاقتصادي أو الأمني أو العسكري، بل تمتد خطورته لتشمل أيضاً المواطن السوداني العادي في مختلف مناحي حياته اليومية. ذلك لأن إلغاء قانون المقاطعة يرفع عن المواطن السوداني المدني أي حرج قانوني في التعامل المباشر مع دولة الاحتلال، ويبيح له ممارسة التعاطي المتنوع مع الجهات الإسرائيلية من دون أي وازع قانوني أو مساءلة قضائية.
هنا مكمن الخطورة في أخذ مسألة مقاطعة دولة الاحتلال على محمل سيادي محض لا يراعي العواقب الكثيرة التي يمكن أن تؤثر سلبياً على جهود عشرات المنظمات المدنية، المحلية والعربية والدولية، التي تعتمد على سلاح المقاطعة لممارسة الضغوط على دولة الاحتلال ومناهضة سياساتها العنصرية والاستيطانية في داخل فلسطين المحتلة، وكذلك على أصعدة خرق القانون الدولي والاستهانة بالمنظمات الحقوقية العالمية.
وهذا بالطبع جزء من الأثمان الباهظة، الأخلاقية قبل أن تكون سياسية واقتصادية، جراء اللهاث خلف قطارات التطبيع من دون الأخذ بعين الاعتبار مقادير تأثيرها على المواطن العادي العربي، الذي أثبت أنه لا يرفض التطبيع فقط بل يناهضه ويحاربه بكل ما ملكت قواه.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول زياد:

    ستبقى اسرائيل كيان غريب في منطقه عربيه وإسلامية ولكن القضية متى ستحل هذا بعلم الرحمن ولا غيره يعلمه أما عن الآخرين الذين يسعون الي هذا فنبشرهم أن الحق سيعود كما كان سابقا وهذا كلام العزيز الحكيم ومن غيره قادر على فعل هذا والسلام

  2. يقول إبسا الشيخ:

    تحياتي لقدسنا العزيزة علينا
    لا تعليق

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    قد تكون هناك مبررات إقتصادية, لكن الصهاينة تعودوا على الأخذ وليس العطاء!
    ما هي مبررات الدول العربية الأخرى؟ ولا حول ولا قوة الا بالله

  4. يقول د. علوش:

    وين في ركض وراء التطبيع أعرفه أن الإمارات وراء ذلك ، دفعت وعدت رغبت رهبت ما بتقصر في التشجيع على التطبيع ، التطبيع الطريق إلى الجنة ؟!

  5. يقول سامح //الأردن:

    *سيبقى الكيان الصهيوني المجرم العدو رقم ١
    للعرب والمسلمين شاء من شاء وأبى من أبى.
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد وخائن
    لقضايا الأمة. َ

  6. يقول يوسف:

    السودان يقيم علاقات مع معظم دول العالم ، عندما يهرول المطبعون يشعروننا ان التقدم والازدهار والرفاهية هي في اقامة علاقات مع هذا الكيان الصهيوني الذي بسببه تعيش المنطقة في البؤس والفقر والظلم رغم الصورة القاتمة من الفشل والتدهور والفقر الذي انتجته العلاقات مع الصهاينة…

  7. يقول S.S.Abdullah:

    فلسفة أو عقلية تسويق فكرة، أن مفتاح الإقتصاد (الكيان الصهيوني) وصندوق النقد والبنك الدولي من خلال (أميركا)،

    النتيجة الطبيعية له هو رأي القدس بعنوان (السودان وإلغاء المقاطعة الإسرائيلية: لهاث الدولة ومقاومة المواطن)، وليس فقط المعاهدة الابراهيمية في عام 2020،

    والدليل على خطأ هذه الفكرة، هو ما حصل في زمن الرئيس (جعفر النميري) وموضوع نقل (الفلاشا) من أثيوبيا، في الستينيات من القرن الماضي إلى (الكيان الصهيوني) عن طريق السودان، مقابل ماذا؟!

    أي قبل هجرة أهل روسيا من (اليهود) بعد إفلاس دول إقتصاد الإشتراكية، في الإتحاد السوفيياتي واليوغسلافي في أوربا، بعد سقوط حائط برلين في عام 1989،

    أو هجرة (يهود) اليمن، أو هجرة (يهود) إيران، بعد استلام أهل فكرة ولاية الفقيه حكم الدولة، بحجة أنهم (ضد أمريكا و(اليهود))، لماذا؟!

    أي لماذا أهل البلد، من أي دين وصلت إلى مفهوم الهجرة أصلاً، من أي بلد إلى أي بلد، لولا سوء إدارة وحوكمة أهل الدولة نفسها؟!

    أنا تركت العراق، لأن تم وضع شرط الدخول إلى حزب البعث، لو أردت إكمال دراسة الجامعة، فبحثت عن قبول في جامعات خارج العراق، وهاجرت في عام 1980.??
    ??????

  8. يقول بلحرمة محمد:

    النظام السوداني ظاهره مدني وباطنه عسكري محض والعسكر هم من يسيرون وهم من يحكمون وهم من يصدرون الاوامر وهم من يقررون سياسات الدولة من عدمها فتماشيا مع الرضا الامريكي قبلوا ان يلتزموا بيت الطاعة الامريكي والخنوع للعصابات الصهيونية بتبريرات شتى وواهية لا تقنع حتى الجاهل فما بالك بالعارف فالكراسي قد اعمت البصر والبصيرة ولم تعد الانظمة العربية تهتم بفلسطين واحتلالها ولا بالقدس وما يحمله من معان روحية لدى سائر المسلمين بل لا ابالغ ان قلت انها تعمل جاهدة لاجل تحسين صورة العصابات الصهيونية المجرمة والاشارة بالسلبيات الى الضحية الفلسطينية فلا تستغربوا قرارات العسكر السوداني فهم مرغمون لا ابطال.

  9. يقول عثمان المهدي:

    هذا ليس مجلس سيادة، إنه مجلس خيانة وعمالة. قرار المقاطعة هو قرار عربي جماعي أتخذ من قبل الجامعة العربية منذ عام 1945، وقرار أخلاقي. الخروج عنه من قبل بعض الأنظمة العربية هو إنحطاط أخلاقي وخروج عن قرارات من المفروض إحترامها وإحترام حقوق الشعب العربي الفلسطيني. لقد قاطعت الدول العربية والعالم النظام العنصري في جنوب أفريقيا، فلماذا لا تقاطع هذا النظام الذي يفوق بإعتراف قادة جنوب أفريقيا ذلك النظام في عنصريته وإجرامه؟ الجواب لأن هذه الأنظمة ليست سوى أنظمة عميلة خائنة فاسدة مجرمة بحق شعبها وأمتها، ويجب أن ترحل.

  10. يقول alaa:

    اعوذ بالله من الشيطان بسم الله الرحمن الرحيم ولن ترضي عنك اليهود ولا النصاري حتي تتبع ملتهم قل ان هدي الله هو الهدي ولئن اتبعت اهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولانصير صدق الله العظيم – وكذب العسكر الخونة

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية