الخرطوم- عادل عبد الرحيم- بهرام عبد المنعم:
علا صوت المحكمة الجنائية الدولية للمطالبة بتسهيل عملها من قبل الخرطوم بشأن المطلوبين لديها بعد فترة هدوء في تصريحات الجانبين عقب ثورة ديسمبر 2019 والإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير بعدها بأشهر.
فقد صرح مدعي الجنائية الدولية كريم خان لمرتين على مدار اليومين السابقين بأن الحكومة السودانية منعته من لقاء المطلوبين لديها طالبا منها التعاون مع المحكمة.
وعلى مدار السنوات السابقة إبان عهد البشير ظل السودان يرفض التعامل مع الجنائية الدولية واتهمها بأنها “محكمة سياسية وأداة استعمارية”، وحشد ضدها دولا إفريقية.
ووصفت دول إفريقية الجنائية الدولية بـ”التمييز والعنصرية” واستهداف القادة الأفارقة دون غيرهم، معتبرةً أن مسؤولين عن صراعات في منطقة الشرق الأوسط ومناطق أخرى لم تمتد إليهم يد المحكمة.
والسبت، بدأ كريم خان زيارة إلى السودان، لمدة خمسة أيام، لبحث سبل تعاون الحكومة السودانية، في مثول المطلوبين أمام المحكمة.
أعلنت الحكومة السودانية، في فبراير/ شباط 2020، أنها اتفقت مع حركات التمرد في إقليم دارفور، خلال محادثات سلام بعاصمة جنوب السودان جوبا، على ضرورة مثول المطلوبين لدى الجنائية الدولية أمام المحكمة.
وقال حينها المتحدث باسم مجلس السيادة الانتقالي في السودان، محمد الفكي سليمان، إن التوافق بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور على تسليم من صدرت بحقهم أوامر اعتقال من الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية”، يشمل البشير.
وكانت السلطة آنذاك مشتركة بين العكسر والمدنيين، إلا أن إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أطاحت بـ”قوى إعلان الحرية والتغيير” (الحزب الحاكم سابقا)، وتولى البرهان السلطة منفردا مع قادة الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020.
وتطالب المحكمة الخرطوم بتسليم أربعة متهمين هم: البشير (78 عاما)، ووالي شمال كردفان السابق أحمد محمد هارون (57 عاما)، ووزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين (73 عاما)، وعبد الله بندة (59 عاما)، أحد قادة المتمردين في إقليم دارفور غربي السودان.
ويشهد الإقليم، منذ 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة حوالي 300 ألف شخص وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
أبلغ مدعي الجنائية الدولية كريم خان، مجلس الأمن الدولي، عبر دائرة تلفزيونية من الخرطوم الثلاثاء، أن السلطات السودانية رفضت وصول محققي المحكمة إلى البشير، ولاحقا طالبت 9 دول من أعضاء المجلس (من أصل 15) الخرطوم بالتعاون التام مع المحكمة.
والأربعاء، دعا خان، السلطات السودانية إلى التعاون في تنفيذ أوامر القبض الصادرة بحق الرئيس المعزول البشير (1989-2019) ومعاونيه، ولوّح باللجوء إلى “طرق أخرى” لتحقيق العدالة.
وقال خان خلال مؤتمر صحافي في الخرطوم، إن مهمتهم هي تنفيذ أوامر القبض بحق البشير ومعاونيه لمحاكمتهم بتهم تتعلق بالنزاع في إقليم دارفور.
في اليوم ذاته، نفت الحكومة السودانية أن يكون مدعي المحكمة الجنائية الدولية، قد تقدم بطلب لمقابلة المطلوبين لدى المحكمة خلال زيارته للخرطوم.
وقالت وزارة العدل السودانية، إن خان “لم يتقدم بأي طلب لمقابلة المطلوبين لدى المحكمة إبان زيارته الحالية إلى السودان”.
والخميس، اتهم سفراء 11 دولة غربية وبعثة الاتحاد الأوروبي، “العسكريين” في السودان بالتراجع عن التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية منذ “استيلائهم على السلطة” في 25 أكتوبر الماضي.
وذكر السفراء في بيان مشترك، أن “الحكومة الانتقالية السابقة عملت بشكل وثيق مع المحكمة الجنائية الدولية، نلاحظ التراجع في هذا التعاون منذ الاستيلاء العسكري على السلطة في 25 أكتوبر 2021”.
وفي ذلك التاريخ فرض رئيس مجلس السيادة الانتقالي البرهان، إجراءات استثنائية يعتبرها الرافضون “انقلابا عسكريا”، بينما يراها هو “تصحيحا لمسار المرحلة الانتقالية”.
يرى الخبير القانوني معز حضرة، أن زيارات وفد المحكمة الجنائية الدولية المتكررة إلى السودان تحمل رسائل إلى المتهمين أنه لا يمكن الإفلات من العقاب وأن التهم لا تسقط بالتقادم.
وأضاف: “طالما أن هناك أوامر قبض صادرة من المحكمة فهذا يعني أن المحكمة تستمر في إنقاذها”.
ولفت إلى أن الجنائية الدولية ترسل أيضا رسالة إلى الضحايا الذين قام رئيس المحكمة بزيارتهم في معسكرات النازحين في دارفور، وهي رسالة تطمينية بتنفيذ أوامر القبض ضد المتهمين ومحاكمتهم.
وأردف: “كما أنها تنبه العسكريين الذين يماطلون في تنفيذ أوامر القبض بعد تنفيذ الانقلاب أكدوا (العسكريين) عدم تعاونهم مع المحكمة”.
وتابع: “من الواضح أن العسكريين لا يرغبون ولا ينوون تنفيذ تسليم المتهمين وليس لديهم رغبة في محاكمتهم داخليا، خاصة وأن المحكمة الجنائية دورها تكميلي”.
وزاد: “مدعي المحكمة الجنائية الدولية شرع فعلا في الخيارات الأخرى، وأخطر مجلس الأمن بعدم تعاون الحكومة السودانية، وأنها لا تسمح له بزيارة المطلوبين في الحجز، ومجلس الأمن سيتابع قراراته، ويمكن أن يصدر عقوبات بحق العسكريين الذي يماطلون في عدم التعاون مع المحكمة”.
يرى رئيس هيئة محامي دارفور، صالح محمود، أن زيارة وفد المحكمة الجنائية الدولية إلى السودان أعادت من جديد قضية دارفور إلى واجهة الأحداث العالمية.
وقال: “الزيارة أثبتت أيضا أن الكارثة والمأساة في دارفور لن تسقط بالتقادم، َولا يمكن للقضية أن تختفي في الظلام”.
واعتبر أن المهم في الزيارة هي إحاطة رئيس المحكمة إلى مجلس الأمن من الخرطوم وهي رسالة مهمة ولها دلالاتها.
وأردف: “هناك شكوك حول موقف الحكومة بشأن التعاون مع المحكمة، لكن في ذات الوقت اختفت نبرة العسكريين الحادة في عدم تسليم المطلوبين وعلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير ومعاونيه”.
واستطرد قائلا: “أعتقد أن الطريق ممهد لتسليم البشير ومعاونيه إلى المحكمة”.
وفي 2003، اندلع في إقليم دارفور، نزاع مسلح بين القوات الحكومية وحركات مسلحة متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.
في 31 مارس/ آذار 2005، قرر مجلس الأمن الدولي إحالة ملف مرتكبي التجاوزات في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، في سابقة اعتبرت تاريخية، حيث كانت المرة الأولى التي يحوّل فيها مجلس الأمن ملف صراع للمحكمة الدولية للبت فيها جزئياً.
وفي مايو/ أيار 2007، أصدرت الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق وزير الدولة السوداني للشؤون الإنسانية آنذاك أحمد هارون، وعلي كوشيب، أحد قادة مليشيا “الجنجويد” المتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في دارفور.
بعدها بعامين، وتحديدا في مارس 2009، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية، مذكرة اعتقال بحق البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهي أول مذكرة توقيف تصدرها المحكمة بحق رئيس دولة يمارس مهامه، منذ تأسيسها عام 2002.
وفي يوليو/ تموز 2010، أصدرت الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية مذكرة اعتقال ثانية بتهمة “الإبادة” بحق البشير.
كما أصدرت المحكمة في مارس 2012، مذكرة اعتقال بحق وزير الدفاع السوداني حينها عبد الرحيم محمد حسين، بتهمة ارتكاب جرائم ضد مدنيين في دارفور.
(الأناضول)