مع كل صباح جديد، يتفاقم الوضع في السودان ويزداد تعقيدا وتأزما، ويظل الحال كما البارحة، لا تلوح في الأفق أي حلول أو مخارج، بقدر ما تتأكد مظاهر الانهيار الشامل، وتتبدى في ذات الأفق ملامح الفوضى غير الخلاقة. فإطلاق الرصاص الحي على شباب الوطن المحتج سلميا بهدف القتل العمد المباشر، يُعد مظهرا من مظاهر الانهيار، وقبل ذلك هو جريمة تستوجب العقاب. أما الحديث عن طرف ثالث يطلق الرصاص فهو استخفاف بعقل القائل قبل السامع، والسؤال البسيط بديهي الإجابة هو: من المسؤول عن كشف وضبط هذا الطرف الثالث؟ وبالأمس، في مدينة ودمدني الجسورة، كان هناك من يطلق الرصاص على المتظاهرين السلميين وهو يمد لسانه استحقارا لقرارات مجلس السيادة الآمرة بعدم إطلاق الرصاص. فإما أن قيادة البلد لا تملك أي سلطة أو سطوة قيادية وإدارية على جنودها، فيعصون الأوامر ويطلقون الرصاص، ويفشلون فعلا أو عمدا في كشف وتوقيف هذا الطرف الثالث إن وجد، أو أن هذه القيادة تتسلى بالضحك على شعبها ولا تصارحه بالحقيقة، وتتعامل معه وكأنها تلعب معه لعبة «الاستغماية» في نسخة دموية، والحالتان من مظاهر الانهيار.
عندما يحتج رئيس القضاء بقوة على تصرف وسلوك ذات السلطة التي عينته، وعندما ينفذ أعضاء الهيئة القيادية، وأعضاء النيابة العامة، والقضاء الواقف، والأطباء، وقدامى المحاربين… وغيرهم، عندما ينفذون وقفات إحتجاجية ضد القمع الدموي من قبل السلطة تجاه الشعب، وعندما يستقيل أحد الولاة أو يرفض أحد الوزراء تعيينه أيضا احتجاجا على ذات السياسات، وعندما تمتد احتجاجات الأهالي لتصل حد إغلاق الطرق القومية الرئيسية التي بمثابة شرايين الحياة للبلد، عندما يحدث كل ذلك فلا توصيف له أدق من أنه من مظاهر الانهيار. ومن زاوية أخرى، ورغم أن ظاهرة زوار الفجر سيئة الصيت عادت كما كان الحال في زمن الانقاذ، ولم تسلم منها حتى النساء، ورغم ارتفاع حصيلة الحصاد اليومي لأروح الشهداء من الشباب الذين يتم قنصهم بعناية، وفي الغالب بتحضير مسبق، فمن الواضح، وحسب مجريات الأمور، أن رفاق هولاء الشهداء لن يتوقفوا عن احتلال الشوارع. أما تاريخ السودان بعد الاستقلال فيحدثنا بكل ثقة بأن أي نظام مر على السودان وارتكب خطيئة مخاطبة شعبه وشبابه بلغة الرصاص القاتل، فإن هذه المخاطبة، ومهما كانت قوتها ودمويتها، لن توفر له سر البقاء في كرسي السلطة، بل سيسقط منه، طال الزمن أم قصر.
نعم، دخلت البلاد في مرحلة تتطلب تكاتف كل الجهود بحثا عن مخرج ناجع وآمن يتصدى لهذا الوضع الخطير، والذي يزداد خطورة بهذا العجز المتمكن فينا والمتمثل في حالة التشظي والانقسام. صحيح أن جذوة الثورة لا تزال متقدة، وأن سلاح لجان المقاومة أثبت فاعليته واحتل مقدمة الصفوف في المعركة. لكن، حماية الثورة وتقدمها نحو الانتصار يتطلب أكثر من سلاح وعدة أنواع من الذخائر. وفي هذا السياق، نشطت عدة مجموعات داخل الوطن في إطلاق مبادرات تبحث عن مخرج آمن للبلاد من أزمتها الراهنة.
التوافق على الآليات التي يكون من مهامها استعادة مسار الفترة الانتقالية في اتجاه تحقيق شعارات الثورة المجيدة ممثلة في تصفية كل أشكال وبؤر النظام المباد، والسير في طريق التحول الديمقراطي وتمكين الحكم المدني
وهناك أيضا مبادرات من خارج الوطن أهمها مبادرة الأمم المتحدة والتي أوكل أمر تنفيذها لبعثة «يونيتامس» الأممية المكلفة بدعم الفترة الانتقالية في السودان، وعلى ذات الطريق جاءت زيارة مفوض الأمن والسلام في الاتحاد الأفريقي للبلاد. وكما أكدنا كثيرا، لا أعتقد أن هناك من يرفض الإنصات لأي من هذه المبادرات ما دامت تنطلق من منصات تحظى باحترام الجميع، مؤسسات كانت أو شخصيات، وما دامت هذه المبادرات تقر وتعترف بأن الأزمة السياسية التي فجرتها إجراءات الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول الانقلابية قد أدخلت البلاد في نفق مسدود، مما يهدد في المقام الأول أمنها وسلامة شعبها، وما دامت تسعى إلى لجم العنف وحقن الدماء، وشل الأيادي التي تبطش بالمواطن والشباب المسالم، وما دامت تعمل من أجل التوافق على الآليات التي يكون في مقدمة مهامها استعادة مسار الفترة الانتقالية في اتجاه تحقيق شعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول المجيدة ممثلة في تصفية كل أشكال وبؤر النظام المباد، والسير في طريق التحول الديمقراطي وتمكين الحكم المدني، والعمل على تجنيب البلاد كوارث الصراعات الدموية والحروب الأهلية. ومع ذلك، هناك نشعر ببعض القلق تجاه ظاهرة تعدد المبادرات، وخاصة تلك التي تأتي من خارج السودان. فتعدد هذه المبادرات سيجعل البلاد وكأنها سوق لتبضع هذه المبادرات، مما يثير الربكة ويضيّع الأولويات، ويخلط مصالح الغير بمصالح البلاد. ونحن نرى أن الأفضل لبلادنا هو توحد هذه المبادرات، مع تنوع مراحلها وآلياتها، لذلك نجدد ما طرحناه في مقالنا السابق من تأييد ودعم لمبادرة الأمم المتحدة على أن تنسق بدرجة عالية مع مبادرة مدراء الجامعات السودانية التي قطعت شوطا كبيرا في التواصل مع كل قوى التغيير في البلاد، بحثا عن توحد خطابها السياسي وعن المشتركات بين المواثيق المتعددة التي طرحتها هذه القوى. والملاحظ في كل هذه المبادرات دعوتها لعقد مؤتمر مائدة مستديرة كآلية للتوافق حول المخرج من هذه الأزمة. نشير بأننا سبق وطرحنا إقتراح مؤتمر مائدة مستديرة، وذلك في مقال لنا في مايو/أيار 2020، عندما وصلت الفترة الإنتقالية، حسب وجهة نظرنا إلى طريق مسدود.
عموما، أعتقد أن أي مبادرة وأي مؤتمر للمائدة المستيرة، لن يكونا ذا معنى وجدوى إذا لم ينطلقا من فرضيتين رئيسيتين: الأولى، أن صيغة الشراكة بين المكون العسكري والمكون المدني، والتي ظلت تحكم الفترة الانتقالية منذ بدايتها، قد فشلت تماما. والفرضية الثانية، ضرورة وحدة إرادة التغيير في منبر ومركز قيادي موحد. ومرة أخرى، أحيي مبادرة مدراء الجامعات السودانية والتي تبذل مجهودا عظيما لخلق أرضية مشتركة بين قوى التغيير المدنية، غض النظر عن حجم أي من هذه القوى أو أطروحاتها.
كاتب سوداني
اعتقد ان هذا الاختلاف في الرأي بين كل الأطراف في الساحه السودانيه السياسيه، يرجع الي الاختلاف في علم الانياجرام واختلاف أنماط شخصياتهم، هذا تحليل بطريقه علميه… وأعتقد أنه لاينتمون الي اي قسم من أقسام الانياجرام.. وهذه كارثه سيكلوجيه التوافقيه وتخريب.. فعلا يوجد مظاهر للانهيار…