الخرطوم ـ «القدس العربي»: اتهم السودان، أمس الإثنين، إثيوبيا بـ” إعدام” سبعة من جنود جيشه ومدني واحد، متوعداً بـ”رد واقعي ملموس على الأرض”، وفيما أكدت الخرطوم عزمها تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، استدعت سفيرها في أديس أبابا، إلا أن الأخيرة تحدثت عن توغل للجيش السوداني داخل أراضيها مع قوات تتبع لـ”الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.
وقال الجيش السوداني إن نظيره الإثيوبي أعدم سبعة جنود سودانيين ومدنيا واحدا، كان قد أسرهم قبل نحو أسبوع، في منطقة الفشقة الحدودية شرقي البلاد.
وبين الناطق باسمه، العميد ركن نبيل عبد الله، أن “الجيش الإثيوبي بعد قتله للجنود والمواطن السوداني، الذين كانوا أسرى لديهم، قام باستعراض جثثهم أمام المواطنين، بكل دناءة وخسة”.
وتوعد بالرد على السلوك الذي وصفه بـ”الجبان”، من الجانب الإثيوبي بما يناسبه، مشددا على أنه “لن يمر بلا رد”.
وسارع رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، إلى تفقد القوات السودانية في موقعي الأسرة و ود كولي في الفشفة الصغرى في الحدود الشرقية “يرافقه أعضاء من هيئة القيادة”، حسب بيان مجلس السيادة.
وأكد البرهان على “عزم قيادة القوات المسلحة على إسناد القوات وتمكينها من أداء واجبها المقدس في حماية الأرض والعرض”.
وبيّن أن “أفراد القوات المسلحة لن تضعف عزيمتهم وأنهم ماضون في طريق الفداء والاستشهاد في سبيل البلاد”، مشددا على أن “دماء الشهداء لن تضيع سدى”.
وأوضح أن “الرد سيكون واقعا ملموسا على الأرض، وأن ما جرى من أحداث خلال الأيام الماضية في منطقة الأسرة لن يتكرر مرة أخرى”، موجها بـ”عدم السماح بأي تحركات أو تعديات جديدة على الأراضي السودانية والمواطنين حتى خط الحدود الدولية”.
«تحريف الحقائق»
في المقابل، أكدت وزارة الخارجية الإثيوبية، في بيان نشر على صفحتها الرسمية عبر “فيسبوك”، أنها “علمت بالحادثة المأسوية التي وقعت على الحدود الإثيوبية السودانية المشتركة في 22 يونيو/ حزيران الجاري، داخل الأراضي الإثيوبية بعد توغل وحدة من الجيش النظامي السوداني تدعمها عناصر إرهابية من الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي”.
وأضافت: “تأسف الحكومة الإثيوبية للخسائر في الأرواح نتيجة المناوشات بين الجيش السوداني والميليشيا المحلية التي سيُجرى التحقيق بشأنها قريبًا”.
كما لفتت إلى “رفض الحكومة الإثيوبية تحريف هذه الحقائق من قبل القوات المسلحة السودانية التي ألقت اللوم ظلماً على إثيوبيا”.
واستدركت: “بينما كانت وحدة من الجيش السوداني هي التي عبرت الحدود الإثيوبية بطريقة استفزازية”.
وأعربت عن “أملها في أن تمنع الحكومة السودانية نفسها عن أي تصعيد وتتخذ تدابير من شأنها تهدئة الموقف”.
وفي وقت أعلنت السلطات السودانية إغلاق معبر القلابات الحدودي، الرابط بين البلدين، مؤكدة أنها شرعت في تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي، استدعت وزارة الخارجية السفير الإثيوبي في الخرطوم، وأبلغته على خلفية قتل الجنود والمواطن السوداني من قبل الجيش الإثيوبي، موقفها الرافض لما وصفته بـ”السلوك غير الإنساني والجريمة النكراء التي تجافي مبادئ القانون الإنساني الدولي. ”
كما نددت بـ”قتل الجيش الإثيوبي للجنود والمواطن السوداني بعد اختطافهم من داخل الأراضي السودانية بتاريخ 22 يونيو/ حزيران الماضي واقتيادهم إلى داخل الأراضي الإثيوبية وقتلهم والتمثيل بجثثهم على الملأ “.
ولفت المتحدث الرسمي باسم الخارجية، السفير عمر الفاروق، في بيان أمس، إلى أن “السودان يستضيف أكثر من مليوني مواطن إثيوبي ينعمون بمعاملة كريمة ويتقاسمون مع الشعب السوداني موارده ولقمة عيشه في كرم وتسامح”.
وأضاف: “حفاظاً من وزارة الخارجية على سيادة بلادنا وكرامة مواطنيها شرعت الوزارة في تقديم شكوى رسمية لمجلس الأمن والمنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة”، مؤكدا أن “السلطات السودانية تحتفظ بكامل الحق الذي يكفله ميثاق الأمم المتحدة في الدفاع عن أراضيه وكرامة إنسانه”.
وأشار إلى “استدعاء السودان سفيره لدى إثيوبيا فوراً للتشاور بخصوص هذه الانتهاكات”.
والأربعاء الماضي، شهدت الحدود الشرقية اشتباكات بين جنود سودانيين وإثيوبيين، على خلفية توغل مزارعين وجنود إثيوبيين في المناطق السودانية. وأصيب خلال الاشتباكات جندي سوداني وأسر سبعة آخرون ومواطن مدني، قام الجيش الإثيوبي بقتلهم والتمثيل بجثثهم.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2020، أعاد الجيش السوداني انتشاره على الحدود السودانية الشرقية ذات الأراضي الخصبة، والتي ظلت تشهد توسع مزارعين إثيوبيين تحت حماية الجيش الأثيوبي لقرابة 25 عاماً.
ووصفت وزيرة الخارجية السابقة، نائبة رئيس حزب “الأمة القومي” مريم الصادق المهدي، قتل الجيش الإثيوبي للأسرى السودانيين بـ”الأمر الصادم الذي يتنافى مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي الإنساني، الذي يجرم قتل الأسرى العسكريين، والعدوان على المواطنين المدنيين”. وأضافت: أن “عرض الجثامين بهذا الشكل المهين يمثل انتهاكاً آخر للكرامة الإنسانية ومشاعر الشعب السوداني، وقوانين الحرب وحقوق الإنسان، ويسمم العلاقات بين البلدين الجارين”.
وأكدت أن “الشعب السوداني يدعم جيشه الوطني ويقف خلفه وهو يقوم بواجبه الدستوري في حماية حدود وسيادة أرض الوطن وأمن مواطنيه”.
ودعت “كل المكونات السياسية والمدنية والمجتمعية لإعلان الوقوف بقوة في مؤازرة القوات المسلحة”.
وتابعت: “لنجعل بتكاتفنا الوطني مليونية 30 يونيو/ حزيران؛ يوم التعاهد على إقامة الحكم المدني الديمقراطي، حيث يقوم المدنيون بالحكم وفق أسس دستورية متوافق عليها، وتلتزم المؤسسة العسكرية المهنية بحماية الوطن، وحراسة مكتسباته”.
ودعت القوات النظامية لـ”فض المواجهة مع شعبها والعمل على حماية الوطن من الاعتداءات ورفع يدها عن المواكب السلمية وحمايتها من كل مترصد”.
كما وصف رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير في بيان، الحدث بـ”الصادم والمؤلم”.
وأضاف: إنه “عمل غادر يأباه الوجدان السليم ويتنافى مع القانون الدولي والأعراف الإنسانية”، مطالباً الحكومة الإثيوبية بـ”توضيح ملابسات هذه الجريمة البشعة، والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي التحقيق والمحاسبة”.
إثيوبيا تنكرت لدور السودان
واستنكر حزب الأمة (الإصلاح والتجديد) بقيادة مبارك المهدي ما وصفه بـ”العدوان الذي قام به الجيش الإثيوبي على السودان، وإعدامه سبعة جنود سودانيين ومواطنا، كانوا أسرى لديه، ضارباً عرض الحائط بكل القوانين والأعراف الدولية والإنسانية”.
وقال إن “إثيوبيا تنكرت لدور السودان الرائد في دعم ومساندة إثيوبيا، من حيث تقديم المأوى والملاذ والعمل للشعب الإثيوبي خلال الحروب الأهلية والمجاعات التي ضربت إثيوبيا، على مدى خمسين عاما منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى وصلت أعدادهم إلى الملايين”.
ووصف سلوك الجيش الإثيوبي بـ”الجبان والمتنافي مع كل قوانين وأعراف الحرب والقانون الدولي”.
وزاد: “العمل الغادر يأتي بعد أن سلمهم السودان 61 أسير حرب بصحة جيدة، فكان الرد أنهم قتلوا 7 جنود سودانيين أسرى ومواطنا وعرضوا جثثهم على الجمهور بكل خسة ودناءة”.
وأكد الحزب أن “اعتداء إثيوبيا هو تصعيد يؤسف له ولا يمكن قبوله، وأن من شأنه أن تكون له انعكاسات خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة”، كما حمّل إثيوبيا “المسؤولية كاملة عما سيجر إليه عدوانها من تبعات، معلناً وقوفه الى جانب القوات المسلحة في خندق واحد دفاعا عن الأرض والعرض وحماية لحدود البلاد وترابها الوطني”.
«قديمة ومتجددة»
وحسب ما قال المحلل العسكري أمين مجذوب لـ”القدس العربي”، فإن “أزمة الفشقة هي أزمة قديمة متجددة”، مشيرا إلى أن عام 1902 شهد الاتفاق، الذي تم بموجبه تحديد الحدود بين البلدين، ولاحقا وضع العلامات في عام 1903”.
وأضاف: “في عام 1972 سمح السودان لبعض المزارعين الاثيوبيين بالزراعة والعودة بعد الحصاد، ثم جاءت محاولة اغتيال الرئيس المصري الراحل حسني مبارك في أديس ابابا، عام 1995، والتي اتهم نظام الإنقاذ بالضلوع فيها، لتضغط إثيوبيا عبر مجلس الأمن على السودان بشكاوى ثانوية”، مشيرا إلى أن “ثمن سكوت إثيوبيا، هو التغاضي عن الدخول والوجود في منطقة الفشقة لأكثر من 20 عاماً”.
وتابع: “من ناحية العمليات على الأرض، تستخدم إثيوبيا وحدات عسكرية تسمى ميليشيا الشفتة وأحيانا تسمى الفانو، باعتبارها مليشيات تابعة للأمهرة، وتعمل مع الجيش الإثيوبي ضد الجيش السوداني”.
وأكمل: “في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أعادت القوات المسلحة انتشارها في المنطقة واستعادت الأراضي الزراعية الغنية هناك، في وقت تعاني فيه إثيوبيا اقتصاديا”، مشيرا إلى أن “عرقية الأمهرا التي كانت مستفيدة اقتصاديا في الفشقة، تمثل الحاضنة السياسية لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد”.
ولفت إلى أن “إثيوبيا تواجه أزمة داخلية تعمل على تفريغها ونقلها للخارج”، مشيرا إلى أن “المناوشات الإثيوبية تصاعدت قبل شهور بخطف مواطنين وطلب فدية وقتل بعض المواطنين وعمل كمائن للقوات المسلحة التي تتحرك لتمشيط المنطقة، وكانت آخرها إعدام الجنود والمواطن السوداني والتمثيل بهم”.
وأشار إلى أن “السودان من جانبه، توقع تصعيدا من الجانب السوداني في الفترة المقبلة”.
وبيّن أن “السلطات في إثيوبيا تعتقد أن النظام في الخرطوم ضعيف ومشغول بالأزمة السياسية لذلك تحاول أن تتمدد وتفرض الأمر الواقع على السودان.”
ولفت إلى أن “إثيوبيا دولة حبيسة، لا تملك منافذ بحرية، وأنها تعتمد على السودان بالخصوص، فضلا عن وجود نحو مليوني عامل أثيوبي في السودان، و100 ألف عامل من عمال الحصاد والزراعة”.
كذلك يدخل إلى الخزينة الإثيوبية نحو 250 مليون دولار، من التجارة البينية مع السودان، وفق المصدر.