السوريون أمام خيارين والقرار صعب على كل ذي عقل رشيد

حجم الخط
3

تكاد الثورة السورية تكمل عامها الرابع دون الوصول إلى نتيجة حاسمة تؤدي لانتصار أحد طرفي الصراع، بل ازدادت الأمور تعقيداً وصعوبة بعد أن تداخلت العديد من الأطراف ذات المصالح في الشأن السوري، ما جعل سوريا ساحة حرب لعدد كبير من القوى المتضادة فكرياً وعقائدياً وسياسياً ومصلحياً، ولم تلق تبعية ذلك إلا على الشعب السوري الذي تزداد معاناته يوماً بعد يوم.
ويعتبر دخول تنظيم القاعدة كإحدى القوى المؤثرة في الساحة السورية أو كواحدة من القوى التي اتسع نفوذها تدريجياً لتصبح الأقوى، من أهم العوائق في وجه أية مساع دولية لابتكار حل سياسي، إذ أن دخول العديد من المنظمات والتنظيمات التابعة للقاعدة والتي غالى بعضها فأصبح أكثر تشدداً من القاعدة نفسها، جعل المجتمع الدولي يقف أمام خيارين من منظوره المصلحي، فإما أن يعمل مع السوريين على إسقاط نظام بشار الأسد وبالتالي سيستمر تمدد القاعدة وبناتها في المنطقة بأسرها وليس على الساحة السورية فقط، وإما سيكثف جهوده للقضاء على التنظيمات المتطرفة التي أغرقت الأرض السورية بمقاتليها الذين تم جذبهم من مختلف دول العالم، وهذا ما سيجعل القوى الدولية متريثة في شأن إسقاط النظام السوري.
هذه الخيارات التي يقف أمامها المجتمع الدولي بخصوص الشأن السوري، والتي لم يجد لها بديلاً، أو كما يقول بعض السوريين هو من صنعها، بدأ مؤخراً يلقيها بين أيادي السوريين بكل وضوح وصراحة بعد أن استعمل أسلوب التلميح حولها لأكثر من سنة كاملة، وتجلى ذلك ببعض التصريحات الأمريكية على لسان الرئيس باراك أوباما حول أولوية مكافحة الإرهاب في الوقت الراهن والذي يعني به تنظيم القاعدة وما يتبع له، وفي أحسن الأحوال تأجيل إسقاط نظام بشار الأسد، لتأتي بعد ذلك مبادرة «ديمستورا» التي تتعلق بتهدئة بعض الجبهات وكانت حلب مثالاً أو بداية للبدء بتنفيذ تلك المبادرة التي تعتمد على وقف لإطلاق النار في بعض المناطق كتجربة لإمكانية إيقاف القتال في مختلف المدن والقرى والبلدات السورية.
ومن الواضح أن مبادرة ديمستورا تهدف في النهاية إلى ما تحدث به الائتلافي السابق معاذ الخطيب وصرح به بعد زيارته إلى موسكو ولقاءاته بالروس بحثاً عن حل سياسي، بحيث يتوقف القتال تدريجياً، لتبدأ عملية البحث والتفاوض وصولاً لحل سياسي يكون فيه النظام شريك المعارضة في أمور عدة، أهمها حكومة وحدة وطنية تتشكل من طرفي النزاع، لتنتهي بالوصول إلى توحد عسكري يهدف للقضاء على التنظيمات المتطرفة وأهما تنظيم الدولة الإسلامية أو ما سمي اختصاراً بــ «داعش».
لكن المعضلة تكمن في أن ما يطرحه ديمستورا أو ما يطرحه الخطيب أمران ليس من السهل أن يتقبلهما شعب قتل منه اكثر من نصف مليون واغتصبت من نسائه المئات أو الألوف، كما أصيب عشرات الآلاف من شيوخه وأطفاله وشبابه بإعاقات دائمة، فضلاً عن تدمير ممتلكاته بشكل شبه كامل، وكان من الممكن لهذه الطروحات أن تكون قيد الدراسة بالنسبة للسوريين منذ عامين مثلاً، إلا أنها في هذا التوقيت لن تكون ذات جدوى، لاسيما أن فئة ليست بالقليلة من الشبان السوريين أصبحت تؤمن بأن السلفية الجهادية المتمثلة بتنظيمات القاعدة وأخواتها هي الطريق للخلاص من بشار الأسد ونظامه المؤلف من مئات من ضباط الاستخبارات المدربين أصحاب الخبرة والعراقة في القمع والدموية.
ورغم ارتكاب التنظيمات القاعدية الكثير الجرائم بحق السوريين إلا أنهم يجدون أن من يقتل أطفالهم بالبراميل المتفجرة أكثر إجراماً ممن ذبح بعض شبابهم بالسكاكين، ويجدون أن أعداد ضحايا الأسد لا تقارن بالمطلق مع الأعداد التي قتلتها التنظيمات التكفيرية المتطرفة، فحرب الإرهاب على الأرض السورية لم تنطل على معظم السوريين كونها لم تبدأ بمحاربة بشار الأسد وأركان حكمه والذين يعتبرهم السوريون أصل ومنبع كل إرهاب على الأرض السورية، بل ويدركون اختراق أجهزة استخبارات هذا النظام لتلك التنظيمات وأهمها «داعش».
أمنيات كثيرة يحلم بها السوريون ويحاربون من أجلها، أهمها نيل حريتهم وكرامتهم والطريق من وجهة نظرهم يبدأ بإسقاط النظام السوري، ومن ثم تنظيم داعش، فيما هم لا يرون أن باقي التنظيمات ضد طموحاتهم كجبهة النصرة أو حركة أحرار الشام أو غيرها من الكتائب الإسلامية المقاتلة، إلا أنهم وضعوا اليوم أمام خيارين لا مناص من الخضوع إلى واحد منهما، فإما الاستمرار بمحاربة النظام أو مد اليد إليه وإيقاف الحرب.
والخياران أمران أحلاهما سيكون أمر من العلقم، فإن قبل السوريون مد اليد ومصالحة النظام فإنهم قد يتوصلون إلى إيقاف شلال الدم الهادر منذ ثلاث سنوات، إلا أن أحلامهم بالحرية والكرامة ستكون من ذكريات التاريخ وأحلام الشباب، وستذهب التضحيات الجسام سدى، وإن أصر السوريون على الاستمرار في ثورتهم حتى إسقاط النظام والتخلص من استبداد داعش أيضاً، فإن الزمن سيكون مفتوحاً والفاتورة القادمة ستكون أكبر من السابقة، مع استمرار الأمل بالوصول إلى الهدف المنشود، ويبقى السؤال الهام هنا، من الذي سيقرر مصير هذا الشعب الجريح؟ ومن الذي سيقبل بتحمل مسؤولية هكذا قرار؟ وهل سيستطيع من يتخذ القرار أن يقنع به غيره؟ والأهم أن هذا القرار هو قرار صعب على كل ذي عقل رشيد، لكنه بالمقابل –وهذا ما يخشى منه – سهل على البقية كلهم من أصحاب العقول المندفعة المتهورة.

محمد اقبال بلو

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابو سالم:

    اصبحت سوريا لعبة مكشوفة، الحكام العرب و أمريكا وإسرائيل والغرب عامة يريدون بشار،وهذا واضح للعيان،

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      صدقت يا أبو سالم
      صح الله لسانك

      اللهم انصر أهل الشام المبارك على جميع أعدائهم – آميين

      ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أبوبكر _ ليبيا:

    بسم الله الرحمن الرحيم ، ولاعدوان الا علي الظالمين ، وندعوا لكل البلاد العربية بالأمن والاستقرار ، ونتمني من الله الغلي القدير أن يُفرج علي الاخوة السوريين واليمنيين والليبيين وكل البلاد التي عانت من الاستبداد لعدة عقود والان تعاني من الارهاب والعصابات المجرمة ، وكل ذلك سببه في نظري هو الارث الثقيل الذي خلفه طواغيت العرب بسبب طغيانهم وحرمان الشعوب من العيش في سلام .

إشترك في قائمتنا البريدية