السياق السياسي والجمالي لترجمة الشعر العربي للإنكليزية: الشاعرة المصرية إيمان مرسال: «الكيتش» ضرورة حينما تُعرّف بكوارثك

محمد عبد الرحيم
حجم الخط
0

القاهرة ــ «القدس العربي»: عندما هاجرت (سابينا) ــ إحدى شخصيات رواية ميلان كونديرا «كائن لا تُحتمل خفته» ــ إلى الولايات المتحدة، وكفنانة تشكيلية تم الترحيب بها وبلوحاتها، وأقيم لها معرض لاقى الكثير من الاحتفاء. ولكن كيف تم استقبال أعمالها، بل النظر إليها على كونها أعمالاً آتية من أوروبا الشيوعية، وما يُنتجه من تداعيات وقوالب جاهزة، عن الفنان المقموع والمقهور في ظل نظام شمولي، هنا تبدو محاولة التنميط والقولبة للشخص وما يُنتجه، أما البحث عن جماليات العمل، من حيث كونه عملاً فنياً بالأساس، أو أن صاحبه يمتلك حساً فنياً، فهو ما لم يحدث أبداً، لذا كان لزاماً على سابينا أن تصرّح قائلة «عدوي ليس الشيوعية، بل الكيتش». بهذه المقدمة افتتحت الشاعرة المصرية إيمان مرسال محاضرتها المعنونة بـ«ترجمة الشعر العربي الحديث للإنكليزية.. أسئلة عن السياق السياسي والجمالي»، التي ألقتها في الجامعة الأمريكية في القاهرة.

حالة أشرف فياض

تذكر مرسال حالة الشاعر الفلسطيني المقيم في السعودية أشرف فياض، الذي حُكم عليه بالإعدام، ثم انتفض مجتمع السوشيال ميديا، وبالتبعية بعض المنظمات الدولية، حتى أصبحت العقوبة السجن 8 سنوات والجلد 800 جلدة. وبالتالي تمت ترجمة ديوان فياض «التعليمات في الداخل»، من خلال دار نشر راديكالية تهتم بحقوق الإنسان. ومن هنا نستطيع اكتشاف ملامح «الكيتش» في الترجمة، فالدعم الأخلاقي وما شابه، تخلق أهمية لترجمة مثل هذه الأعمال، ولكن هل هذه الأعمال مهمة؟ فالترجمة لا تخص جماليات الشعر، أكثر مما تخص الكلام عن الرجل وقضيته كضحية. الأمر ليس حكم قيمة، فهو ليس توصيفاً سلبياً وإيجابياً للترجمة. وفي النهاية هي علاقات تسويق، بدون أدنى صلة بالفن أو الشعر، كل ذلك في إطار علاقة غير متكافئة بين ثقافتين.

تتطرق مرسال إلى الاستشراق وكون الإنكليزية ثقافة مركز، ومن هنا يتضح دور الاستشراق، خاصة من خلال «ألف ليلة وليلة» ورسم صورة العربي كشخص متوحش نبيل.

حالة الاستشراق

وتتطرق مرسال إلى الاستشراق وكون الإنكليزية ثقافة مركز، ومن هنا يتضح دور الاستشراق، خاصة من خلال «ألف ليلة وليلة» ورسم صورة العربي كشخص متوحش نبيل. فلترجمة ألف ليلة إلى الإنكليزية تاريخ وسياقات، فقد تمت ترجمتها خلال عصر التنوير وبعده، فالأمر لم يعد غراماً بغرائبية الشرق، بل ثورة الطباعة، فالقراء لم تعد هواية بورجوازية، من قبيل العادة والتسلية، بل هناك فئة من العمال وثورة طباعة ورسم داخل الكتب. كانت هناك مواجهة بين الذات الأوروبية والآخر (الشرق)، كما كانت الليالي دفاعاً عن الأمة الإنكليزية نفسها، التي كان ينتقدها المحافظون، بمعنى مقارنة بعض الأفكار التحررية في المجتمع الإنكليزي وقتها بما كانت تسرده الليالي. أما الحال في أمريكا فيبدو مختلفاً تماماً، فبخلاف الإيروتيكا التي لفتت إنكلترا، كان ما يلفت الاهتمام في أمريكا حكايات علي بابا والسندباد، كاستعارة لتجربة الشتات عبر الأطلنطي، والمغامرة المتمثلة في تشجيع المواطنين للذهاب والبحث عن الذهب في كاليفورنيا.

حالة الهويات والموجات الشعرية

فقبول القصائد للترجمة يتعلق بأسباب لا تخص القصيدة. ففكرة فرض الهويات على الكُتّاب هي المسيطرة، وتضعهم في شروط ممارستها. والأهم في الموضوع فكرة الذي يقوم بالترجمة، سواء كان فردا أو مؤسسة، فمعظم الإنتاج الشعري الذي تمت ترجمته كان من قِبل مترجمين عرب، أو مؤسسات عربية داخل البلاد العربية تترجم الأعمال إلى الإنكليزية ــ مشروع الهيئة المصرية العامة للكتاب، على سبيل المثال ــ ثم تنتقل مرسال إلى أن حالة الترجمة تأتي في شكل موجات، أكثرها يتمثله الشعر الفلسطيني، لارتباطه بالقضية والنضال، ثم الشعر اللبناني بعد عام 1982، والشعر العراقي بعد 2001. فالقليل جداً من تجارب الترجمة كانت من خلال دار نشر تعتني بالشعر عموماً، ومن كل دول العالم، بدون الارتباط بقضية أو حالة أشبه بالضحية. وأكثر الشعراء العرب ترجمة كان محمود درويش، الذي صدر العديد من الترجمات لأشعاره، بل إعادة ترجمته، لكن من بعد عام 2000 أصبح درويش صوتاً شعرياً ينتمي إلى نفسه، لا عربيا ولا فلسطينيا، وبالتالي.. تخلص من صورة الكيتش. فالكيتش ضرورة عندما نُعرّف بكوارثنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية