ثلاثة أشياء غائبة عن الإنسان الشرق أوسطي، وبالأخص الخليجي: التاريخ الحديث أولا. وجميع ما يتعلق بالنفط صناعة وتاريخا ومصالح ثانيا. والثالث إسرائيل، من دون فهم لهذه الأمور الثلاثة، لا يمكن للإنسان العربي أن يفهم ما يجري حوله من أحداث. أما الدول الكبرى في الشرق الأوسط فهي إيران بلاد فارس، ومصر أرض الكنانة، وتركيا مهد الدولة العثمانية، ومن دون معرفة التاريخ السياسي لا يمكن رؤية الصورة بأبعادها المختلفة.
لست هنا بصدد التفصيل، وليس في المقام فسحة كبيرة، فبكل تأكيد هذه موضوعات كبرى، بل الموضوعات الكبرى التي ترجع إلى جذورها تفاصيل اليوم، مشكّلة السياق الحياتي العام الذي نعيش. وكما يبدو لكم الأمر بديهيا، إلا أننا نجهل أساسيات وحقائق كل من الموضوعات التي تشكل الساحة السياسية اليوم. فحين الحديث عن تاريخ دول الخليج، فلابد لنا أن نرجع، على الأقل، إلى ما قبل النفط، وتاريخ شركة الهند الشرقية، التي أصبحت بعد ذلك شركة الهند الشرقية الهولندية، وشركة الهند الفرنسية. تماما كما هو الحال لبلدان الشرق الأوسط الأخرى، وحكاية الاستعمار البريطاني والفرنسي والألماني، وما خلفته تلك الحقبة من معطيات على أرض الواقع اليوم.
أما النفط وما يحدث فيه اليوم من انهيار تاريخي قياسي، فإن له تطوره الصناعي التقني، الذي قد يكون بلغ أوجه، إلا أن خريطة شركات النفط العالمية العملاقة المسيطرة على هذه المادة الخام عالميا، أمر لا نعرف عنه الكثير. بكل تأكيد اليوم أفضل من الأمس، فلدينا نخبة من الأكاديميين ومراكز البحوث والنقاشات في بعض مراكز فكر دول الخليج، التي أسهمت بشكل كبير، في توعية الحراك الثقافي، إلا أن هذا لا ينطبق سوى على الباحثين، فالبقية انخدع بالعيش الرغيد لريع النفط، فلا يسأل أين وكيف ولماذا؟ العيش الرغيد كمساحيق التجميل يغطي على ما لا نرغب أن نراه على هيئته الحقيقية، طالما أنه يعطينا الشيء الكثير. وبالنسبة لإسرائيل التي لا ننظر لها الا بعين العداوة، فقد عميت أبصارنا عن تقدمها الهائل البحثي، حيث تعد قاعدة لمشاريع التكنولوجيا الناشئة، فنحن كلامنا كثير تشوبه العاطفة من دون أن نقف وقفة لنرى ما الذي يدور حولنا.
لا تتوقع أن تجد الإجابة دائما جاهزة، لأننا اعتدنا على التلقين، وفي التلقين تبعية فكرية
هذه السطور البسيطة العدد هي فقط لتقول لك، بما إننا نعيش في عصر المعرفة، فقد آن آوان تنمية معارفنا لنفهم، ولا يكون حكمنا سطحيا لا يخرج عن الأبيض أو الأسود. معمعة كبيرة لن نخرج منها إلا بالمعرفة وتحييد العواطف. يعيش الشرق الأوسط صراعات لم تذكر منذ عقود، لربما منذ الحرب العالمية الثانية، وموجة الاستعمار الأوروبي لبعض بلدانه. هذا يعني أننا مقبلون على مرحلة تشكل جديدة تدخل الصين فيها هذه المرة بجانب قوتين عظميين ليستا جديدتين – أمريكا وروسيا- وقد نشهد عودة للنفوذ البريطاني. إبدأ بالقراءة وتثقيف نفسك، حتى لا تستمر في لعب دور الضحية، ليكن لك دور في رفع وعيك. هناك طوفان من التغيير مقبل تقوده التكنولوجيا والصراع بين القوى. واخرج ولو لمرة من نظرية المؤامرة، وتذكر أنها تعفيك من التفكير بالأسباب الحقيقة واستعوضها بمنهج التفكير المنظومي system thinking، الذي سأترك لك مهمة البحث عن معناه. ولا تتوقع ان تجد الإجابة دائما جاهزة، لأننا أعتدنا على التلقين، وفي التلقين تبعية فكرية. لا أحد سيقوم بأداء فروضنا المعرفية نيابة عنا، لن يأتي من يفتح لنا الأبواب المغلقة لحقائق الأمور، هي مسؤولية شخصية في المقام الأول. هذا عصر البحث، هناك محركات بحث عملاقة اقوى من حكومات الدول، توفر لك المعلومة بضغطة زر، ما عليك سوى أن تبني مبدأ البحث. ليكن لديك بعض الفضول الحميد لرفع أفق فكرك.
ليس مطلوبا منك أن تكون محللا سياسيا أو تاريخيا، فنحن لا نحب أن نعطي الخبز لخبازه إلا لطعامنا. فإما أن تعرف ما يدور حولك، ويكون لك صوتا واعيا، أو أرجو أن تقوم بدورك كمواطن صالح، تعمل بجد واجتهاد وتترك عنك المهاترات، والانشغال بما لا يعود عليك بالنفع. فلنكن شعوب عمل، مركزين على ترتيب بيوتنا من الداخل فهي أولى من نقاشات لا طائل منها.
كاتبة عمانية