القاهرة ـ ‘القدس العربي’ أبرز ما نشرته الصحف الصادرة امس الثلاثاء 19 تشرين الثاني/نوفمبر، كان الاستعدادات للاحتفال بالذكرى الثانية لأحداث محمد محمود، التي أدارها الجيش والشرطة والحكومة بذكاء وبراعة شديدين، وبدعم من قوى سياسية عديدة، بحيث وضعوا الإخوان المسلمين وحلفاءهم في موقف صعب جدا، كما وضعوا حركات أخرى مثل السادس من ابريل والاشتراكيين الثوريين في موقف محرج جداً، فقد فتحوا ميدان التحرير للاحتفال وتكريم الشهداء، وتلقى الإخوان تحذيرات شديدة من قوى سياسية بعدم الاقتراب من ميدان التحرير، بعد أن تم تحريمه عليهم وعلى حلفائهم، حتى عندما كانوا في الحكم، كما تلقى السادس من ابريل والاشتراكيين الثوريين انذارات من محاولة الصدام مع الجيش والشرطة.
كما اهتمت الصحف ايضا بالتحقيق في كارثة قطار دهشور، الذي صدم عدة سيارات، وقتل اكثر من عشرين، وكذلك بدء التحقيقات في اغتيال المقدم بالأمن الوطني محمد مبروك، المسؤول عن ملف الإخوان، وأحد الذين أعدوا تحريات عن تخابر محمد مرسي، وثارت مناقشات حول وجود ضباط يعملون لحساب الإخوان سربوا المعلومات عنه.
ومساء الاثنين فجر زميلنا وصديقنا الإعلامي البارز وائل الإبراشي في برنامجه التلفزيوني المتميز بقناة دريم ‘العاشرة مساء’ قنبلة، عندما اعلن ان جهاز الأمن الوطني ارسل كشفا الى وزير الداخلية بأسماء ثلاثمئة ضابط شرطة يعملون لصالح الإخوان، وذكر الحروف الأولى من بعض الأسماء ورتبهم، وقال ان المخابرات الحربية بدورها أرسلت الى وزير الداخلية اسمي لواءين ينتميان للجماعة.
كما تحدثت صحف امس عن ان لجنة الخمسين ألغت مادة تخصيص نصف مقاعد المجالس النيابية للعمال والفلاحين، وان مباراة فريقي مصر وغانا تشهد حضور الجمهور مما يعكس تزايد الثقة في حالة الأمن، كما حفلت الصحف باخبار مؤتمر الموسيقى العربية بالإسكندرية، وكان قد بدأ في دار الأوبرا بالقاهرة، ومظاهرات محدودة لطلاب الإخوان بالجامعات.
وإلى بعض مما عندنا:
الشيخ منير جمعة: عودة
الخلافة ستكون قريبة جداً
وإلى استمرار الظاهرة التي تكشف بالأمثلة حالة اليأس والإحباط بين صفوف الإخوان، التي تدفعهم الى التحليق بعيداً عن الواقع، بتصور واقع وهمي، يستريحون فيه، اضافة إلى تفسيراتهم لأسباب الضربة التي نزلت عليهم وهزمتهم، بعضهم اعترض على حياء وتردد بأنهم أخطأوا، وأغلبهم لجأ الى تاريخ اليهودية والإسلام والقرآن للبحث عن تفسير ودعم لمواقفهم، ويستغلون أي مناسبة لذلك، وجاءت مناسبة العاشر من محرم فرصة لهم لأنها تجمع بين حدثين، نجاة سيدنا موسى واستشهاد الحسين بن علي.
ومن هذه التبريرات الحديث الذي نشرته جريدة ‘الحرية والعدالة’ يوم الخميس مع الدكتور الشيخ منير جمعة عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو ائتلاف علماء ضد الانقلاب، والاستاذ المساعد بجامعة أم القرى بالسعودية، وأجراه معه زميلنا عاطف ومن أبرز ما قاله:
‘يوم عاشوراء هو ذكرى التمكين للمستضعفين ويعني ألا نغتر بالظاهر ونظن أن أهل الحق قلة، وبالتالي لن يكتب لهم النصر، ففرعون كان يراهم قلة والقرآن الكريم سجل هذا، والحقيقة أن الأمة مازالت في أغلبها لا تعرف الحق من الباطل، ولذا فمن أسباب تأخر النصر أن لا يبدو الحق واضحاً في أذهان أكثر أبناء الأمة، وبتطبيق ذلك على الوضع في مصر الآن نجد أننا بإذن الله حين ينكسر الانقلاب ستكون الآثار كبيرة وجلية جداً على العالم كله، ومن ذلك عودة الخلافة التي ستكون قريبة جداً بإذن الله ذكرى عاشوراء يوم الذكرى بهلاك الظالمين، فكان الله تعالى يطلب من سيدنا موسى أن يظل بنو إسرائيل متذكرين لهذا اليوم والا ينسوه أبداً، لما فيه من الفضل الكبير، فإهلاك فرعون موسى هو البشرى بهلاك فرعون. كل مرحلة من مراحل الصراع بين الحق والباطل، وهذا ما نذكر به الآن الظالمين الانقلابيين الذين قتلوا الآلاف وأصابوا آلاف آخرين، واعتقلوا أيضاً الآلاف من أنصار الشرعية، فنقول لهم لا تحسبوا أنفسكم قد انتصرتم وستمرون بفعلتكم الغادرة، فالله تعالى لكم بالمرصاد وهو الذي يقول للشيء كن فيكون، وسيأتيكم عقاب الله في الوقت الذي يحدده هو سبحانه، وترتبط ذكرى عاشوراء أيضا باستشهاد سيدنا الحسين ـ رضي الله عنه ـ خرج على الحاكم حينما رآه قد جاء بطريقة غير شرعية. فقد رأى عند خروجه على يزيد أن أخيه الحسن لما تنازل لسيدنا ‘معاوية’ فقد وضع الأمر بين يدي صحابي، أي بين يد امينة، فمعاوية خال المؤمنين وكاتب الوحي، فلن يبعد الأمر كثيراً ولكن بوفاة معاوية رأى ‘الحسين’ أن الأمر يجب أن يعود إلى أهله، ولا يصح أن يستمر بالوراثة، وهنا يجدر بنا أن نرد على من يدعون أن الرئيس محمد مرسي عليه أن يتنازل مثلما فعل ‘الحسن’ فهؤلاء نقول لهم أن ذلك إفك بين، وقياس فاسد مع الفارق، فأين ‘الحسن’ و’معاوية’ مما نحن فيه! فنحن هنا أمام حاكم شرعي منتخب هو الدكتور محمد مرسي، وظالم طاغية مجرم ليست له شرعية من أي نوع هو قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي، وهنا يكون التنازل تنازلا عن إرادة المصريين، وبالتالي فالرئيس مرسي لا يملك أمر نفسه، وإن فعل ذلك كان مضيعاً للأمانة، ولذا فمن يقولون بهذا القياس يريدون أن يضللوا الشعب ليس أكثر’.
وهو يرد هنا على كثير من السلفيين الذين طالبوا مرسي بأن يتشبه بسيدنا الحسن بن علي، الذي تنازل للحكم لمعاوية بن أبي سفيان، لوقف سفك المزيد من الدماء، ولم يتطرق الاقتراح الى تشبيههم السيسي بمعاوية أبداً، انما تركيزهم كان على فكرة حقن الدماء.
الدعوة السلفية لم تخرج
على مرسي بل تعاملت مع الواقع
وإلى المعركة التي نشبت من مدة بين الإخوان وجمعية الدعوة السلفية وحزبها السياسي (النور) واتهام الإخوان لها بخيانة الإسلام بمشاركتها في الإطاحة بها وبالرئيس السابق محمد مرسي، ومطالبة حزب الإخوان (الحرية والعدالة) لها بإعلان التوبة عما ارتكبته من ذنب ومعصية، وردت جمعية الدعوة السلفية على ذلك في حديث نشرته جريدتها الأسبوعية التي تصدر كل يوم جمعة وهي ‘الفتح’، مع الشيخ زين العابدين كامل عضو مجلس شورى الجمعية أجراه معه زميلانا عمرو حسن وأسامة عبدالكريم، قال فيه:
‘يتوجب على جماعة الإخوان المسلمين أن يتوبوا الى الله من سفك الدماء الذي كان بلا ثمن، إن الدعوة السلفية لم تخرج على الدكتور محمد مرسي بل تعاملت مع واقع تم فرضه بالفعل وأنه يوم 3 يوليو كان الرئيس المعزول محمد مرسي تحت الإقامة الجبرية، والجيش كان قد أمسك بزمام الأمور وقتها بالكامل، ان الدعوة السلفية قدمت النصائح مراراً وتكراراً لجماعة الإخوان ولمؤسسة الرئاسة، ولم يستجب أحد، مشايخ الدعوة اتفقوا مع جماعة الإخوان على كيفية المشاركة في إدارة الدولة، ولكنه للأسف لم يف الإخوان بعهودهم كعادتهم، وأن التاريخ أثبت أن الإخوان عندما يفشلون يلقون باللوم على غيرهم، انشغلوا بأنفسكم وأحوالكم عسى الله أن يصلح من شأنكم’.
من جهته أعرب شريف طه المتحدث باسم حزب النور عن تعجبه لمثل هذه المطالب قائلا: ‘من المطالب بالتوبة، النور أم الحرية والعدالة الذي تسبب في تشويه صورة التيار الإسلامي إلى هذا الحد الذي نراه وكاد يفقد الناس الثقة بالإسلام من الأساس… تقسيم الشعب الى فريقين حق وباطل بمجرد الاختلاف في اجتهادات سياسية تبنى على رؤى سياسية مختلفة، تسييس للدين واستخدام لتحقيق مصالح شخصية، هذا اسلوب ممنهج تستخدمه جماعة الإخوان المسلمين للقضاء على حزب النور وتشويه صورته بين الناس’.
مبادرة السيسي: اللي
يخالف الشروط ننزل الشارع ضده
ويوم السبت نشرت الصحف ما جاء في فيديو على اليوتيوب، للقاء بين نائب رئيس جمعية الدعوة السلفية ياسر برهامي وعدد من الأعضاء أبرزته جريدة ‘الشروق’ في عرض لزميلينا ضياء مصطفى وأحمد بدراوي جاء فيه:
‘عقد لقاء مع المجلس العسكري قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، ضمن عدة لقاءات ومبادرات أقرها مجلس إدارة الدعوة، بحضور الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع الحالي، حيث كان مدير المخابرات الحربية وقتها، واللواء عباس كامل مدير مكتبه حاليا، وأنه دار كلام واضح، وأن السيسي قال له: الناس خايفة كل الناس خايفة، ثم سألني، تضمن الإخوان؟ فقلت له، لأ، ما ضمنش، فرد عليَّ، عايز اطمن الناس.
وتم الاتفاق على وضع مبادرة وطلب السيسي صراحة بأن تكون بضمان الدعوة السلفية وحزب النور، وتضمنت أن اللي يخالف شروط المبادرة ينزلوا الشارع ضده.
وأن السيسي طلب أن تكون الهيئات المتعلقة بالمبادرة هي الدعوة السلفية وحزب النور والحرية والعدالة وجماعة الإخوان، ومجلس القضاء الأعلى، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس مجلس الشعب، محمد سعد الكتاتني في ذلك الوقت ووكيلي المجلس والمخابرات العامة ووزارة الداخلية. وأن المبادرة تضمنت توجيه رسالة تطمين قوية لجميع مؤسسات الدولة، والحرص الكامل على حفظ الدولة الحديثة، وتقديم تعهدات من قبل الرئيس القادم لمؤسسات الحكم تضمن تحقيق الاستقرار، وأكد إبراهيم أباظة رئيس تحرير بوابة الفتح السلفية، وعضو اللجنة الإعلامية لحزب النور صحة الفيديو، وقال في تصريحات خاصة لـ’الشروق’، ان المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة حينها فوض الفريق السيسي بالتحاور مع الشيخ ياسر: هل تضمنن الإخوان، فقال، لا نضمنهم وأن المبادرة لم تكتمل لأنه حين طلبت الدعوة ضمانات سياسية مكتوبة وموقعة من الأطراف، قال خيرت الشاطر نائب المرشد العام انهم تفاهموا مع الجيش شفهياً’.
وائل عبدالفتاح: رئيس تحرير
‘الاهرام’ ليس صحافيا ولا كاتبا
وإلى المعارك والردود المتنوعة التي يضرب أصحابها في كل اتجاه لا يلوون على شيء، ونبدأها من يوم الأحد من ‘التحرير’، مع زميلنا وائل عبدالفتاح وهجومه ضد زميلنا عبدالناصر سلامة رئيس تحرير ‘الأهرام’ بقوله عنه:
‘عبدالناصر سلامة ليس صحافياً ولا كاتباً، لكنه ميراث من تركة عصر مبارك، استخدمه الإخوان ومرسي، وها هو يقدم خدماته لمن يهوى في تركيبة 30 يونيو. والأهرام لم تعد صحيفة كما نعرف الصحف، لكنها معرض هذا الميراث وإعلانه الدائم عن وجوده، وبما انها الفرع الرئيسي لهذه المعارض، فانها لا تهتم بفنون الصحافة وصناعتها، قدر اهتمامها بتوليد نماذج مثل الاستاذ عبدالناصر الذي لا يختلف عن أسلافه من إبراهيم نافع وحتى أسامة سرايا، فهم حراس في كتائب السلطة، أو من يجلس على كراسيها، ولأنهم حراس فاشلون فانهم لم ينجحوا في حماية مبارك بالقدر الذي فشل فيه خليفتهم في الملاعب عبدالناصر سلامة في حماية المرسي وهذا ما يجعل استمراره نذير خطر على تركيبة 30 يونيو’.
تخابر مرسي تهمة وتخابر الآخرين
تحقيق للمصلحة الوطنية!!
وإذا اتجهنا نحو ‘الوطن’ سنجد زميلنا محمود الكردوسي لا يزال غاضباً وفي ثورة عارمة على بعض من يتحدثون باسم ثورة يناير، وقال عنهم:
‘هذا ما أسميه تبجحاً ونطاعة وعمى بصيرة، نزع مرتزقة 25 يناير الى رفع الحياء وعادوا يطلون بوجوههم المموهة وبدأت أصواتهم ترتفع، وكنا نظن ان ثورة 30 يونيو أخمدتها الى الأبد، خرج هؤلاء المرتزقة من نعوشهم بينما تخوض مصر حرباً مقدسة ضد إرهاب الإخوان، وتسللوا إلى بعض برامج الـ’توك شو’، ومساحات الرأي في فضائيات وصحف يقال انها مستقلة ليعيدوا انتاج سيرة المرحومة 25 يناير’.
وما ان قرأ زميلنا الكاتب الإسلامي الكبير فهمي هويدي اتهام محمود لمرسي بالخيانة حتى قال في نفس اليوم في مقاله اليومي المتميز بـ’الشروق’:
‘كنت قد قرأت في الصحف المصرية أن الدكتور محمد مرسي متهم بالتخابر مع حركة حماس، أثناء عمله رئيسا للجمهورية، حيث من الثابت انه استقبل في مقر الرئاسة السيد اسماعيل هنية رئيس وزراء حكومة قطاع غزة. وفي وقت لاحق قرأت أن وزير الدفاع الأمريكي أجرى سبعة عشر اتصالا هاتفياً مع الفريق عبدالفتاح السيسي قبل عزل الدكتور مرسي في 3 يوليو الماضي، وأخيراً نشرت الواشنطن بوست تصريحات لرئيس المخابرات العامة المصرية اللواء محمد التهامي، قال فيها انه على اتصال دائم برئيس المخابرات المركزية الأمريكية، وأن بين الطرفين تفاهمات قوية وأوجها للتعاون لا نظير لها في أي مكان في العالم، لم يكن لدي شك في أن ذلك المستوى من التخابر يدخل في نطاق المهام الوظيفية لكل منهم، ولكن الحسابات السياسية جعلت من تخابر الدكتور مرسي تهمة وتخابر الآخرين من مقتضيات تحقيق المصلحة الوطنية العامة’.
مصر تعشق المناسبات
الوطنية وتعيش في التاريخ
وننتقل الى جريدة ‘المصريون’ علنا نصل الى حل لغز محمد محمود مع الكاتب طه خليفة الذي يحاول حل هذا اللغز اضافة لالغاز اخرى:’ أتابع تركيز الإعلام – الذي ينافق نفسه، ويكذب نفسه، ويضحك على نفسه – على الاحتفال بالذكرى الثانية لأحداث محمد محمود.
الإعلام حول تلك الأحداث إلى مناسبة وطنية، ويقوم بالترويج لها، وربما هناك توجيهات بذلك لأهداف مدروسة، وغايات يرجى تحقيقها، ورسائل مطلوب توصيلها.
لكن لماذا نستغرب أن يكون محمد محمود مناسبة وطنية في بلد يعشق المناسبات الوطنية ويعيش في التاريخ، أتصور أنه لو كان المنتخب فاز بمباراة غانا بدل الهزيمة لكان هذا اليوم تحول إلى مناسبة وطنية!.
والرئيس في مصر إذا قال أي كلمتين في خطاب جامد بلا روح فإنه يصبح خطابا تاريخيا، راجعوا ما كان يقوله ويكتبه الإعلام بعد كل خطاب لمبارك، كان الخطاب لا يُوصف بالتاريخي فقط، إنما جامع درر الحكمة.
اشتدت حمية الإعلام لما أعلن الإخوان أنهم سينزلون للمشاركة في الاحتفال، هنا بدأ التهديد والوعيد، وتم استدعاء مقولات قديمة بأنهم باعوا الثوار في محمد محمود، ولا يحق لهم التمسح بهم اليوم، وفعلا هم نأوا بأنفسهم عما كان يجري في هذا الشارع، وبالتالي لا معنى لنزولهم الشارع في هذا اليوم.
في محمد محمود قبل عامين كان نفس الإعلام ونفس الإعلاميين يشنون حملات ليلية على هؤلاء الموجودين بذلك الشارع، لعدة أيام، ويصرون على الوصول لمبنى وزارة الداخلية، وكانوا يُتهمون بأنهم بلطجية ومستأجرون ومشاغبون وصبية وأولتراس، وأن هناك من يحركهم في الظلام لإحداث فوضى وإسقاط الدولة ممثلة في واحدة من أهم رموز هيبتها وهي وزارة الداخلية، وكان سؤال الإعلام وضيوفه عن سر استماتة هؤلاء في الوصول للداخلية رغم سقوط قتلى وجرحى كثيرين منهم، ولماذا لا يتظاهرون ويعتصمون في التحرير إذا كانوا ثوارا فعلا؟
لم يحظَ هؤلاء بتعاطف الميديا، ولا المواطنين، وكان موقف الإخوان يحوز إشادة الإعلام والنخبة الموالية للمجلس العسكري لأنهم أنهوا مع الفصائل الإسلامية الأخرى مليونية 18 نوفمبر، ثم غادروا الميدان ولم يشاركوا في تلك الأحداث، فماذا جرى حتى يتحول الإعلام اليوم إلى النقيض ويعتبر من كانوا في محمد محمود ثوارا ومناضلين ويعتبر الاحتفال مناسبة وطنية وينقلب على الإخوان في هذه أيضا ويروج ادعاءات أنهم باعوا ثوار محمد محمود، بل وقتلوهم؟ كان المجلس العسكري هو من يحكم البلاد آنذاك وكان الإعلام يدافع عنه وأنا أيضا كنت في حيرة من أولئك الذين كانوا يشتبكون في محمد محمود ويريدون استهداف الداخلية، بينما كان مكانهم الطبيعي في ‘التحرير’ إذا كان لهم هدف ثوري، ومازلت لليوم ضد استهداف أي وزارة أو مبنى أو منشأة حكومية أو خاصة، ولست مع التظاهر أو الاعتصام أمام المنشآت السيادية ومنها الداخلية. محمد محمود مازال لغزا في كل ما يتعلق بأطرافه، سواء الذين كانوا يزحفون على الداخلية، ومن يحركونهم، وأهدافهم، ومن قتلوهم وأصابوهم أيضا، والسؤال: ألم تكن هناك لجان تقصي حقائق تقدم إجابة شافية وافية نزيهة لهذا اللغز وغيره من الألغاز لأحداث عديدة جرت منذ 25 يناير ومازالت في طي الغموض؟!.
إذا كانوا يتهمون وزارة الداخلية بأنها وراء قتل 40 شخصا في تلك الأحداث، فإن الوزارة أصدرت بيانا أكدت فيه حسب نصه ‘احترامها لإحياء ذكرى جميع الشهداء تخليدا لدورهم في مسيرة العمل الوطني’.
كما قدمت تعازيها – وحسب النص أيضا – ‘لكل شهداء الثورة الذين سالت دماؤهم الزكية لتروي شجرة النضال الوطني الذي سيسطره التاريخ في تلك المرحلةِ الفارقة من عمر الأمة’.
من الجيد أن تتحدث الداخلية بهذه اللغة، لكن لماذا اليوم وبعد عامين من الأحداث التي كانت تستهدفها، وكان جنرالاتها يخرجون معبرين عن غضبهم ومحذرين من الاقتراب من عرينهم ومن رمز للسيادة ؟!.هل السلطة تريد صنع مناسبة، وإعطاءها بعدا وطنيا، والاحتفال الواسع بها ربما لكسب ود ثوار 25 يناير الذين يتعرضون من بعض الفضائيات ومن أشخاص محسوبين على نظام مبارك لحملة تشويه جعلتهم يشعرون بالقلق، ولذلك بدأ صوتهم يرتفع بالنقد ويعتريهم الغضب، وهناك خشية من تحولهم للمعارضة، وهذا يصب في مصلحة الإخوان؟ وهل تريد السلطة تجديد شعبيتها بعد تراجع أسهمها لدى الثوار الحقيقيين، ولدى رجل الشارع الذي يواجه مصاعب في حياته اليومية، رغم أنه لم يكن معنيا بمحمد محمود وقت حدوثها، ولا هو معني بها اليوم كذلك؟ متى نتوقف عن ممارسات بلا معنى، ونتجه للمعنى الحقيقي في العمل والبناء لدولة ديمقراطية لكل أبنائها؟’.
امريكا ‘امرأة الأب’
وروسيا أبدا لن تكون ‘أما’!
اما زميل طه خليفة في نفس العدد من ‘المصريون’ الكاتب محسن شريف فيتناول عودة العلاقات المصرية الروسية من خلال مقال بعنوان ‘امريكا مراة ابونا وروسيا مش امنا’ يقول فيه:’ بشيء أقرب ما يكون إلى ‘الزفة البلدي’ استقبلت جماعة ‘المحللين’ أنباء زيارة وزيري الدفاع والخارجية الروسيين إلى القاهرة، للترتيب لزيارة من المرتقب أن يقوم بها الرئيس فلاديمير بوتين إلى مصر، هللت الجماعة لما اعتبرته بشائر عودة العلاقات المصرية الروسية إلى ما كانت عليه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، قبل التحول الاستراتيجي الأخطر والأكثر فداحة الذي قاده الرئيس الراحل أنور السادات، اعتبارا من العام 1971، الذي ألحق أضرارا فادحة بمصر والمنطقة جمعاء، لا نزال ندفع أثمانه الباهظة وسنبقى كذلك لوقت طويل.
هذه ‘الزفة’ نفسها تذكرنا بنظيرتها التي ‘طبل لها اعلام السادات وجوقته إبان الزيارة الشهيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى مصر في 13 يوليو 1974 والتي خلدها ‘غنائيا’ الثنائي الرائع أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام ـ يرحمه الله ـ في أغنيته الشهيرة ‘شرفت يا نيكسون بابا ‘، كما سخر منها كاتبنا الجميل يوسف القعيد في تحفته الروائية ‘يحدث في مصر الآن’ التي تحولت إلى عمل سينمائي في التسعينيات.
في المرتين أو بالأحرى ‘الزفتين’ يجري اغتيال العقل المصري ـ مع الاعتذار لبرهان غليون ـ وامتهانه في تصوير التعاون مع روسيا وقبلها أمريكا على أنه ‘جواز سفر لدخول جنة عدن’، حيث تجري أنهار العسل واللبن المصفى، وفيهما تبتذل العلاقات بين الدول من شبكة معقدة من المصالح والتناقضات والاطماع الى ما يشبه العلاقة بين الأم وزوجة الأب، وحتى بافتراض صحة هذا القياس على اعتبار أن أمريكا كانت على الدوام تذكرنا بـ’امرأة الأب’ الوقحة المتسلطة فإن روسيا أبدا لن تكون ‘أما’!
هكذا كانت ‘المراهقة السياسية والسذاجة والسطحية’ أهم ما يميز تعامل الكثيرين منا مع فكرة ‘التوجه شرقا’، وهي بالمناسبة فكرة رائعة وإن تكن غير جديدة، فقد بحت أصوات الكثيرين منذ عقود مضت في الدعوة الى اعادة التوازن الى علاقات وتحالفات مصر الخارجية والخروج من العباءة الأمريكية الذي لا يعني بطبيعة الحال أن نناصب أمريكا العداء.
الأمانة تقتضي اعطاء الروس حقهم، فعلى مدى عقدين أو يزيد وقفوا إلى جانبنا حين تخلى عنا الآخرون، السد العالي بني بقروض من روسيا والسلاح الذي انتصرنا به في 73 كان روسيا، وقد بقيت مصر حتى وقت قريب تسدد بعض القروض ومشترياتها من السلاح الروسي بصادرات من الثوم والبصل، وبعد أكثر من نصف قرن لا تزال صورة الرئيس السوفييتي نيكيتا خروتشوف وهو يضرب الطاولة بحذائه في اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة احتجاجا على العدوان الثلاثي على مصر، قصة يحلو للكثيرين أن يقصوها عن ‘الحليف القديم’ الذي بعناه بثمن بخس ـ وربما من غير ثمن خالص ـ عند أول منعطف، وفقا لرواية الأستاذ هيكل الذي أكد أن السادات ـ بعد طرد الخبراء السوفييت ـ طالب الامريكيين بمقابل لهذه الخطوة فأسر إليه في أذنه قائلا ‘لست مضطرا لدفع ثمن شيء أصبح في جيبي بالفعل’!
العلاقات المصرية الروسية قصة طويلة وحافلة بالمرارة والألم، والشعور بخيبة الأمل والخذلان فما ان تولى السادات مقاليد الأمور حتى أدار للروس ظهره، ومع شعارات من قبيل ’90 في المئة من أوراق اللعبة في يد أمريكا’، و’صديقي كيسنجر’ بدأ مسيرة الجحود والنكران لهم بطرد الخبراء السوفييت وصولا الى تهميشهم وتجاهلهم مع بدء الاتصالات السرية مع اسرائيل، وكأنهم لا دربوا ولا حاربوا ولا مولوا ولا وفروا الغطاء السياسي، رغم أنهم بطبيعة الحال ليسوا ملائكة ولا هم فعلوا ذلك كله لسواد عيون المصريين .
الروس تعلموا هذا الدرس والمؤكد أنهم لن يعيدوا اليوم تكرار أخطاء الماضي ‘لا سيما وأن الكف المصرية لا تزال مرسومة بأصابعها الخمسة على الوجه’، وربما كان ذلك واضحا في تصريح المتحدث باسم الخارجية السفير بدر عبد العاطي الذي نفى أن تكون روسيا بديلا عن أمريكا. وقال بالحرف ‘مش معقول تكون روسيا على الرف وننزلها’، وهو نفسه الأمر الذي تكشفه بجلاء تصريحات المسؤولين الروس عن استعداد موسكو لتزويد مصر بالسلاح شرط أن تكون القاهرة قادرة على سداد ثمنه، في اشارة واضحة ولا تخطئها العين على أن ‘زمن السلاح بالمجان أو بالقروض الميسرة ‘ قد ولى وفات.
الروس بطبيعة الحال يبحثون عن موطئ قدم في الشرق الأوسط، لا سيما في ظل تداعي آخر قلاعهم في سورية بعد العراق، ومصر بالنسبة اليهم ‘كنز استراتيجي’، كما هي بالنسبة الى الامريكيين ، وهم مستعدون للمساعدة وتقديم الدعم ويتحينون الفرصة ويرون في تصدع العلاقات المصرية الأمريكية فرصة مواتية ربما لا تعود مجددا، لكن هذا كله سيكون محكوما بمعادلات وتوازنات شديدة التعقيد وشروط على رأسها توافر الارادة السياسية الحقيقية، وكما يقول العقاد ‘ربما يكون من الحازب اللازب’ أن تدرك القاهرة الآن أن روسيا تغيرت وأن دولة بهذا الحجم لن تقبل أن نستعملها كورقة في المناورة مع الامريكيين نلوح بها كلما ‘كشر لنا الحليف الأمريكي عن أنيابه ‘ثم نلقي بها لاحقا إلى سلة المهملات إذا نلنا رضا العام سام’ .
لا بد لنا من اعادة كتابة
التاريخ لنتعلم من اخطائنا
اما في جريدة ‘الشروق’ فنقرأ للاعلامي الساخر ومقدم ‘البرنامج’ المثير للجدل والمشاكل باسم يوسف مقالا بعنوان ‘توتة توتة وما فرغتش الحدوتة’ يقول فيه:’ تمتاز القصص الخيالية بأنها تنتهي نهايات سعيدة مرضية لجميع الاشخاص. ففي النهاية نقول لأطفالنا ‘توتة توتة، فرغت الحدوتة’ و’عاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات’.
هكذا تنتهى كل القصص السعيدة من أول الجمال النائم إلى سنو وايت والاقزام السبعة.
لكن الحقيقة ان معظم قصص الاطفال كتبها مؤلفوها بطرق أكثر واقعية وسوداوية. فالصراع بين الخير والشر في هذه القصص أعمق بكثير من مجرد قبلة حالمة على شفاه أميرة تستيقظ بعدها من نومها المسحور، وأكثر تعقيدا من سبعة أقزام يتراقصون حول سنو وايت وعريسها في مشهد النهاية. لكن على مدى العقود الماضية تمت إعادة إنتاج هذه القصص لتكون أكثر جمالا وسعادة وأقل تعقيدا ليتقبلها الأطفال وآباؤهم.
لا يحدث ذلك في قصص الاطفال فقط، ولكن يحدث أيضا حين تسترجع الأمم تاريخها، أو بمعنى أدق إعادة كتابة تاريخها. فإذا كانت هذه الأمة واثقة من نفسها ولا تجد حرجا فى الاعتراف بأخطاء الماضي تجد أن تعاملها مع التاريخ تعامل ‘شيك جدا’. فالأخطاء موجودة امامك ولا شىء يمكن اعتباره مقدسا، بل تشجع هذه الدول طلبتها في المدارس على كتابة آرائهم ونقدهم في ‘الثوابت’ التاريخية لهذه الامة.
‘ثوابت’؟ انت قلت ثوابت؟
انا اسف فكلمة ثوابت، خاصة حين تقرن بأحداث التاريخ، موجودة فقط في عالمنا العربي والإسلامي السعيد. فالتاريخ عندنا ملفوف في كفن ومقفول عليه فى تابوت ومدفون في الارض تحت طن من التراب. والويل كل الويل لمن يحاول اعادة النظر أو اعادة القراءة في هذه الثوابت.
المؤرخ الدكتور يوسف زيدان تحمل هجوما شديدا ليس فقط بسبب رواية عزازيل، ولكن لأنه حاول ان يتخذ المنهج العلمي كوسيلة لإعادة قراءة تاريخنا، وذلك بحكم عمله كمؤسس لقسم ومتحف الوثائق والمخطوطات في مكتبة الاسكندرية.
وقد رصد الدكتور زيدان في كتابه ‘متاهات الوهم’ العديد من المغالطات التاريخية منها مثلا هذه القصة العظيمة التي درسناها في المدرسة عن ان مصر حمت العالم من غزو التتار، وانها اوقفت الجيوش الجرارة التي اجتاحت اسيا الصغرى وبغداد والشام. ولكن ما لا نعرفه ان الجيش الاصلي بقيادة هولاكو الذي يقدر عدده بمئة وعشرين الف جندي بعد ان دمر بغداد عاد إلى بلاد المغول بسبب صراعات مع قبائل منافسة، وحيث انهزم هولاكو هناك على يد ‘بركة خان’. وان ما تبقى من المغول لمواجهة الجيش المصري فى عين جالوت هو جزء صغير لا يزيد على ثمانية عشر الف جندي. ولكن لا بأس، يمكنك ان تكذب الوثائق والمؤرخين ويوسف زيدان وتصدق فيلم ‘وا إسلاماه’.
من الثوابت التي تربينا عليها ايضا هو جمال وقوة وعظمة الخلافة الإسلامية. والحقيقة ان لا احد يستطيع ان ينكر أثر الدولة الإسلامية في التاريخ وما اضافته للتراث البشري….الخلافة الإسلامية لها مكانتها في التاريخ، ولا يستطيع احد ان يحط من قدرها ولا من اسهاماتها في تاريخ الانسانية، ولكن ان يأتي بعض الناس ويربط بين الإسلام كرسالة روحية وبين الخلافة كإمبراطورية براغماتية فيها ما فيها من اخطاء بشرية، ثم يأتي اليك بكل ثقة ليقول ان الشريعة والخلافة هي الحل… التاريخ ليس مقدسا وأحداثه ملك لنا جميعا، وجزء كبير من أسباب غيبوبة هذه الامة هي عدم قدرة ابنائها على نقد التاريخ وتحليله والتعلم من اخطائنا في السابق ولذلك فنحن امة تنفرد بتكرار نفس أخطائها ثم نندهش لماذا نقبع في قاع التاريخ والجغرافيا والحاضر والمستقبل.