‘السيسي ليس ناصرا جديدا وإنما جمال مبارك تحت قناع عسكري’

حجم الخط
2

القاهرة ـ ‘القدس العربي’ أبرز وأهم ما في صحف أمس الاثنين 2 كانون الاول/ديسمبر كان إعلان عمرو موسى رئيس لجنة الخمسين لإعداد الدستور، الانتهاء من إعداده ويتكون من مئتين وسبعة وأربعين مادة بعد التوافق عليها ورفعها إلى رئيس الجمهورية، وترك الحرية له ليحدد نظام إجراء انتخابات مجلس النواب، الثلثان بالفردي والثلث بالقائمة، أو بالنظام الفردي على جميع الدوائر. وأشارت الصحف الى امتداد موجات إضراب طلاب الجامعات إلى عدد كبير منها احتجاجا على مقتل طالب كلية هندسة القاهرة محمد رضا، وخروج مظاهرة من جامعة القاهرة وقد لوحظ أن الأمن تركها تصل إلى ميدان التحرير، وبعد ظهور طلاب الإخوان فيها ورفعهم شعار رابعة والتلويح بالأصابع الأربعة، بدأ في تفريقهم بسرعة وطردهم من الميدان، وأدى هذا إلى زيادة في درجات السخط على المتظاهرين، واتهام الشرطة بالتخاذل عن تطبيق القانون.
وأشارت الصحف الى نفي ما نشر عن تعرض الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلى محاولة اغتيال، واجتماع وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم مع عدد من طلاب الجامعات، والتصريح لحركة السادس من ابريل بمظاهرة في ميدان طلعت حرب. وطلب النائب العام من وزارة الداخلية إرسال نشرة حمراء للانتربول الدولي للقبض على عاصم عبدالماجد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية الذي نشر انه هرب إلى قطر، ولو صح هذا الخبر فسيكون ضربة مؤلمة للجماعة. وقرار النيابة حبس علاء عبدالفتاح خمسة عشر يوما على ذمة التحقيقات، والإفراج عن أحمد ماهر بضمان محل إقامته، وتسليم القبائل في منطقة النجيلة بمرسى مطروح إلى الجيش ثمانين صاروخ غراد ومواصلة الشرطة إزالة الاشغالات من شوارع وسط القاهرة ومحاولات لحل الأزمة بين مسلحين وأقباط في محافظة المنيا، أدت الى مقتل اربعة من الطرفين.
وإلى بعض مما عندنا:

الحرية والعدالة: تصريحات
السيسي لصالح الاغنياء

وإلى المعارك والردود المتنوعة التي يضرب أصحابها في كل اتجاه لا يلوون على شيء، ونبدأها مع الدكتور أحمد تهامي يوم الخميس في ‘الحرية والعدالة’:
‘يلاحظ أن حلفاء السيسي ومريديه من الحلقات النخبوية الناصرية واليسارية ممن أطنبوا وأسهبوا في دفاعهم عن حقوق الفقراء وحملهم راية العداء للسياسات الرأسمالية لجمال مبارك، تجاهلوا تصريحات السيسي حول إلغاء الدعم وخفض المرتبات، مما يزيد الفقراء فقراً لصالح الطبقات الرأسمالية وذوي النفوذ المالي، مما يشكك في جدية خطابهم عن دعم الفقراء ورفض السياسات الرأسمالية، بعد أن تبين أن حليفهم العسكري ليس ناصراً جديداً، وإنما هو جمال مبارك تحت قناع عسكري. أما أمثال ياسر برهامي ويونس مخيون ممن يبررون حكم الاستبداد والديكتاتورية بفقه زائف عن ولاية المتغلب، فيشوهون صورة الشريعة الإسلامية الغراء التي تحث على العدل والرحمة والحرية والشورى وحق الأمة في اختيار حكامها، انهما نموذج لمشايخ سلطان أفسدوا الدنيا والدين’.

محاولة حصار
حضور السيسي الكاسح

وفي الحقيقة فإنه لم يصدر عن السيسي أو غيره أي عبارة عن خفض المرتبات، لأنها زادت برفع الحد الأدنى للأجور، ومن استفاد به هم العاملون في الحكومة والقطاع العام.
وكان من حظ تهامي، انه تلقى في نفس اليوم ضربتين، على طريقة ضربتين في الرأس توجع، وان كانت الأولى منهما سيقبلها بسرور لأنها من زميلتنا الجميلة بـ’روزاليوسف’، هناء فتحي التي قالت في ‘الوطن’ عن السيسي:
‘أظنهم جسوا النبض ودرسوا الحالة وأدركوا مبكراً أن الرجل مصاب بأعراض ‘الناصرية’ الواضحة، فأصابهم الذعر والهوس، لذلك كان هذا السعار المحموم من الداخل الإخواني المصري ومن الخارج الدولي حول ‘السيسي’ من أجل حصار حضوره الكاسح ومحاصرة انتشاره السريع في القلوب المصرية، فرفع الإخوان سريعاً الشعار الذي رفعوه سابقاً ‘يسقط يسقط حكم العسكر’ لكنهم في هذه المرة قتلوا العسكر، الإخوان الذين استكانوا من قبل للعسكر ولم يضربوا عليهم طوبة واحدة عاماً ونصف العام، حتى تسلموا منهم حكم مصر بصك 25 يناير، يطلقون الرصاص الآن على نفس الجيش!، ليه، إيه اللي اتغير؟ السيسي….
‘السيسي’ هو الحالة الجامحة التي أنجبتها ثورة 30 يونيو كما أنجبت ثورة يوليو حالة ‘جمال عبدالناصر’ لكن الإخوان الذين خرجوا من الستينيات وما أدراك ما الستينيات، بجرح ‘الناصرية’ هاهم يعاودهم هوس ألم ونزف الجرح القديم’.

كان الخروج على عبدالناصر
خروجاً على مشروع وطني تنموي

ما شاء الله، ما شاء الله، كل هذا الجمال وتلك الرقة ولا تقول خالد الذكر؟
ومنها إلى وفد نفس اليوم، وزميلنا في ‘روزاليوسف’ أسامة الغزولي:
‘يخطئ من يتصور أن غالبية الشعب المصري لم تكن منحازة إلى جمال عبدالناصر في صراعه مع الإخوان، ومخطئ من يتصور أن الإخوان كان بوسعهم تحقيق الانتشار الذي حققوه محلياً ودولياً من دون الهامش الواسع الذي منحهم إياه أنور السادات، والهامش الأوسع الذي حصلوا عليه في زمن حسني مبارك. أنا أعرف الموقف الشعبي من صراع عبدالناصر مع الإخوان جيداً فقد كنت منحازاً للإخوان ضد عبدالناصر تأثرا بوالدي وبكل الجو الذي كان محيطاً بي. وقد كان الناس يتجنبوننا في 1965 بعد اعتقال والدي الذي كان محبوبا من كل من عرفوه، لم تكن المسألة مجرد خوف من السلطة، بل كانت احتراماً للدولة ونفورا من الخروج عليها ومن كل من يشتبه في تورطه في الخروج عليها، كان الخروج على عبدالناصر خروجاً على مشروع وطني تنموي سيطر على كل العقول والقلوب، ولهذا تعاطف الناس معه ضد كل من خرج عليه كان أمراً مفهوماً’.

المصريون أسرى
لفكرة الزعيم الملهم

ونظل مع أبناء من كان اقاربهم من الإخوان، ومنهم الدكتور شادي الغزالي حرب، وهو ابن شقيق زميلنا وصديقنا الدكتور أسامة الغزالي حرب، ووالد أسامة كان معتقلاً بعد تنظيم سيد قطب عام 1965، المهم ان شادي كتب مقالا يوم السبت في ‘المصري اليوم’ قال فيه:
‘تأثرت إلى حد كبير في تكويني الفكري بالزعيم الخالد جمال عبدالناصر رغم أني ولدت بعد وفاته بثماني سنوات، لكنني من خلال أسرتي، خاصة والدي العزيز د. طارق الغزالي عشت كثيراً من اللحظات التي فاتتني في عهد عبدالناصر وتأثرت بها، بل انني كنت ومازلت أحفظ أغاني عبدالحليم التي ألهبت مشاعري الوطنية ورسخت داخلي عشق هذا الوطن والسعي الدائم لغد أفضل له، وهو ما دفعني للقراءة المتعمقة في هذه المرحلة المهمة في تاريخنا وما تلاها بعد ذلك في عهد السادات، وقد توصلت بعد كل ذلك لاستنتاج أن عبدالناصر كان زعيماً عظيماً لن يتكرر، بنى دول قوية تستند الى هوية وطنية لا تتزعزع قد يكون بها الكثير من العيوب والثغرات، ولكنها استطاعت الصمود أمام كل التحديات الخارجية وآخرها الاحتلال الإخواني، لكنها فشلت في التصدي للتحديات الداخلية كنتيجة مباشرة لغياب الديمقراطية، ظل المصريون أسرى لفكرة الزعيم الملهم من بعد وفاة ناصر وحتى 30 يونيو، ظناً منهم أنهم يستطيعون استنساخ تجربة ناصر في زمن مختلف وبأشخاص مختلفين، فكان الالتفاف حول شخص الفريق أول السيسي بعد إقدامه على الخطوة الشجاعة بأن انحاز للشعب المصري الذي ثار في 30 يونيو، فسارع أبناء جيل عبدالناصر وكل من تربى في هذا البلد على تقديس الرئيس، سارعوا لتمجيد وتألية السيسي ليصنعوا منه ‘ناصرا’ جديداً، وكأننا لا نتعلم من ماضينا أبداً. لن أتطرق هنا للفرق في زمن ناصر وزمن السيسي، الفرق في الشخصيات، ناصر كان رجلاً غزير الثقافة مطلعاً على تجارب الدنيا له فلسفته الفكرية الخاصة، أما الفريق السيسي فهو ضابط كفء ترقى لأعلى المناصب داخل المؤسسة العسكرية استجاب هو كقائد للمؤسسة العسكرية لنداء الوطن وانحاز للشعب عندما خرجت جماهيره يوم 30 يونيو، فكان الشعب هنا هو القائد والمعلم كما وصفه ناصر من قبل، إذن فالفرق كبير بين الشخصيتين، وهو ما يجعلني أؤكد أن ناصر كان شخصية فذة من الصعب جداً تكرارها ومن المستحيل صناعتها، لكن المشكلة الآن ليست في الفريق أول السيسي بأي حال من الأحوال المشكلة في هذه الطبقة من المثقفين الذين لا أقول انهم كلهم ينتمون للتيار الناصري، فبعضهم طالما هاجم ناصر وسياساته، لكنهم جميعاً تربوا على النظرية الناصرية وعلى نظرية الزعيم الملهم والمخلص التي امتدت في عهود السادات ومبارك. الغريب أن هؤلاء لم يتعلموا من درس الشعب في 25 يناير و30 يونيو عندما اثبت لهم فعلياً انه القائد والمعلم، هؤلاء يصرون على إعادة انتاج تجارب هي نفسها التي أدت بنا إلى ما نحن فيه، ويحاولون ايهامنا بأنها ستأتي بنتائج مختلفة، أتمنى أن يدرك الفريق السيسي خطورة ما يزينه له البعض ويظل ثابتاً على موقفه التاريخي، يحمي البلاد ولا يحكمنا كما سبق أن وعد، خاصة في ظل المتربصين بالبلاد داخلياً وخارجياً، وأن يدرك الجميع ان ناصر لن يتكرر وأن زمن الزعيم الملهم قد ولى الى غير رجعة’.

صورة الامن المصري متلبسا
بالقمع تصدر للعالم

وإلى ردود الأفعال المتباينة على قانون تنظيم التظاهر، وقول صديقنا الاستاذ بجامعة أسيوط والنائب الاول لمرشد الإخوان السابق، الدكتور محمد حبيب، يوم الأحد في جريدة ‘المصري اليوم’:
‘من المؤكد أن التظاهرات شبه اليومية التي قام بها الإخوان وأنصارهم في الأيام الفائتة في الشارع والجامعات، وما ارتبط بها من تجاوزات خطيرة كانت السبب المباشر وراء إصدار هذا القانون، على الرغم من امكانية مواجهة هذا الأمر من خلال قانون العقوبات والتعديلات التي ادخلت عليه عام 1992، والأعداد التي شاركت في تظاهرة الثلاثاء 26 نوفمبر أمام مجلس الشورى كانت محدودة ومتواضعة لا تتعدى بضع مئات، وكان المشاركون فيها من السادس من ابريل والاشتراكيين الثوريين، ولم يشارك الإخوان أو أنصارهم، وهؤلاء جميعاً موقفهم واضح من ثورة الثلاثين من يونيو، كان من الممكن أن تمر التظاهرة من دون ان يشعر بها أحد، لكن للأسف تعامل الأمن معها بشيء من القسوة والعنف، بشكل أعاد إلى الأذهان ما كان يحدث أيام مبارك، ويبدو أن المتظاهرين أرادوا نصب فخ للأمن، ومن الواضح انهم نجحوا في ذلك، استهدفوا تصويره متلبساً وهو يمارس قمعاً ضد متظاهرين سلميين وتصدير هذه الصورة للعالم الذي تلقفها بلهفة وشوق وانتظار. يبدو أيضا ان الأمن من جهته أراد أن يبعث برسالة ردع لمن خلفهم، والمتظاهرون يتعاملون مع الداخلية على انها رأس الحربة في عودة الفلول لحكم مصر ثانية، تجربتهم معها في تلك الفترة وفي عهدي طنطاوي ومرسي لا تنسى، بالطبع استقبل الإخوان وأنصارهم هذا الحدث بالرضا والقبول فهؤلاء المتظاهرون هم طلائع ثورة قادمة سوف تطيح بحكم العسكر وتعيد إليهم سلطتهم الضائعة وحلمهم المفقود، وأتساءل، هل هذه الحكومة مناسبة لحكم مصر في هذه المرحلة الانتقالية الصعبة؟ هل هناك من يفكر لها بشكل جاد وعميق، أشك في ذلك كثيرا، ‘وأضم صوتي لمن طالب المستشار عدلي منصور باستخدام صلاحياته في العفو عن فتيات الإسكندرية، نريد موقفاً يليق بمصر، مكانة وحضارة ومنزلة وتاريخا’.

عشوائية التظاهر يجب الا تستمر

ومن ‘المصري اليوم’ إلى الشروق في نفس اليوم لنكون مع زميلنا وصديقنا عماد الدين حسين رئيس التحرير التنفيذي وقوله:
‘لا يمكن لأي شخص أن يعارض تنظيم الدولة والحكومة لحق التظاهر، ولا يمكن أن تستمر عشوائية التظاهر الى ما لا نهاية وفي وقت ما، كنا سنصل الى وجود تنظيم لهذا الحق، إذن أين المشكلة؟ هي تتمثل في أن وزارة الداخلية أصرت على وجود مواد ظلت محل نزاع، أهمها حق وزير الداخلية في إلغاء المظاهرة، واشتراط ان يكون الإخطار قبل ثلاثة أيام على الأقل، لنفترض أن مواد القانون زي الفل، لكن هل حسبت الحكومة ووزارة الداخلية وأجهزتها رد الفعل الذي حدث، وهل فكرت في امكانية ان يؤدي القانون الى إعطاء جرعة أوكسجين إلى جماعة الإخوان عبر ضم أنصار جدد إليها تضرروا من القانون’.

صاحب ثورة يناير ومن قام بها
وأشعلها هو الشعب المصري

أما زميله ورئيس التحرير السابق عمرو خفاجي فانه ركز هجومه على من يسمون أنفسهم القوى الثورية قائلاً عنهم:
‘من الأمور التي يصعب فهمها أو تمريرها أو حتى تبريرها الإصرار على احتكار الثورة من جانب بعض القوى السياسية والتحدث بلسانها طوال الوقت وكأنهم الثورة ولا أحد غيرهم، ويقدمون أنفسهم دوما على انهم كذلك حتى البعض منهم الذي كان في مقدمة المشهد الإعلامي لثورة يناير يفعلون ذلك، على الرغم من انهم يدركون جيداً ماذا حدث وكيف حدث، وهو لا يفرق في الكثير عن الذين يعتقدون ان إلقاء الحجارة على مهاجمي ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، أو صد هجماتهم، انهم الثورة او من المشاركين في صنعها، فكل ذلك قفز على الحقيقة وانتهاك صريح لها، لأن صاحب ثورة يناير ومن قام بها وأشعلها هو الشعب المصري في كافة ميادين التحرير في أربع أنحاء البلاد، وعندما تحرك الجيش وقرر حماية الثورة بالتأكيد لم يفعل ذلك إلا من أجل شعب لا من أجل تيار أو حزب أو فريق، وعندما تتحدث القوى السياسية الآن عن الثورة وتستبعد الشعب من المعادلة أو لا تلتفت لمطالبه، فهذه القوى ليست بعيدة فقط عن الثورة، لكنها تكون قد خرجت من تاريخها بالفعل’.

الناس تفرق بين العبيد
والخدم والأحرار ذوي الهمم

ونعود الى جريدة ‘المصري اليوم’ ومع الزميل مصطفي النجار ومقاله ‘لن تمروا’ الذي يتحدث فيه عن اصناف الناس بين من يطلب الحرية ومن يعيش العبودية التي اقتنع انها قدره:’ … الناس أصناف ثلاثة، الأول يأبى العبودية إلا لخالقه ولا يرضى بغير الحرية والكرامة الكاملة، والثاني يتحرر حيناً من عبودية البشر ويسقط حيناً راكعاً مع الراكعين، أما الصنف الثالث فهو المتلذذ بعبودية الناس دون رب الناس، وإذا لم يجد صنما يعبده صنع لنفسه صنماً لترتاح نفسه، لا تعنيه أحاسيس الكرامة، فهو لا يعرفها ويعشق ضربات السوط ويشجيه صوتها، لأنه يعتقد أن الحياة لابد أن تكون هكذا، مسكين ضل السبيل، ولكن الأيام تثبت أن العبيد ينفرون من الحرية ويشتاقون للذل والهوان، حتى إن عبداً أعتقه سيده وأطلق سراحه فوجده عائداً إليه في المساء قائلا: اشتقت إلى سوطك!
تقلب في صفحات التاريخ فترى أمماً نقضت غزلها أنكاثاً حين تمكن عُباد البشر من هذه الأمم وأقنعوها أن حصولها على الأمان تلزمه العبودية ونبذ الحرية، فلا هي نالت أمنها ولا حصلت على حريتها.
خُدام الأصنام البشرية يوجعهم أن يروا مقاتلين يكسرون أصنامهم أمام عيونهم فيتقربوا إلى أسيادهم وآلهتهم بالتربص بهؤلاء والنيل منهم، ولكنهم لا يدرون أن ما يفعلونه يكشف عوراتهم، لأن الناس تدرك حينها الفارق بين العبيد والخدم وبين الأحرار ذوي الهمم.
يرتدى هؤلاء الأوغاد ثوباً زائفاً للحكمة والتعقل ويبشرون البسطاء بذهب تمطره السماء وعز يحميه الإباء، ولكنهم يعودون من حيث أتوا يجرون أذيال الشقاء ويشربون كأس الذل مترعاً بالعناء، يسألهم الناس ألم تقولوا لنا نتبعكم لماذا تفرون الآن؟ فلا يسمعون صوتاً لأن الجحور أغلقت أبوابها على هؤلاء.
يغني الأحرار مع مشرق كل صباح يخاطبون الخدام والعبيد: لن تمروا، وتردد معهم جنبات الأرض أهازيج العزة وتجدد العهد للضمير. وكان المغنّي يغنّي، أو يستجوبونه: لماذا تغنّي؟ يردّ عليهم: لأنّى أغنّي.. وقد فتّشوا صدره فلم يجدوا غير قلبه.. وقد فتّشوا قلبه فلم يجدوا غير شعبه وقد فتّشوا صوته فلم يجدوا غير حزنه.. وقد فتّشوا حزنه فلم يجدوا غير سجنه.. وقد فتّشوا سجنه فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود.. أيّها العابرون على جسدي… لن تمرّوا
أنا الأرضُ في جسدٍ… لن تمرّوا
أنا الأرض في صحوها… لن تمرّوا
أنا الأرض.. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
لن تمرّوا’.

الهدف ممارسة السياسة
بشكل متحضر

اما زميلته مروى مزيد فتكتب لنا رأيها في مقال بعنوان ‘وكأن في مصر: إما الدولة او السياسة’:’ نظريات علاقات الدولة بالمجتمع تعطينا نماذج للمجتمعات السياسية. قد تكون قديمة أو جامدة، لكنها مفيدة كمرجعية تفيد في التصنيف ولو أوليا. استرجع كتاب من سنة 1988 عنوانه ‘الدولة، الديمقراطية، والمؤسسة العسكرية: تركيا في الثمانينيات’.
يتحدث محرره متين هيبر عن علاقة الدولة بالسياسة، وكأن، أحيانا، درجة ‘دولنة’ الدولة تتعارض مع درجة ‘الممارسة السياسية’ لسياسييها ولمجتمعها المدني، بل تصبح درجة ‘استقلال’ نخبة الدولة عن النخبة السياسية سمة أساسية للدولة.
ماذا نعني بـ’نخبة الدولة’؟ هي نخبة البيروقراطية، القضاء، الجيش، وليست النخبة السياسية المنتخبة. فالنخبة السياسية الجيدة تستطيع أن تتصارع على المصالح، لكنها قادرة في الوقت ذاته على أن تصل لحلول وسط من دون حرق الجميع للجميع ولكل شيء. فالسياسة، تعريفا، هي القدرة على ‘تأقلم وتصالح’ قناعات ومصالح متعددة ومتضادة، وبالتالي مطلوب ومتوقع من السياسيين أن يسايسوا.
وبالتالي فإن ممارسة السياسيين للسياسة يجب أن تعكس واقعين: واقع ‘الاختلاف’ والمنافسة والصراع، وأيضا واقع ‘التصالح’ وإيجاد الحلول الوسط وحل النزاعات السياسية. ويجب ألا يُلاموا على تصالحهم وكأنهم مفرطون متلونون! وإلا سيبدون ‘عيال’! ‘دا خد اللعبة بتاعتي. ودا شد شعري’، فتأتي عليهم نخبة الدولة ومعها المجتمع، اللذان فاض بهما الكيل من ‘الدوشة’، فيقولان معا: بس خلاص مفيش لعب!
‘مفيش لعب’ هي إعلان موت السياسة، وكأن هناك معادلة صفرية ما بين مجال ‘الدولة’ ومجال ‘السياسة’.
في الفترة الماضية ما بعد 3 يوليو، تحدث العالم عن ‘الديمقراطية الإجرائية’ وأهميتها، وهي الديمقراطية المتبعة في الدول الأنكلو- أمريكية. في هذه البلدان الدولة تُعد ‘ضعيفة’ ما بين قوسين، بمعنى أن الممارسة السياسية فيها قوية.
النموذج الثاني جاء في الدول المسيحية اللاتينية في صراع مرير بين الملوك، والطرق الدينية المختلفة. وبالتالي تحول الصراع من ‘السياسة’- بمعنى المصالح التي نتساوم ونحل أمورنا بخصوصها بشيء من التحضر والتحفظ – إلى الصراع على ‘القواعد’ نفسها.
أما أسوأ النماذج، وأخشى ما أخشاه أننا نقترب منه، فهو نموذج الدول التي لا تستطيع حل صراعاتها بشيء من التجانس، ولا لديها تاريخ التجمعات، والمنظمات المجتمعية التي تضغط أيضا بشكل قادر على الوصول لحلول وسط، وبالتالي تصنف على أنها مجتمعات ‘يتملكها الصراع بلا أمل’.
الأسوأ من هذا أنه حينما تريد تلك المجتمعات ممارسة السياسة، وممارسة ‘الديمقراطية’، تجدها أحيانا ‘إجرائية متطرفة’ أكثر من الإجرائيين.
هذا كان حال تركيا في السبعينيات، حيث إن الصراع السياسى بين اليمين واليسار في حينها وصل إلى مداه، حتى إن القتل في الشوارع فاض الكيل منه، ما جعل ‘نخبة الدولة’، متمثلة في الجيش، تتدخل في السياسة لتنقذ ‘الدولة’ نفسها من الانهيار على أيدى السياسيين. الخطر أن إنقاذ ‘الدولة’ من ‘السياسة’ لا هو الهدف الأعظم ولا المراد الأكبر. هو خطوة فقط. إنما ممارسة السياسة بشكل متحضر هي الهدف، فهل نستوعب ذلك في مصر؟’.

الفائزون والخاسرون في الدستور

وعودة الى الدستور يتحدث لنا الكاتب فهمي هويدي في عدد امس من جريدة ‘الشروق’ عن الفائزين والخاسرين في الدستور يقول:’ لم يتح للمصريين أن يتابعوا مناقشات لجنة الدستور التي تمت في غرف مغلقة إمعانا في ‘الشفافية’، إلا أن المصادفة وحدها كشفت عن جوانب دالة لبعض ما جرى وراء أبواب تلك الغرف. وشاءت المقادير أن يتعلق الكشف بالمادة المتعلقة باشتراط موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع، وهو النص الذي ابتدعته لجنة الخبراء العشرة التي شكلها رئيس الجمهورية للنظر في التعديلات المقترحة على دستور 2012 المعطل، ولم يكن هناك تفسير للزج بذلك النص سوى أنه جاء عاكسا لموازين اللحظة التاريخية التي شكلت في ظلها اللجنة، إذ طالما أن وزير الدفاع هو الذي استدعى رئيس المحكمة الدستورية ونصَّبه رئيسا للجمهورية فربما بدا أنه من غير المستساغ أن ينص الدستور الصادر في الظروف ذاتها على أن يكون رئيس الجمهورية هو من يعين وزير الدفاع، شأنه في ذلك شأن بقية الوزراء. وكنت أحد الذين تمنوا على العناصر ‘الليبرالية’ في اللجنة أن يقوموا بتصويب ذلك الوضع الشاذ لكي يتفق مع ما هو معمول به في الدول الديمقراطية. والذين أحسنوا الظن تصوروا أن أولئك الليبراليين سيكملون جميلهم وسيقومون بإلغاء النص الذي يجيز محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية (المتداول أن 12 ألف شاب مصري حوكموا أمام تلك المحاكم في ظل وجود المجلس العسكري)، كما أنهم سيعالجون أمر الوضع الخاص بميزانية القوات المسلحة، التي تحجب تفاصيلها عن مجلس الشعب. إلا أن تلك الآمال تراجعت بمضي الوقت إلى الحد الذي انتهي بإقرار وتمرير كل ما تمنينا تعديله. ولم يقف الأمر عند ذلك الحد، لأننا فوجئنا بما هو أشد وأنكى. ذلك أن المحررين البرلمانيين فوجئوا قبل جلسة التصويت النهائي بأن نص اشتراط موافقة مجلس القوات المسلحة على تعيين وزير الدفاع أضيفت إليه كلمة واحدة بحيث اشترط موافقة المجلس المذكور الذي يرأسه وزير الدفاع ليس على تعيينه فقط وإنما على عزله أيضا. وهو ما يعني رفع يد الدولة المصرية تماما عن الموضوع، وإعلان القوات المسلحة مؤسسة شقيقة مستقلة لا سلطان للدولة المصرية عليها…..’.

اتقوا غضبة الطلاب

اما الكاتب في جريدة ‘الشروق’ ايضا بلال فضل فيتحدث لنا عن احباب الثورة قائلا:’ تلقيت هذه الرسالة الحزينة من عدد من طلاب كلية الطب بجامعة الأزهر، لن أذكر اسماءهم ولا الفرقة الدراسية التي يدرسون بها، لكي لا تتم معاقبتهم، في زمن أصبح العقاب الجماعي فيه رياضتنا الوطنية المفضلة. تقول الرسالة: ‘خرج طلاب بجامعة الأزهر ينادون بالحرية ويهتفون ضد قمع الأجهزة الأمنية الذي طال الحرم الجامعي، يصرخون من الظلم الذي طال زملاءهم في المحاكمات الهزلية، يرفضون قرار حل الأنشطة الطلابية، فكانت النتيجة اقتحام المدينة الجامعية لطلاب طب الأزهر وسقوط شهيد من الطلاب لأول مرة داخل الحرم الجامعي واعتقال العشرات وإصابة الكثير من الطلاب بالخرطوش واختناقات الغاز، واتهام الطلاب بالإرهاب لأنهم رفضوا الخنوع للظلم.
فقدت كلية طب الأزهر بنين القاهرة في تلك الأحداث الشهيد عبدالغني محمد حمودة، وتم اعتقال كل من عبدالرحمن محمد اليماني وشاكر حامد شاكر وخالد فتحي عاشور لينضموا إلى زميلهم عمرو جمال المعتقل في أحداث سابقة. فماذا فعل عبدالغني حتى تطلق عليه أعيرة الخرطوش وهو مصاب باختناق الغاز وممدد على الأرض؟ ماذا فعل كي يتم منع سيارة الإسعاف من نقله إلى المستشفى حتى تفيض روحه إلى بارئها؟ ماذا فعل زملاؤنا المعتقلون حتى تُسلب حريتهم ويُحرموا من اختبارات السنة النهائية في كلية الطب؟ أين هي مكتسبات الثورة التي دفعنا ثمنها دماء شبابنا
الذين أخطأوا حين ظنوا أنهم سينهون أخيرا معاناتهم الدراسية ويتخرجون لتكتمل فرحة أهلهم بهم؛ الفرحة التي انتظروها طويلا، الفرحة التي انقلبت فجأة إلى مأتم في قرية ديبي مسقط رأس الشهيد عبدالغني الذي بدلا من أن يستقبله والده في ثياب تخرجه استقبله في كفن وفاته.
اليأس خيانة، هكذا تعلمنا وهكذا تعودنا أن نصبر أنفسنا، ولكن السؤال يفرض نفسه علينا الآن: كيف نتحدث عن الأمل عندما يصل القتل والاعتقال والتنكيل إلى وسط حرم المدينة الجامعية وعندما تصل طلقات الخرطوش وقنابل الغاز إلى داخل الغرف، أليس ذلك إعلانا لوفاة كرامة الطالب الأزهري، وهل يلومنا أحد لو أعلنا عن فقدنا لاي شعور بالأمل أو الرغبة في التخرج ورفض إكمال الدراسة وأداء الامتحانات من دون أن تخيفنا اي تهديدات، لأنه لا يوجد بعد القتل تهديد’.
لا أظن عزيزى القارئ أنك بعد أن قرأت هذه الرسالة الغاضبة بحاجة إلى تذكيرك بأنك لم تسمع بالتأكيد عن هذه الوقائع المؤسفة في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والمشمومة، التي كانت حتى مطلع شهر يوليو تحتفي بالتظاهر الطلابي وتشجع التمرد وتحض على الاعتصامات الطلابية وتغض الطرف عن اي تصرف منفعل منفلت يقوم به الطلاب، وتلعن سنسفيل كل من يمد يده أو سلاحه على طالب متظاهر بغض النظر عن التفاصيل، لكنها الآن وبقدرة قادر أصبحت تلعن التظاهر وتجرم التمرد وتخون الاعتصامات الطلابية ولا ترى إلا ما يقوم به الطلاب من انفلات بينما لا ترى على الإطلاق كل من يمدون أيديهم وأسلحتهم لقتل وقمع الطلاب المتظاهرين.
مظاهرات الطلاب الآن ملعونة لأنها لم تعد على هوى ‘صاخب المخل’ الذي يمنح ويمنع ويخفض ويرفع ويقبض ويبسط، فأعداؤه بالأمس صاروا حلفاءه اليوم، وحتى من لم يصبحوا حلفاء بعقد دائم ولا زالوا ينتظرون فرصتهم في التثبيت، لن تجد أغلبهم يلقى بالا إلى معاناة أمثال طلبة الأزهر، فهم محسوبون على ‘الأغيار’ من أنصار جماعة الإخوان الذين بصمت غالبية نخبتنا المدنية على حكم سلطة اللواءات بأنهم ليسوا مواطنين لديهم حقوق يجب أن تصان وتحترم، ولذلك يجب الصمت على كل الانتهاكات التي يتعرضون لها لكي نستطيع كتابة دستور ليبرالي عظيم يصون الحريات والحقوق، ولم يعد من الملائم أن نذكر بخطورة العقاب الجماعي بحق هؤلاء، حتى لو كان صمتنا عليه وتهاوننا معه سيؤدي في النهاية إلى توسع دائرة الأفعال الإرهابية الإجرامية التي ترى في كل ضابط شرطة أو جيش هدفا يجب التخلص منه…..
سأواصل أسئلتي لكل رموز السلطة الحاكمة: هل تتوقعون أن اي طالب مصري بعد أن تمرد على حاكم كذاب كان يريد أن يسرق حريته باسم الحفاظ على ثورة يناير سيصفق لسرقة حريته باسم الحفاظ على ثورة يونيو؟ وهل تظنون أن طلبة مصر بالغباء الذي يجعلهم يتقبلون رفضكم لتمردهم بعد أن كنتم تباركونه حين كان يصب في مصلحتكم؟ هل تظنون أنكم يمكن أن تتقدموا بالبلاد نحو المستقبل وأنت تضربون المستقبل بالرصاص والخرطوش وقنابل الغاز وكذب برامج التوك شو؟ هل تعرفون في التاريخ كله حاكما قمع الطلاب وتحداهم ثم أفلح؟ …
اتقوا غضبة الطلاب، فدولتكم البائسة بكل جبروتها المرتبك، قد تستطيع إطالة عمر الحاضر المزري الذي صنعته، لكنها لن تستطيع تأخير قدوم المستقبل إلى الأبد’.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول السيسي هو عبد الناصر الحديث:

    لم يكن في الماضي إعلام ليفضح إفتراء عبدالناصر على فئات الشعب المصري و حتى على رفاقة من الضباط الأحرار و كيف غدر بالإخوان الذين كانو جزاء من الإنقلاب على الديكتاتور فاروق. حتى تأميم السويس كانت بأمر أمريصهيوني و الدليل هو فشل تأميم النفط الأيراني في ذلك الحين و منه جاءت الأوامر العليا لعبد الناصر بتأميم السويس ليرتفع سعر النفط و من هو المستقيد الوحيد؟؟؟ و العدوان الثلاثي لعبه لإعطاء عبدالناصر شهره كذابة بعد جرائمه بحق الشعب المصري…. حال مصر الآن هي مخلفات الفكر الناصري التي أساسها الكره و التضليل و القتل و الظلم. نعم السيسي هو عبد الناصر

  2. يقول عمر من فلسطين:

    صباح الخير

إشترك في قائمتنا البريدية