القاهرة ـ «القدس العربي»: أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد، خلال لقاء، وزير خارجية الصين وانج يي، موقف مصر الثابت بالحفاظ على أمنها المائي المتمثل في حقوقها التاريخية في مياه النيل، وذلك بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم لملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي يحقق مصالح الجميع بشكل عادل، فيما أبدى الوزير الصيني، تفهم بلاده التام للأهمية القصوى لنهر النيل لمصر، ومن ثم مواصلة الصين اهتمامها بالتوصل لحل لتلك القضية على نحو يلبي مصلحة جميع الاطراف. واستقبل السيسي في القاهرة وزير خارجية الصين بحضور سامح شكري وزير الخارجية، حسبما أفاد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية بسام راضي.
وقال المتحدث، في بيان نشره عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» إن السيسي «رحب بالمسؤول الصيني في مصر، طالباً منه نقل تحياته إلى رئيس جمهورية الصين الشعبية «شي جين بينج». وأكد السيسي «حرص مصر على الارتقاء بمستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي تجمع بين البلدين، خاصةً وأن العام الحالي يتزامن مع مرور 65 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية المصرية الصينية، والتي شهدت مساراً ممتداً من التعاون والتنسيق بين البلدين في شتى المجالات وكذلك الاستفادة من التجربة الصينية التي تعد قصة نجاح يسعى العالم إلى دراستها بهدف الدفع بالتنمية الشاملة لرخاء ورفاهية الشعوب».
تطوير العلاقات
ونقل وزير الخارجية الصيني إلى «الرئيس المصري رسالة شفهية من الرئيس شي جين بينج، تضمنت تأكيد حرص الصين على استمرار تطوير علاقاتها الاستراتيجية مع مصر، مشيراً إلى ما تكنه بلاده من احترام وتقدير لمصر في ظل دورها المحوري كركيزة أساسية لاستقرار منطقة الشرق الأوسط، وثبات دعم الصين لمصر في جهود التنمية الشاملة ومكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».
وأوضح «قبول انضمام مصر كشريك حوار في منظمة شنغهاي للتعاون التي تتناول التنسيق والتعاون في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف، والطاقة والعلوم».
وذكر المتحدث أن «اللقاء شهد استعراضاً لآفاق تعزيز أوجه التعاون الثنائي بين البلدين، حيث تمت الإشادة في هذا الإطار بالتنسيق الذي تم على أعلى المستويات منذ اندلاع أزمة وباء كورونا، وصولاً إلى التوقيع على اتفاقية التصنيع المشترك للقاح (سينوفاك) في مصر، بما يدعم الاستراتيجية الوطنية لتوطين صناعة الأدوية واللقاحات في مصر، مع الإعراب عن التطلع إلى استمرار التعاون المثمر بين البلدين في جميع المستويات سعياً لتعزيز الجهود الدولية في مواجهة تداعيات الوباء».
كما أكد الرئيس المصري «الحرص على الاستفادة من الخبرات الصينية المتميزة في دعم البرامج والأنشطة التنموية والمشاريع القومية بالدولة خاصة في ضوء البنية التحتية الحديثة التي باتت تتمتع بها مصر والتي تتكامل مع المبادرة الصينية الحزام والطريق» وكذلك الدور الهام الذي تقوم به «المنطقة الصينية المصرية للتعاون الاقتصادي والتجاري» في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باعتبارها نموذجاً ناجحاً للتعاون الاستثماري بين البلدين.
مزيد من الدعم
وقبل لقاء السيسي استقبل وزير الخارجية سامح شكري نظيره الصيني في مدينة العلمين، شمال غرب مصر. وأكدت الخارجية المصرية أن المباحثات بين الوزيرين «تهدف إلى بحث تعزيز التعاون بين الجانبين في عدة مجالات وتتناول عددا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك». وتطرق خلال استقباله نظيره الصيني، إلى ملف سد النهضة، مشددا على أن القاهرة تعول على مزيد من الدعم من قبل بكين لموقف مصر والسودان في مفاوضاتهما مع إثيوبيا بهذا الشأن. وأشار وزير خارجية مصر إلى أن سد النهضة يمثل «قضية وجودية» بالنسبة لبلده، مضيفا أن المفاوضات الثلاثية بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا حول هذا المشروع «تتطلب توافر نية صادقة لدى إثيوبيا».
حق الإنسان في الماء
في الموازاة، أكدت لجنة حقوق الإنسان العربية التابعة لجماعة الدول العربية في بيان، أنَّ حق الإنسان في الماء هو حق مقترن بالحقوق الأخرى المجسّدة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وأهمها الحق في الحياة والكرامة الإنسانية، وهو شرط مسبق لإعمال حقوق الإنسان الأخرى، وضرورة لا يمكن الاستغناء عنه للعيش عيشة كريمة.
لجنة حقوق الإنسان العربية: ما تفعله إثيوبيا مساس بكل الحقوق والحريات التي كفلتها المواثيق الدولية
وأشارت إلى أنَّه، بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان، يقتضي الالتزام باحترام الحق في الماء وإعماله، وأن تمتنع الدول عن التدخل ـ بصورة مباشرة أو غير مباشرة ـ عن المشاركة في أي ممارسة أو نشاط يحرم من الوصول على قدم المساواة إلى الماء الكافي أو يحدُّ من ذلك، أو التدخل التعسفي في الترتيبات العرفية أو التقليدية لتخصيص المياه، أو القيام بصورة غير مشروعة بإنقاص أو تلويث الماء، أو أن لا تحترم التمتع بهذا الحق في دول أخرى، ولذلك تقرُّ الدول بالدور الأساسي للتعاون والمساعدة الدوليتين وباتخاذ إجراءات مشتركة لبلوغ الإعمال الكامل للحق في الماء، كما ينبغي ألا تؤدّي أيَّ أنشطة، تتخذ ضمن الولاية القانونية للدولة، إلى حرمان دولة أخرى من القدرة على إعمال الحق في الماء للأشخاص الخاضعين لولايتها.
وتابع: من هذا المنظور الدولي والإقليمي لحقوق الإنسان، تابعت لجنة حقوق الإنسان العربية (لجنة الميثاق) ما تقوم به إثيوبيا بشأن بناء وتعبئة سد النهضة من مياه نهر النيل دون التوصل إلى اتفاق قانوني ناظم لقواعد الملء والتشغيل مع كل من مصر والسودان، ما من شأنه المساس بكل الحقوق والحريات التي كفلتها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الحق في الحياة لملايين البشر الذين يعيشون على مياه نهر النيل.
انتهاك الحقوق
وزاد البيان: الإجراءات الإثيوبية الفردية والقسرية تنتهك الحقوق المائية التاريخية والمستقرة للشعبين المصري والسوداني، وتؤدّي إلى تشكيل ظروف بيئيَّة خلَّاقة لتهديد الحق في السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى الآثار المتعلقة بالتهجير القسري المحتمل جراء الجفاف الذي سيلحق بمساحات واسعة من الأراضي ما يمس بشكل مباشر حق السكان الأصليين في عدم مغادرة أراضيهم الذين نشأوا عليها أو في طمس هويتهم أو إرثهم الثقافي، كما أن أثيوبيا تخالف بذلك الاتفاقية رقم169 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة والتي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية عام 1989 ومجموعة الحقوق الواردة في إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية عام 2007 وهي الحقوق التي كفلها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما تعتبر المواد 7، 8 من نظام روما الأساسي جريمة التهجير القسري، جريمة حرب.
التزامات قانونية
وتابع البيان: أن لجنة حقوق الإنسان العربية بصفتها الآلية العربية الإقليمية التعاقدية لحقوق الإنسان، وانطلاقاً من تعاونها مع الآليات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، والتزاماً بمبدأ عالمية حقوق الإنسان وتكاملها وترابطها وغير قابليتها للتجزئة، واقراراً بالارتباط الوثيق بين حقوق الإنسان والسلم والأمن العالميين وفقاً لنصوص الميثاق العربي لحقوق الإنسان، تذكَّر بالالتزامات القانونية التي يقع على عاتق كل من أثيوبيا ومصر والسودان الوفاء بها، ويأتي في مقدمة تلك الالتزامات الوفاء بأحكام الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب، والذي تعتبر الدول الثلاثة أطرافاً فيه.
ولفت إلى نص الميثاق الافريقي على حق الشعوب الافريقية في العيش بسلام وآمان، وعلى أنَّ ليس هناك ما يبرر سيطرة شعب على شعب آخر. كما أكَّد على أنَّ مبادئ التضامن والعلاقات الودية هي التي تحكم العلاقات بين الدول الافريقية، وحثَّها على التعاون على أساس الاحترام المتبادل والتبادل المنصف ومبادئ القانون الدولي لما فيه مصلحة الشعوب الإفريقية، وبخاصة إعمال الحق في التنمية دون المساس بحقوق الشعوب الأخرى. كما شدد الميثاق الافريقي على تعهد الدول الافريقية بصفة فردية أو جماعية بأنَّ تكون ممارسة حق التصرف في ثرواتها ومواردها الطبيعية هادفة إلى تقوية الوحدة الافريقية والتضامن الافريقي..
ورحبت لجنة حقوق الإنسان العربية، بتصريحات وزيرة خارجية السودان مريم الصادق المهدي، بشأن إحالة القضية إلى المجلس الدولي لحقوق الإنسان؛ وذلك بالنظر إلى تداعياتها الجسيمة على حقوق الإنسان الفردية والجماعية للشعبين المصري والسوداني. كما تدعو اللجنة جميع آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية الى التحرك العاجل للتصدي للإجراءات الإثيوبية الأحادية التي تشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها اللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والتي يقع على عاتقها زمام المبادرة في حماية حقوق الإنسان في القارة الافريقية ومراقبة مدى امتثال الدول لأحكام الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب.
وشددت اللجنة على أنَّ نهج حقوق الإنسان في التعامل مع قضية سد النهضة وتداعياتها المختلفة، يفرض على إثيوبيا أن تبرر عدم امتثالها للالتزامات الأساسية المنصوص عليها في المنظومة الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان، وهي التزامات لا يمكن الخروج عنها. ووفقاً للقانون الدولي، فإن عدم التصرف بحسن نية لاتخاذ تدابير الوفاء بالالتزامات يعتبر بمثابة انتهاك لحق الإنسان في الماء.
وثائق بريطانية
إلى ذلك، كشفت وثائق بريطانية، عن أن إثيوبيا حاولت قبل ستة عقود البحث عن تحالفات في خضم خلافاتها مع مصر بشأن مياه النيل. وحسب الوثائق، التي نشرتها «بي بي سي» فإن أديس أبابا، سعت في عهد الإمبراطور هيلا سيلاسي، إلى «تشكيل جبهة تضم دول المنبع في مواجهة دولتي المصب، مصر والسودان». وتقول الوثائق إن إثيوبيا حاولت إقناع بريطانيا بالانضمام إلى الجبهة المأمولة، غير أن لندن رفضت المسعى حرصا على العلاقات مع مصر» وخشية الإضرار بمساعي التوصل إلى أرضية مشتركة في التعامل مع النيل».
وحسب الوثائق: في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1961، عرض مستشار الحكومة الإمبراطورية الإثيوبية لشؤون المياه، على السفارة البريطانية في أديس أبابا الاقتراح.
وتقول الوثائق إن السفارة تعاملت بجدية مع عرض المستشار، اليوناني الجنسية الذي كانت بريطانيا تعتبره الشخص الوحيد في الحكومة الإثيوبية الذي لديه دراية تفصيلية بقضية مياه النيل.
وفي تقرير إلى الخارجية في لندن، قالت السفارة إن المستشار أبلغها بأنه أعد بالفعل ورقة لمجلس الوزراء والامبراطور توصي «بضرورة أن تتعاون الحكومة الإثيوبية مع الحكومة البريطانية ودول منابع النيل عموما لصياغة سياسة مشتركة.
في هذه الفترة كانت هناك مباحثات تُجرى في الخرطوم، برعاية بريطانية، بين دول شرق افريقيا ومصر والسودان بشأن أمور فنية متعلقة بمياه النيل. وفي هذه المباحثات كانت بريطانيا، باعتبارها قوة مستعمرة، تتحدث باسم دول شرق افريقيا الثلاث كينيا وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا الآن) وتسعى للتوصل إلى اتفاق بين هذه الدول من ناحية والسودان من ناحية أخرى بشأن مياه النيل الأبيض.
ورأت لندن في الاقتراح الإثيوبي، محاولة لإبرام اتفاقات فيما بين دول المنبع بشأن مياه النيل بعيدا عن دولتي المصب.
وصدرت تعليمات إلى السفارة البريطانية في أديس أبابا، بأن تبلغ المستشار الإمبراطوري بأنه «من المستبعد بدرجة كبيرة أن ترغب حكومة جلالة الملكة، في هذه المرحلة من التاريخ، في التوصل إلى اتفاقات سياسية نيابة عن أراضي شرق أفريقيا» التي كانت تحت الاستعمار البريطاني.
ووفق تقرير شامل للخارجية البريطانية عن مشكلة مياه النيل، فإن المستشار رد قائلا إنه يقدر تماما هذا الرؤية. غير أنه قال إنه «في ضوء الاتفاق المصري السوداني (في عام 1959) لتبني سياسة مشتركة بشأن مياه النيل، فإنه يبدو ضروريا أن تتعاون دول المنبع بالطريقة نفسها».
ففي عام 1959 اتفقت مصر والسودان على تقسيم المياه التي تصل إلى البلدين عبر النيل الأزرق، مصدر حوالي 80 في المئة من مياه النيل، وتبلغ 84 مليار متر مكعب.
وحسب الاتفاق، الذي أيدته بريطانيا لكنها لم تكن طرفا فيه، تكون حصة مصر 55.5 مليار متر مكعب سنويا، ويكون نصيب السودان هو 18.5 مليار متر مكعب، أما الـ 10 مليارات الباقية فتضيع في البحر.
أثيوبيا الجديدة لن تلتزم.ولن تتنازل على سيادتها كاملة على النيل…النيل منبعه أثيوبيا وليس القاهرة..ولا مرسى مطروح..ولا العاصمة الادارية السيسوية….