* مسؤوليات تجاه المجتمع
ورغم أن هذا البرنامج يبدو قطرة في المحيط، إذ أنه يهدف فقط لتدريب 100 ألف شاب على مهارات يحتاجها القطاع الصناعي، فهي تظهر إستعداد الجيش لدعم الحكومة وتُطَوّر دوره في تشكيل السياسات الداخلية.
ويجري تدريب المستفيدين من الشبان والشابات ضمن برنامج التدريب في مُجَمَع يخضع لحراسة مشددة تديره وزارة الإنتاج الحربي على مشارف القاهرة. ويرتدي المتدربون معاطف زرقاء. ويشمل البرنامج التدريب على الأعمال الميكانيكية وتشغيل الآلات الصناعية أو تصنيع لوحات الدوائر الإلكترونية.
ووصف اللواء ابراهيم يونس، وزير الدولة للإنتاج الحربي، في جولة مع الصحافيين، المشروع بانه يمثل جزءا من ‘مسؤوليات الوزارة تجاه المجتمع’.
والوزارة مسؤولة عن قطاع من الإقتصاد يخضع لسيطرة القوات المسلحة ويصفه منتقدوه بأنه دولة داخل الدولة. ويقدر بعض المحللين أن هذه الإمبراطورية المالية قد تصل إلى 40 في المئة من الإقتصاد. لكن السيسي قال في مقابلة الاُسبوع الماضي أن حجمها لا يزيد على اثنين في المئة.
ومنذ أطاح السيسي بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو/تموز الماضي، في أعقاب احتجاجات شعبية واسعة على حكمه، أصبح الدور الإقتصادي للجيش أكثر وضوحا.
فقد أصبحت القوات المسلحة على سبيل المثال قناة لتوجيه بعض من مليارات الدولارات التي تدفقت على مصر كمساعدات من دول خليجية.
وقال الشربيني ان وزارة الإنتاج الحربي لم توافق من قبل قط على فتح منشآتها لبرنامج تدريب يديره القطاع المدني.
لكن الوزارة لا تقدم هذه الخدمة مجانا، إذ تتولى الامارات العربية المتحدة تمويل البرنامج بجزء من مليارات الدولارات التي أرسلتها كمساعدات مصر. كما أن السلطات المدنية تدفع لوزارة الإنتاج الحربي مقابل خدماتها.
وقال أوليفر كولمان، كبير المحللين في ‘مابلكروفت’ لأبحاث المخاطر’ ان المشروع ‘يعزز صورة القوات المسلحة كحراس لمصر لا بالمعني السياسي والأمني فحسب، بل من حيث البعد الإجتماعي والإقتصادي. المؤسسة الوحيدة القادرة على معالجة مشاكل مصر المتعددة.’
وأضاف ‘الجيش قد يكون له نفوذ إقتصادي لتحسين تشغيل الشباب في بعض القطاعات وخصوصا التصنيع. لكن الأثر سيكون في غاية التواضع من حيث الإقتصاد عموما.’
وتشير البيانات الرسمية إلى أن معدل البطالة يزيد على 13 في المئة من قوة العمل المصرية بالمقارنة مع 8.9 في المئة قبيل إنتفاضة عام 2011.
ويحجب هذا الرقم مشكلة أكبر تتمثل في عدم إستغلال كل امكانيات العاملين في إقتصاد يقوم على أجور منخفضة. ونادرا ما تشرح الأرقام الرسمية الوضع في بلد تمثل فيه الأنشطة غير المسجلة نسبة كبيرة.
*لئلا تصبح البطالة
‘شرارة لثورة اُخرى
ويعتبر السيسي البطالة من القضايا ذات الأولوية، لكنه لم يذكر تفاصيل عن الكيفية التي سيتصدى بها لهذه المشكلة. وينظر إليه بعض الشبان المصريون بإرتياب إذ يرون فيه عودة لنظام الحكم الذي يدعمه الجيش والذي ثار عليه الشعب في 2011.
وقال عبد الرحمن (20 عاما) وهو يجلس عابسا في أحد المقاهي في القاهرة ‘الآن حيحكم عسكر تاني’ مشيرا إلى التوقعات بفوز السيسي في الإنتخابات. وأضاف ‘لو عمل غلطة واحدة وهو رئيس، الشعب كله حيثور عليه.’ وأضاف ‘طبعا أنا زعلان.’
ومثل كثيرين من الشبان يقضي عبد الرحمن وقته في المقاهي، إذ أنه لا يعمل. وقد جد وظيفة في محل للملابس بمرتب 800 جنيه (110 دولارات) في الشهر لكنه فصل منها لانه أخطأ في طي قميص.
ويهدف برنامج التدريب الحكومي الجديد إلى معالجة خلل في الإستفادة من المهارات المختلفة يرجع في جانب منه إلى سياسة الدولة التي قامت منذ عشرات السنين على دعم التعليم الجامعي، مما أدى إلى وجود فائض كبير من المحاسبين والمهندسين ينتهي بهم الحال في كثير من الأحيان للعمل كسائقي سيارات اُجرة.
وقال مسؤول في مجلس التدريب الصناعي التابع لوزارة الصناعة ان المجلس نظم معرضا للتوظيف هذا العام عرض فيه 20 ألف وظيفة بالقطاع الصناعي لم يتقدم لها سوى 7000 شخص.
ويعتقد البعض أن من الممكن إستخدام وزارة الإنتاج الحربي بصورة أوسع للمساعدة في علاج الخلل.
وقال سامح سيف اليزل الذي يرأس مركز الجمهورية للدراسات الإستراتيجية ‘من المعروف أن أفضل اللحامين في مصر خرجوا من هذه المراكز’ التابعة للإنتاج الحربي. وأضاف سيف اليزل الذي يقول إنه على إتصال بالسيسي ‘الإنتاج الحربي جزء من الحل الشامل.’
وربما يكون من الصعب تغيير المسار لكثير من الشباب إذ أن خمس الخريجين لا يعملون.
ويرفض كثير من الشبان أداء الأعمال اليدوية مثل الأعمال التي يجري التدريب عليها في مراكز الإنتاج الحربي على أمل العثور على وظيفة تتفق مع دراستهم. ومن هؤلاء طالب الهندسة محمد عبد القادر (22 عاما) الذي يقول ‘ما ينفعش. درست خمس سنين وبعد كده اشتغل حاجة تانية؟ لازم ألاقي شغل مناسب.’
ويعد السيسي بالتصدي للغلاء والفقر، ويراهن على الجيش وعلى دور أكبر للدولة في الإقتصاد، لتحقيق هذا الهدف الذي يضعه على رأس اولوياته.
وبعد اكثر من ثلاث سنوات على ثورة 2011 التي طالبت بـ’خبز وحرية وعدالة اجتماعية’، يدرك السيسي ان نجاحه السياسي يتوقف على تحسين حياة المصريين الذين يعيش 40′ منهم على خط الفقر (قرابة 34 مليونا من اجمالي 86 مليونا).
يدرك الرجل ان الشعبية التي إكتسبها تعود اساسا إلى الغضب من فشل الإخوان المسلمين في تحقيق الامال التي علقت عليهم برفع مستويات المعيشة بعد ثلاثين عاما من حكم مبارك الذي إتسم بالفساد وإتساع الفوارق الاجتماعية.
وفي مقابلات مع الصحف والتلفزيونات المحلية قال السيسي ان همه الاساسي هو ‘الخروج بملايين المصريين من دائرة الفقر’. واكد انه قادر على إنجاز المهمة قائلا ‘انا قادم من مؤسسة لا يمكن ان تفشل’ فى اشارة إلى الجيش.
وأضاف السيسي الذي يؤكد دوما انه ‘يتمنى’ ان يكون عبد الناصر جديدا، انه سيسعى إلى ‘تعظيم دور الدولة’ وان ‘الدولة يجب ان تكون مسيطرة وتتدخل بالتخطيط والتنظيم والتنفيذ’.
ويقول استاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد ان السيسي ‘أشار بوضوح إلى دور للجيش ومؤسسات الدولة في الإقتصاد وهو ما اعتبره قطاع من رجال الاعمال رغبة في مزاحمتهم’.
وأضاف ‘السيسي يرى في مكافحة الفقر الوسيلة الأساسية للقضاء على القاعدة الشعبية للاخوان اذ يعتقد انهم كانوا يشترون اصوات الفقراء من خلال خدمات اجتماعية يقدمونها لهم’.
وحذر السيسي القطاع الخاص من ان الدولة ستتدخل بـ’آليات موازية’ لضبط الأسعار في السوق، خصوصا اذا ما رفض رجال الاعمال ‘تقليل هامش ربحهم’، مشيرا إلى انه سيتم انشاء أسواق جديدة لعرض السلع بأسعار منخفضة. والمح إلى ان الجيش، الذي يمتلك مؤسسات إقتصادية عديدة، قد يشارك في هذه المهمة.
وأثارت هذه التصريحات تململا في دوائر رجال الاعمال الذين قال عدد منهم ان ‘الحديث عن عودة دور الدولة في إدارة الإقتصاد يثير القلق إلا ان رسائل تطمينية وصلتنا من فريق السيسي بعد ذلك وسننتظر لنرى’.
*أرقام غير مطمئنة
وإضافة إلى مشكلة البطالة (13′ – حسب الأرقام الحكومية المشكوك فيها، ربعهم من الشباب) سيتعين على السيسي مواجهة مشكلات إقتصادية واجتماعية متشابكة.
والأرقام معبرة بهذا الصدد: ففي نهاية العام الماضي بلغ معدل التضخم 11.9’، في حين وصلت المديونية الداخلية المتراكمة إلى 1651.8 مليار جنيه مصري (236 مليار دولار) اي ما يوازي 85′ من إجمالي الناتج المحلي، وهي ديون ناجمة عن عجز مزمن في الموازنة العامة ينتظر ان يبلغ في العام المالي 2013/2014 حوالي 13′ من اجمالي الناتج المحلي.
وترجع نسبة كبيرة من هذا العجز إلى فاتورة دعم الخبز والوقود التي تلتهم قرابة 30′ من الموازنة. ويذهب جزء كبير من هذا الدعم إلى مصانع القطاع الخاص التي تسجل إستخداما مكثفا للطاقة.
إلى ذلك بلغت الديون الخارجية 45.8 مليار دولار نهاية 2013 وانخفضت الإستثمارات الأجنبية إلى 2 مليار دولار سنويا خلال الاعوام الثلاثة الأخيرة، بعد ان وصلت إلى اكثر من 12 مليار دولار قبل إسقاط حسني مبارك.
وتراجعت عائدات السياحة بمقدار الربع تقريبا، اذ لم تحقق سوى 5,8 مليار دولار العام الماضي مقابل 12,5 مليار دولار في العام 2010.
وانعكس ذلك في تراجع إحتياطي مصر من النقد الأجنبي بمقدار النصف تقريبا، لينخفض من 36 مليار دولار قبل ثورة 2011 إلى قرابة 17 مليار دولار في نيسان/أبريل الماضي رغم المساعدات المقدمة من السعودية والامارات والكويت والتي بلغت اكثر من 13 مليار دولار منذ اطاحة مرسي.
ويعتبر كثير من الإقتصاديين ان عجز الموازنة هو التحدي الاكبر امام الرئيس المقبل، وانه لا سبيل إلى خفضه إلا بالغاء الدعم الحكومي للطاقة التي تحصل عليها مصانع القطاع الخاص.
ولتوفير الموارد اللازمة يؤكد السيسي انه سيعتمد في المدى القصير على الإستثمارات المحلية والأجنبية ومساعدات الدول العربية التي قال انه ‘يثق’ في إستمرارها.
الا ان حكومة تصريف الأعمال الحالية تعد خطة إصلاح مالي تستهدف زيادة الحصيلة الضريبية ورفع الدعم تدريجيا عن الطاقة على مدى خمس سنوات لخفض عجز الموازنة من 13.7′ حاليا إلى 5.6′ بحلول العام 2017
وفي مقابلة مع قناة ‘سي.بي.سي’ الخاصة يوم السبت الماضي قال محلب ‘لسنا حكومة اطفاء حرائق او تسيير أعمال وانما سنضع الأساس لمن يأتي بعدنا’.
وأضاف ان ‘دعم الوقود يكلف الدولة 159 مليار جنيه (22 مليار دولار) في حين لا تتجاوز ميزانية التعليم 64 مليار جنيه (9 مليار دولار) والصحة 27 مليار جنيه (3.8 مليار دولار) ولابد من توجيه جزء من دعم الوقود لهذين القطاعين’.
كما تعد الحكومة تشريعا جديدا يقضي بفرض ضريبة أضافية قيمتها 5 في المئة لمدة ثلاث سنوات فقط على كل من يتجاوز دخله مليون جنيه سنويا، بحسب ما اعلن وزير المالية هاني قدري.
ووضعت الحكومة كذلك خطة تقضي بـ’فرض ضريبة القيمة المضافة وتعديل قانون الضرائب العقارية وقانون الضريبة على الدخل بهدف توسيع القاعدة الضريبية وزيادة التصاعدية’، بحسب تقرير اصدرته اخيرا وزارة المالية.