السيناريست المغربي عبد الإله بنهدار: المجال الفني موبوء والصولة والصولجان فيه لمن يجيد لعبة النفاق

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: كثيرا ما توجه سهام النقد في المشهد الفني إلى مجال الكتابة المسرحية وبمعيتها كاتبة السيناريو، ويسجل بعض النقاد تغييب الأقلام الوازنة في المغرب، على حساب قصص مهلهلة ولا تمت بصلة إلى الجودة والإبداعية، الشيء الذي يجعل من الاعمال السينمائية المغربية أو بعضها على الأقل، يسقط في الفجاجة وغياب رؤية حكائية محبوكة ومتماسكة.
الأكيد أن هذا الحكم لا يشمل جل الأفلام المغربية التي حققت بعضها انجازات على صعيد شباك التذاكر، كما أنه لا يشمل الأعمال المسرحية التي تتزود غالبيتها من الإنتاج المحلي. لكن في المقابل، حسب النقاد، هناك حالة من شبه تهميش للأقلام الوازنة في المغرب على صعيد كتابة السيناريو والتأليف المسرحي.
«القدس العربي» توقفت عند هذا الموضوع من خلال حوار أجرته مع الكاتب المسرحي والسيناريست عبد الإله بنهدار، هذا المبدع الذي تمكن من أن يحفر اسمه البارز في المشهد الفني المغربي بإصرار وبقوة كتاباته ورصانتها أيضا ونهله من معين أصيل مغربي.
بنهدار الذي ساهم في إعطاء نفس متجدد للمسرح المغربي من خلال مسرحياته التي ألفها، كان له أيضا حضور مهم في السينما من خلال السيناريو ومواظبته على كتابة الجيد، وليس حسب الطلب بل حسب الرؤية والفكرة والجودة والجدية.
عن حال المسرح المغربي في ظل الجائحة مع توالي يوميات الانتظار والترقب، يقول المؤلف المسرحي والسيناريست، إن «حال المسرح في ظل الجائحة كحال باقي الفنون.»
واستطرد ضيف «القدس العربي» قائلا «إلا أنه لا ينبغي أن تكون الجائحة مشجبا نعلق عليه ـ لا أقول إخفاقاتنا ـ لكن أقول عدم تحقيق آمالنا وتوقعاتنا من هذا الفن وغيره من الفنون التي يجب ان يكون لها هدف واحد، ألا وهو الرفع من الذوق الإنساني، عوض تنميطه، ومن الفكر النقدي الفعال الذي يطرح أسئلة أكثر مما يتلقى الأجوبة التي تؤدي إلى تكليسه، فكر يقظ يجعل من المواطن إنسانا لا يهمه في هذه الحياة المأكل والملبس والشهرة فقط، بل يحفزه على أن يكون ذا فكر مستفز يقظ منفعل مع محيطه ومتفاعل معه ومع أحداث العالم من حوله، خصوصا وأننا بعد انصرام هذه الجائحة سنكون أمام نظام عالمي جديد بدأت معالمه تلوح في الأفق على عدة مستويات، عالم لا يشبه ما قبل الجائحة.»

«الفئة الناجية»

هل التأليف المسرحي في المغرب بخير؟ جوابا على هذا السؤال يؤكد بنهدار أنه «من الذين يستبشرون ويأملون خيرا في الحاضر والمستقبل» وأشار إلى العديد من اللقاءات التي حضرها «في المدن الهامشية والقرى البعيدة عن المدن، هناك حيث وقفنا على تجارب شباب إناثا وذكورا أبهرتنا كثيرا، لكن من يمسك بأيدي هؤلاء؟ من يشجعهم؟ من يبعث فيهم الأمل على السير قدما فيما هم فاعلون؟».
بالنسبة للمتحدث «هناك فئة قليلة ناجية من بين هؤلاء، أقصد أولئك الشباب الذين يعيشون في عائلات منفتحة على العصر، أسرٍ تؤمن بالفن والإبداع كسبيل لتكوين الذات تكوينا يساهم في الرفع من قيمة الإنسان والإبداع، وهذه الفئة قليلة، الفئة الناجية فقط هي تلك التي يحالفها الحظ للسير قدما في مسالك الإبداع، أما الكثيرون ــ شابات وشبان ــ مع الأسف يقفون في أول الطريق.»
العبور من ممر التأليف المسرحي وحاله في المغرب، يلزمنا بالتوقف عند انتقادات أخرى توجه لبعض المسرحيين، وتهم مسألة الاقتباس في مقابل تهميش النصوص المحلية، بالنسبة لبنهدار فإن الاقتباس أولا «ليس عيبا حين يكون من أجل التنوير والانخراط في عالم متجدد باستمرار.»
لكن ضيف «القدس العربي» يؤكد أن الاقتباس يصبح «معيبا حين يكون من أجل البهرجة والنفخ في الذات، أو الاستقواء بالآخر وزعم المقتبس ـ قصد ذلك أم لم يقصده ــ كونه ينهل ويتعامل مع حضارة الآخر (الغرب عموما) وفرنسا بالنسبة لنا خصوصا، فهو ايضا متحضر مما يجعله يعي كذبة كبرى يكذبها على نفسه ويصدق كذبته وهو يعتقد أن الجميع يصدقه، مما يزيد في تمجيد اناه المتعالية، خصوصا حين يجد نفسه محاطا بشرذمة تنافق وتجامل أكثر مما توجه وتنتقد، وأنّى لها ذلك والمثل يقول: فاقد الشيء لا يعطيه، في هذه الحالة ومع هذا الصنف من حرفيي الاقتباس يرون الآخر جديرا بأن يكون لهم قدوة، في حين ذلك الآخر بثقافته المسرحية والموسيقية والتشكيلية نجده أخذ الكثير من ثقافات الشعوب الأخرى، منها شعوب الشرق، ولنعد بذاكرتنا إلى كبار المسرحيين في العالم الذين نتشدق بالأخذ وترديد أسمائهم في كل مناسبة، وأننا فعلا تلامذتهم الأبرار، نذكر منهم على سبيل لمثال لا الحصر: برتولد بريشت، بيتر بروك، أنتونان أرتو… هؤلاء وغيرهم كثير نجد نظرياتهم المسرحية لم تكن من داخل أوطانهم أي الغرب، بل استقوا نظرياتهم المسرحية من آسيا وإفريقيا وبلدان الشرق، دون ان ننكر ما خلفته ابداعات ابن عربي في الثقافة الغربية وكذلك ألف ليلة وليلة، وأشعار أبي نواس، ورسالة الغفران للمعري، ورسالة التوابع والزوابع لابن شهيد الأندلسي، وابن خلدون وفلسفة ابن رشد الخ.
من انكباب بنهدار على التأليف المسرحي، سألته «القدس العربي» عن الأعمال السينمائية ولماذا هذا الغياب كسيناريست، إلا أنه نفى ذلك وأكد «بالعكس أنا حاضر في مجمل الانتاجات السينمائية والتلفزيونية، رغم العديد من الاكراهات التي تدفع المبدع نحو استسلام والاحباط.»
وسرد المتحدث عددا من الأعمال التي ساهم فيها كسيناريست مؤخرا مثل إعادة بعض الأعمال السينمائية الوثائقية، ومسلسل مع إحدى الشركات المنفذة للإنتاج نال القبول من طرف القناة الثانية.

ولاءات مزيفة

وفي كل مرة تبرز كلمة «لكن» في المشهد الفني المغربي، وهنا قال عبد الإله بنهدار «صراحة المجال الفني موبوء بكل ما تحمله الكلمة من معنى، والصولة والصولجان فيه لمن يجيد لعبة النفاق والمجاملة، ومع ذلك العملة السليمة تطرد العملة المزيفة، لو تولى تنفيذ الإنتاج أصحاب شركات مبدعون كما هو الشأن في مصر وسوريا ولبنان وتركيا والهند على سبيل المثال، لكان حالنا أفضل بكثير، لكن المجال مفتوح أمام اشخاص ليسوا مؤهلين لكتابة موضوع انشائي مقبول في المرحلة الاعدادية وتجدهم ينهون ويأمرون داخل شركات كبرى بسبب ولاءاتهم، هذه الولاءات مدفوعة الثمن وليست بالمجان على كل حال. وهؤلاء كلهم ومن يوالونهم إلى مزبلة التاريخ حتما، ويبقى التاريخ هو الغربال الحقيقي لكل عمل وإبداع فني.»
في مجال الفن السابع دائما، سألت «القدس العربي» ضيفها، عن الأمور التي تعاب كثيرا على السينما المغربية وكونها غير مقنعة وغير ممتعة ولا تحقق نسب إقبال عليها كما هو الحال في دول أخرى، ويعود ذلك بالأساس حسب النقاد إلى عدم توفر الأفلام المغربية على سيناريو يحقق لها الامتداد الحكائي والسردي والعمق الفكري ايضا.
جواب بنهدار كان سؤالا، حيث قال «كيف يكون هناك عمق فكري للسينمائيين لا علاقة لهم بالكتاب؟ ولا بالنظريات الكبرى في الاقتصاد وفي الاجتماع وفي علم النفس وفي الفلسفة؟» ويوضح المتحدث بأنه «للسينما علاقة كبرى بالفلسفة منذ نشأتها الأولى، حتى سينمائيينا في البداية كانوا فقط يترجمون ما تكتبه اقلام الفلاسفة في الغرب عن السينما ويقدمونها على أنها من بنات أفكارهم وكما يقال: (من الخيمة خرج مائلا) هناك من احترف السينما من أجل المال؟ وهناك من احترفها من جل الشهوة؟ وهناك من احترفها من أجل الشهرة؟ وبالتالي الأزمة أزمة فكر عام، وليست أزمة سيناريو. لننظر إلى من حولنا حاليا، سنجد كل من عنده مبلغا من المال يقرر أن يصبح مخرجا وسيناريست ومنتجا و…و… وحين توجه له النصيحة يقول لك: (ومال فلان وفلان وفلانة… لم لا أنا؟) لكن مع ذلك هناك قلة قليلة من السينمائيين الذين يستحقون منا كل الاحترام والتقدير. هم قلة نعم، لكن نرفع لهم القبعة احتراما وإجلالا.»
وفي رده على سؤال تهميش السيناريست في المغرب، قال بنهدار إن كتاب السيناريو فرض عليهم التهميش، و»ليست عندنا شركات إنتاج بالمعنى الحقيقي، هناك فقط شركات تنفذ الإنتاج، لها ولاءات تشد بيدها وتقدم لها المشاريع على طبق من ذهب، ومع الأسف تكون اللجان فقط لذر الرماد في العيون، هناك قلة قليلة تستحق أن تكون عضوا من أعضاء لجان الانتقاء، أما الغالبية العظمى وبكل صدق وحيادية، يبقى وجودها من عدمه سواء.» أما عن تهميش السيناريست في المغرب، يوضح بنهدار «فهو تهميش مقصود، وأعطيك مثالا ألا وهو المركز السينمائي الذي يعطي بطاقة اعتراف للتقنيين على اختلاف حرفهم وتخصصاتهم، وللمخرجين من كل صوب جاؤوا، لكنه لا يفعل ذلك مع كتاب السيناريو؟ لماذا؟ أيُّ شخص مبتدئ يخرج ثلاثة أفلام قصيرة، أو فيلما روائيا يحصل على بطاقة مخرج كيفما كان عمله، جيدا متوسطا ام رديئا، وكاتب السيناريو تكون في جعبته عدة سيناريوهات ولا يمكنه أن يحظى ببطاقة اعتراف تشهد له كسيناريست محترف يمكن ان يسمع صوته، هذا السؤال يجب طرحه على مديري المركز السينمائي وعلى مستشاريهم ومعاونيهم.»

جديد في المسرح والتلفزيون

في ختام الحوار مع الكاتب المسرحي والسيناريست بنهدار، سألت «القدس العربي» عن الجديد، فأجاب قائلا «على المستوى المسرحي هناك عمل مسرحي مع فرقة كوميديا المراكشية بشراكة مع مسرح محمد الخامس، وهو من إخراج المبدع بوسرحان الزيتوني، أيضا في الأسبوع الماضي قدمت فرقة المسرح المفتوح عرضين مسرحيين في تونس العاصمة لعملي المسرحي نسيان عن رواية امرأة النسيان للروائي والأديب محمد برادة وهي من إخراج مسعود بوحسين.»
وأضاف المتحدث «هذه السنة 2021 نشرت لي مسرحية (جنان القبطان) عن مؤسسة ودار النشر باحثون وفي مطلع السنة المقبلة 2022 سينشر لي عمل مسرحي بالعربية الفصحى عن رواية (أعشقني) للأديبة الفلسطينية الأردنية الدكتورة سناء شعلان، عنوانه (البعد الخامس) كتب التقديم لهذا العمل المسرحي كل من الناقدين الألمعيين الدكتور أحمد بلخيري والدكتور عبد الجليل الازدي. أما في المجال التلفزيوني، يقول بنهدار، فهناك شريط تلفزيوني يحمل عنوان «وني بيك» من إنتاج القناة الثانية سيعرض في رمضان المقبل، وسلسلة تلفزيونية مع شركة لها اسمها ووزنها في عالم تنفيذ الانتاج، أما الانتاج فهو للقناة الثانية كذلك.»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية