بدأ الفيلم الأمازيغي يفرض نفسه شيئا فشيئا على الساحة الإبداعية والنقدية المغربية، ونظراً لهذه الأهمية صدر مؤخراً عن منشورات جمعية إيسوراف للفن السابع في أكادير، كتاباً بعنوان «السينما الأمازيغية والجمهور.. من صناعة الفرجة إلى تشكل المتلقي». وهو حصيلة أعمال يوم دراسي نظمته الجمعية، ويضم مقالات متنوعة لعدد من الباحثين والنقاد المهتمين بالسينما الأمازيغية، وهم.. إبراهيم حسناوي، محمد زروال، الحسين منزول، علي أوبلال، مسعود بوكرن، وجمال أبرنوص. وسنستعرض بعض أفكار هذه المقالات..
السينما والجمهور ملاحظات نظرية
تحت هذا العنوان يأتي بحث الناقد إبراهيم الحسناوي، مشيراً إلى كون استهلاك الفيلم واستغلاله داخل القاعات السينمائية، هو التنظيم التجاري لهذه القاعات، وأن الهدف الأساسي للسيرورة الاقتصادية الخاصة بالسينما هي أن تجعل من الفيلم سلعة معروضة للبيع والاستهلاك. فالحديث عن الجمهور السينمائي يقتضي التفصيل في مكوناته المختلفة المرتبطة بالعناصر السوسيولوجية مثل، السن والمهنة والمستوى الدراسي ومقر السكنى. ويرى أن السينما فن وصناعة وسلعة مرصودة للتجارة والتداول. والفئات المتعددة من الجمهور هي التي تبرز المظهر الأساسي لعملية التلقي في السينما، والتي تتميز اليوم بظهور نوع من الجمهور الذي يقوم بتحميل الأفلام من مواقع الإنترنت مجانا، حيث يصعب التعرف على الأفلام التي يشاهدها، ويصعب الوقوف على العناصر المتحكمة في اختيارها. ويختتم بحثه قائلاً: في الوقت الذي نسجل فيه اليوم اندثارا مستمرا لقاعات العرض وتراجع مواقع الأندية السينمائية، وغياب السينما في المقررات الدراسية، وتدفق الصور التي يبثها التلفزيون والإنترنت، فهل يمكن الحديث عن وجود أزمة بين السينما المغربية وجمهورها؟ مَن منهما يقاوم من أجل البقاء؟ كيف يمكن استقطاب الجمهور المغربي إلى القاعات السينمائية؟ كيف نجعل من السينما المغربية مشروعا اقتصاديا ومجتمعيا وثقافيا وتربويا؟
البحث عن صيغة حداثية
أما محمد زروال في مقاله المعنون بـ«تلقي الفيلم الأمازيغي والتنوع اللسني في المغرب» فيشير إلى كون الحديث عن الفيلم الأمازيغي والسينما الأمازيغية قد أصبح من المواضيع كثيرة التداول في الملتقيات ذات الصبغة السينمائية، في الدول المغاربية، خاصة المغرب والجزائر، بل أصبحت موضوعا لندوات وأيام دراسية للجامعات الفرنسية على سبيل المثال. ويرى بالتالي أن طرح وضع الفيلم الأمازيغي وعلاقته بالجمهور، أو أشكال تلقيه يعتبر من هذه الأسئلة البارزة التي يعتبر تناولها مهما، خاصة أن الفيلم باعتباره وسيطا ومنتوجا ثقافيا وفنيا وتجاريا لا يمكن أن يحقق أهدافه دون جمهور. فالسينما ارتبطت منذ ظهورها في نهاية القرن 19 بالجمهور، فحتى في بداياتها، حين كانت الأفلام السينمائية لا تتجاوز دقيقية واحدة كانت أماكن العرض تغص بالجمهور، الذي كان يحج لاكتشاف ما يصوره المخرجون. هذا كله يؤكد ارتباط السينما بالجمهور فمن دونه لا يمكن الحديث عن شيء اسمه السينما، هذه الأخيرة بفضل إمكاناتها التقنية واعتمادها على الصورة أعطيت لها الفرصة لمعانقة جماهير واسعة، حتى إن لم تكن متعلمة فعلى الرغم من أن عمر الفيلم الأمازيغي لم يتجاوز ثلاثة عقود، قوبل بالانبهار الشعبي، وانتشر بسرعة داخل المغرب بما فيه المدن الكبرى مثل الدار البيضاء ومراكش، وفي الخارج خاصة في فرنسا التي احتضنت منذ ما قبل الاستقلال جالية مهمة من الأمازيغ القادمين من الجنوب المغربي، لكن الملاحظ هو أن الفيلم الأمازيغي ظل بعيدا عن اهتمامات نقاد السينما في المغرب، بما يقارب عقدا ونصفا، اللهم إلا إذا استثنينا مبادرات معدودة من كتابات نقدية أشارت إلى هذا الجنس الفيلمي، بدءا بالناقد الراحل المرحوم إبراهيم أيت حو. وفي هذا الإطار يتساءل عن علاقة التنوع اللسني بالوضعية التي كانت للفيلم الأمازيغية في مجال الكتابة النقدية في المغرب. موجها المخرجين وكتاب السيناريو قصد الاهتمام بمواضيع جديدة بالفيلم الأمازيغي من باب الاشتغال على ثيمات متجاوزة إلى مواضيع ذات صبغة إنسانية وحداثية ومجتمعية، يمكن أن يتفاعل معها أي مشاهد في أي مكان، مع الحرص على استثمار التراث الأمازيغي في أبعاده الجمالية والأدبية واللغوية والتاريخية والفلسفية والقيمية، دون السقوط في التكرار والبعد الفولكلوري السطحي والتبسيط.
مفارقات الوسائط
أما الحسين منزول في مقاله «الفيلم الأمازيغي ومفارقات الوسائط» فيرى أن جوهر الفيلم وروحه، يكمنان في كونه فن العرض، وهذه الخاصية هي التي تجعل هدفه الأسمى هو الفرجة، التي تتحقق بتحققها جميع الأهداف المتوخاة منه. فالفرجة الحقيقية الناتجة عن أفلام متينة البناء وجميلة التقديم، هي التي تولد تلك الرغبة لدى المشاهدة واستهلاك المنتوج الفيلمي، وما يجعلنا نؤمن بكون دراسة الوسائط في الحديث عن الفيلم الأمازيغي في علاقته بالجمهور، تستجيب لشرط الضرورة. هو قوتها التأثيرية على دينامية الصناعة الفيلمية بشكل عام، فالوسيط هو الطريق الوحيد لوصول الفيلم إلى المشاهد. وإن السينما الأمازيغية خاصة، والمغربية عامة، سينما لها جمهورها ولا يمكن في أي حال من الأحوال قول عكس ذلك، لكن في ظل التناقض الذي يعيشه المناخ السينمائي المغربي من تزايد في عدد الأفلام المنتجة سنويا من أفلام عربية وأمازيغية، مقابل الانحصار الدائم للقاعات السينمائية، فإن المشاهد لا يستهلك المنتوج الفيلمي بالطريقة الصحيحة. ويشير منزول إلى أن قناة «تمازيغت» التي يقع على عاتقها الترويج للأمازيغية حضارة وثقافة وفنا، تضرب بكل أهدافها عرض الحائط مختزلة الأمازيغية في جانبها اللغوي فقط (الحديث هنا عن الأفلام فقط) ويرى أن القنوات التلفزيونية أو القاعات السينمائية، أو الأقراص المدمجة ليست في نهاية المطاف إلا مجرد وسائط يمكن استخدامها في صالح الإبداع الفيلمي الأمازيغي. كما يمكن أن يكون هذا الإبداع ضحية لسوء التدبير لهذه الوسائط، إما بوعي أو دونه. وتبقى من صميم اهتمامنا كباحثين في هذا المجال، التنبيه إلى هفوات القائمين على هذه الوسائط، في سبيل تصحيح مسارها خدمة للإنتاج الثقافي الوطني، خاصة منه الإبداع الفيلمي.
الذوق السينمائي
ويتناول الباحث علي أوبلال موضوع عنوانه «الفيلم الأمازيغي بين قلق صناع الفرجة السينمائية وعزوف الجمهور» موضحاً أن موضوع الدراسات الفيلمية في علاقته بالجمهور من أقدم المواضيع التي تناولتها، وأفاضت فيها أقلام النقاد السينمائيين الغربيين عموما، غير دول العالم الثالث، واللافت للنظر أثناء تتبعنا للفيلم الأمازيغي في جهة سوس، هو غياب عنصر الطفولة كمشاهد فعال وكفاعل وليس كمادة مستهلكة داخل مشاهد الفيلم، حيث نلاحظ أن الفيلموغرافيا الأمازيغية تغيب بشكل صريح الطفولة في خطابها الفيلمي، وفي حقيقة الأمر فإن رهان كل مجتمع ومستقبله هو الطفولة. لهذا أرى من الواجب أن يعمل المبدع الأمازيغي على تهذيب وتربية الذوق الفني والسينمائي لدى الأطفال، باعتبارهم رافداً أساسياً يمكن أن يحمل ثقافته وهويته ويسافر بها بعيدا، عبر استثمار الفيلم خصوصا، واستثمار الأشكال الأخرى للوسائط الإعلامية. وفي الأخير يرى الباحث أن تحريك الدورة الاقتصادية للسينما لا يقتصر على نوعية الجمهور وحثه على الذهاب إلى قاعات العرض، ما لم تكن هناك سياسة سينمائية تجعل من السينما مشروعا مجتمعيا وثقافيا وفنيا وتربويا.
محاولات متواضعة
السينما الأمازيغية والجمهور..أي علاقة؟ كان بحثا شارك به محمد بوكرن، الذي يرى أن السينما الأمازيغية إن كانت في مراحلها الأخيرة موجهة بشكل مباشر لفئة محدودة من الجماهير، وهم الناطقون بلغتها، فهذا يعني أننا رفعنا الحرج عنها تجاه بقية الجماهير التي ستتعامل مع الصورة كمصدر لحوارات ثقافية متعددة، ومع الناطقين بغير الأمازيغية، لتبقى المساحات التي يتحرك فيها الفن السابع الأمازيغي ضيقة المجال، والفضاءات التي أعدها لجمهوره لا تكلف الوضع الحالي سوى مجرد محاولات فيلمية متواضعة تلعب دور الحفاظ على البقاء، أو تمديد مرحلة الفناء. فما تقدمه شاشاتنا التلفزيونية من إنتاجات أمازيغية لمشاهديها، دون وضع أي اعتبار لأدنى مقومات الجودة، جعلها تغرد خارج السرب، وتقلص من حجم الجمهور المشكل لقاعدة «الكل» التي ينخرط فيها الأمازيغي وغير الأمازيغي، إلى جمهور «جزئي» يضم الناطقين بالأمازيغية، وهي المرحلة الحالية التي تم فيها تفتيت الجزء المتبقى إلى شرائح مختلفة.
البحث عن دعم
وفي الأخير يضيف الباحث جمال أبرنوس عبر مقاله «الرؤية والرهان في الفيلم الأمازيغي الريفي» أن الفيلم الأمازيغي الريفي لم يراكم الفيلم ما يكفي من الأعمال التي تسمح باستقراء سماته ومنازعه وموضوعاته، ولا بإصدار أحكام بخصوص قيمه الفنية والجمالية، ولذلك يجدر بالساعين إلى هذا المسعى من النقد والقراءة راهنا تناول تجارب بعينها، وتجنب تعميم الأحكام. فمن المؤكد أن لإكراهات الدعم المؤسسي وتوجيهاته دورا كبيرا في رسم ميدان اللغة الإبداعية والإنتاجية، وأن لاشتراطات التصوير واختيار الممثلين أثرا في اختيار القصة وشكل التقطيع المشهدي ولغة الحوار، لذلك يحسن عدم الانجرار إلى عقد مقارنات مع الإنتاج الدرامي المغربي العام، بسبب تفاوت الخبرة والتراكم، كذلك يجب الرفع من حصص الدعم المخصصة للفيلم الأمازيغي طمعا في استدراك قدر من مسافة التأخر التي نتجت عن عقود من الإقصاء والتهميش.
كاتب مغربي