عمان-“القدس العربي”:امتنع 47 نائبا فقط في البرلمان الأردني عن التصويت لصالح أحد أكثر القوانين المثيرة للجدل مؤخرا والذي تسبب في سقوط الحكومة السابقة بقيادة الدكتور هاني الملقي، في الوقت الذي أعادت فيه حكومة الرئيس عمر الرزاز عمليا إنتاج القانون مع تغليفه بتعديلات طفيفة.
هذا العدد من الحاجبين للتصويت عن القانون يقل بنسبة صغيرة عن 40 في المئة من أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 130 نائبا. ومع غياب نحو 21 نائبا من أعضاء المجلس عن الجلسة الحاسمة للتصويت أملا في الهروب من استحقاقات هذا القانون الشعبية، تدلل الحسابات الرقمية على أن نسبة لا تزيد عن 45 في المئة من أعضاء المجلس صوتت لصالح قانون الضريبة، وهي نسبة لا تضفي شرعية كبيرة على هذا القانون سيء السمعة والصيت، لكنها تكفي حكومة الرئيس الرزاز لعبور القانون محطته التشريعية الأولى مع أنه القانون نفسه الذي وصفته الحكومة سابقا بعدم الإنصاف. وتكفي لكي تناور الحكومة مجددا مع مجلس الأعيان الذي أثار الجدل بدوره عندما ناقش القانون وفي “جلسة واحدة” فقط، ورده للنواب رافضا تعديلاتهم على ثلاثة نصوص تقريبا. في كل حال يلزم الرزاز هنا بما وعد به صندوق النقد الدولي وبدون الحاجة للتنازل أو التراجع عن نصوص متشددة يرفضها الشارع.
وتدلل حيثيات التصويت كما رصدتها “القدس العربي” في المجلسين، على ان غالبية النواب الذين صوتوا لتمرير القانون عبروا عن خشيتهم من حصول مشكلات أعقد في حال عدم إقراره، لكن بعضهم تعاطى مع ضغوط من مراكز قوة إضافية في الدولة، الأمر الذي عبر بالقانون بشق الأنفس.
وفي الأعيان قبل التشريع ورد للنواب وبأغلبية تزيد عن “90 في المئة” حيث اعترض ثلاثة أعضاء فقط. لكن لاحقا تصاعد الخطاب الشعبي ضد مجلس النواب الذي أتهم على نطاق واسع وعبر منصات التواصل الاجتماعي بخيانة الشعب وبيعه.
وفي الوقت ذاته بدا ان الفرصة متاحة أمام تبادل قوائم بأسماء النواب الذين حجبوا الثقة عن قانون الضريبة وكذلك النواب الذين صوتوا لصالحه. وتم التعاطي على نطاق التواصل مع النواب الذين صوتوا لصالح إحالة قانون الضريبة إلى مجلس الأعيان باعتبارهم خصوم وأعداء الشعب في صيغة تقول الحكومة إنها لا تقرأ الواقع الموضوعي كما هو ولا تتفاعل مع أصل المشكلات الاقتصادية وجذرها.
طبعا لا يهاجم الشارع الأعيان باعتبارهم ممثلين لقرار الحكومة خلافا للنواب المنتخبين شعبيا.
وقارنت تعبيرات كثيرة ومتعددة حاولت فهم مزاج الشارع بين حكومتي الملقي والرزاز خصوصا وان الثاني عمليا عبر بصيغة القانون القديم نفسه تقريبا والذي أطاح بحكومة الأول.
تلك مفارقة اصطادها رئيس الوزراء الأسبق والمحنك الدكتور عبد الله النسور عندما سأل علنا رواد منصات التواصل الاجتماعي عن تعرضهم غير المبرر لحكومة الملقي. ويبدو ان إكثار الرزاز من الشرح وتمكنه من بناء صورة اجتماعية محببة إلى حد كبير لرئيس الوزراء، كان من العوامل الأساسية في ندرة الاعتراض شعبيا على القانون بالصيغة التي اقترحها الرزاز.
إضافة لذلك من المرجح ان تقلبات الإقليم والمفاعيل السياسية لعبت دورا كبيرا في إقلاق وتخويف المواطنين الأردنيين بالرغم من الصعوبات العميقة التي ستنتج عن قانون الضريبة الجديد، حيث يخشى الأردنيون اليوم من تداعيات التحشد في الشارع مجددا ويميلون إلى عدم الصدام مع الدولة والحكومة وان كان التفويض بنسبة معقولة جدا لرئيس الوزراء الذي يتخذ قرارات شعبية وجادة بصفة يومية.
الرزاز كان قد أكثر قبل عبور قانون الضريبة برلمانيا من تحويل ملفات الفساد للتحقيق والتدقيق. وكان قد وعد مرارا وتكرارا بإعادة تعريف الخدمة في القطاع العام وتطويره، وتحدث عن مشروع نهضة وطني شامل وقفزات كبيرة في الإصلاح السياسي.
هذه الإشارات وفي سياقات المقارنة لم تصدر عن الرئيس الملقي لكن يبدو ان الرزاز يستثمر فيها وبكفاءة خصوصا وأن مجلس النواب لم تواتيه الظروف ولا تلك الاعتبارات المتعلقة بخيارات الدولة المركزية حتى يتصدى لمشروع القانون أو يحاول إحباطه.
الكرة بهذا المعنى مرت وعبرت، لكن مجلس النواب الذي تعامل مع قانون الضريبة باعتباره خيارا للدولة وليس للرزاز كما يقول رئيس اللجنة المالية خالد البكار، سيجد نفسه مضطرا لمواجهة سلسلة كبيرة من انفعالات الشارع ومن تفريغ الاحتقانات المعيشية والاجتماعية عبره حصريا.
وهي في كل الأحوال مناورة بالذخيرة الحية يمكن ان تخدم ما تبقى من تهميش صورة المجلس الحالي استعدادا مرة أخرى لما يعتبره كثيرون واحدة من أهم الانتخابات العامة في الأردن منذ ربع قرن تقريبا وهي الانتخابات التي تطرق الأبواب الآن.
بعد العبور بقانون الضريبة ستتجه الحكومة لإلهاء الجميع بالمحطة التالية المثيرة تشريعيا وهي قانون الانتخاب.