بغداد ـ «القدس العربي»: رغم مرور أربعة أشهر على بدء العدوان الصهيوني الوحشي على أهلنا في غزة، يواصل العراقيون التعبير عن دعمهم لصمود الشعب الفلسطيني بمختلف الصور والأشكال، إضافة إلى مواقف الدعم الحكومي الرسمي المعلنة، ليؤكدوا مرة أخرى، حقيقة أن قضية فلسطين ستبقى دائما تنبض في قلوب وعقول العراقيين.
المواقف الشعبية
وكانت المراجع الدينية العراقية في مقدمة الحراك الشعبي الواسع لدعم صمود شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، حيث ما زالت الخطب في كل المساجد والجوامع، تحشد الناس لنصرة أهل غزة وتدين الوحشية الصهيونية في الاعتداء على أهلها، وتترحم على شهدائها، وتدعو إلى التعبير عن دعمهم بمختلف الأشكال الممكنة، مع الدعوات لمقاطعة بضائع الدول الداعمة للعدوان وانتقاد المواقف العربية الرسمية المتخاذلة.
وفي جامع الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان في بغداد، شهدت «القدس العربي» عدة تجمعات كبيرة للمصلين وأهالي عدة مناطق من العاصمة عقب صلوات الجمعة، إضافة إلى حملة تبرعات مالية ينظمها المجمع الفقهي لعلماء الفتوى لأهل السنة لدعم غزة، والتي تشهد اقبالا كبيرا. وبدورها دعت العتبة العلوية التابعة للمرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، إلى دعم أهل غزة واستعداد المستشفيات التابعة لها لاستقبال الجرحى الفلسطينيين من الحرب.
وفي السياق واستجابة لنداء الإغاثة الذي تقدم به الهلال الأحمر الفلسطيني، أعلنت جمعية الهلال الأحمر العراقي عن استقبال التبرعات المالية والمواد الغذائية من المواطنين لمساعدة الشعب الفلسطيني الشقيق. وقد أعلنت الجمعية عن «ارسال 21 طنا ضمن الوجبة التاسعة من المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني في غزة، بواسطة طائرات القوة الجوية العراقية إلى مطار العريش في مصر، لتسليمها إلى الهلال الأحمر المصري في العريش ومنه إلى الهلال الأحمر الفلسطيني».
فلسطين والجيل الجديد
ولا شك أن حرب غزة قدمت تضحيات غالية إلا انها أحيت أيضا قضية فلسطين في عقول واهتمامات الجيل العربي الجديد الذي لم يكن حاضرا في أحداث فلسطين السابقة. فقد أطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق اسم «طوفان الأقصى» على دورات التخرج الجامعية للعام الدراسي 2022– 2023.
وقررت وزارة التربية العراقية إطلاق تسمية «طوفان الأقصى» على عدد من المدارس في المحافظات. كما كانت عملية «طوفان الأقصى» حاضرة في أنشطة يوم الخميس في المدارس، التي تشهد مراسم رفع العلم الفلسطيني والعراقي، وتنظيم فعاليات خاصة للتعريف بقضية وكفاح الشعب الفلسطيني، وما يتعرض له سكان قطاع غزة من جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
ومن جانب آخر، نظّم ناشطون حملات بعنوان «قاطع» لمقاطعة بضائع الدول المساندة للعدو الإسرائيلي، حيث نظموا وقفة احتجاجية في بغداد أمام الفرع الجديد لمطعم «بيتزا هت pizza hut» في الكرادة رافعين العلم الفلسطيني. وقال منظمو الحملة «انها تهدف إلى رفض أي وكالة أمريكية تعمل في العراق، تضامناً مع أهالي غزة الذين يعانون ويلات حرب مدمرة». فيما شهدت كلية الإعلام بجامعة بغداد، حملة نظمها فريق «بنا الأمل» التطوعي لحث الطلبة على مقاطعة المنتجات الداعمة للكيان الصهيوني إثر الاعتداءات المتواصلة على قطاع غزة. وقد حفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع العمليات البطولية للمقاتلين الفلسطينيين مع دعوات لمقاطعة واسعة للبضائع الأمريكية والمطاعم التي تحمل علامات أمريكية في العراق.
النشاطات الفنية الداعمة لغزة
ومؤخرا انطلقت فعاليات الدورة 14 من مهرجان المسرح العربي في بغداد، وسط حضور كبير للقضية الفلسطينية. وأعلن المهرجان عن مبادرة خاصة بدعم المسرحيين في قطاع غزة، لتمكينهم من مواصلة مسيرتهم.
وشهد المهرجان العرض الأول لمسرحية «مترو غزة» من فلسطين، تأليف خولة إبراهيم، إعداد محمد أبو سل، إخراج هيرفي لويشيمول. ويعتبر العمل علامة مختلفة في المسرح العربي من حيث الفكرة والإخراج، حيث ناقش فكرة الحنين داخل الجغرافيا الواحدة بين أناس فرقتهم ظروف الحرب والاضطهاد، كما يعبر العمل عن ذلك الحلم بروافع ودلالات متعددة منها «المترو» والذي يرمز إلى التنقل بين أرجاء البلد الواحد، ما يعزز فكرة وقيمة التلاقي والتواصل بين الأهل الذين فرقتهم أقدار الحرب، فصاروا غرباء في بلادهم بحيث صارت كل منطقة دولة قائمة بذاتها.
وفي نينوى كان لطلبة جامعة الموصل مساهمة أخرى من خلال عرض مسرحية «الطوفان» دعما لغزة والتي شارك فيها طلبة وفنانون من المحافظة وحضر المسرحية جمهور غفير تعبيرا عن التضامن مع أهلنا الصامدين في غزة.
وضمن مهرجان «هنا غزة» الموسيقي، احتضنت «قاعة الشعب» وسط بغداد، حفلاً لفرقة «عشّاق الأقصى» من مخيّم البداوي شمالي لبنان، في إطار حملة التضامن الثقافيّة التي يشهدها العراق منذ بدء العدوان الصهيوني على غزّة، وقدمت الفرقة فعاليات وأغاني وطنية عن الشهادة والاصرار على تحرير فلسطين.
المواقف السياسية الداعمة
أما المواقف السياسية للحكومة والبرلمان، فقد أكدت ثبات موقف العراق في دعم القضية الفلسطينية في كل الأزمات والظروف والأزمان، حيث دعا رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، المجتمع الدولي للالتزام بمسؤولياته في إيقاف الحرب على القطاع، وإيصال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، بالتزامن مع توجيهه بإرسال سفن محملة بالوقود وطائرات محملة بالمواد الغذائية والأدوية والخيام إلى أهلنا في غزة لدعم صمودهم. كما أطلقت الحكومة العراقية اسم غزّة على الجسر الجديد الرابط بين ضفتي نهر دجلة في بغداد.
أما مجلس النواب العراقي فإنه دعا الجمعية البرلمانية الآسيوية خلال اجتماعها مؤخرا، إلى تبني قرارات بشأن الأوضاع في غزة، مطالباً بدعوة الأمم المتحدة للتدخل الفوري لإيقاف العدوان الصهيوني والإعمال الحربية كافة، وفتح المعابر الحدودية لإدخال المساعدات الإنسانية، إضافة لمقاطعة إسرائيل ردا على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني.
وكان مجلس النواب العراقي، أقر في أيار/مايو 2022 مشروع قانون حظر التطبيع مع إسرائيل، ومنع إقامة أي علاقات مع الكيان، كما نص على عقوبات السجن لأي عراقي يشجع على التطبيع، مع رفع أي حصانة سياسية أو برلمانية أو قضائية عن المطبعين.
وإزاء ما يتم طرحه مؤخرا من أفكار عن تهجير الفلسطينيين وإسكانهم في محافظة الأنبار، فقد أعلنت كافة المرجعيات الدينية والفعاليات الشعبية والسياسية، عن رفضها القاطع لفكرة تهجير سكان غزة إلى الأنبار، معتبرين فلسطين هي وطن الفلسطينيين الذي لا بديل عنه.
ومن جانبه ثمن سفير دولة فلسطين في العراق أحمد الرويضي، مواقف الحكومة العراقية الداعمة بشكل مستمر للشعب الفلسطيني مع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة مشيداً بإرسال باخرة تحمل 10 ملايين لتر من الوقود إلى القطاع. وأشار الرويضي في تصريح صحافي، إلى ان «مساهمات العراق متعددة في دعم الشعب الفلسطيني» مؤكدا «أن هذه المواقف ترجمة واضحة لمواقف العراق المعلنة والتي تم التعبير عنها في أكثر من مناسبة». وأكد السفير الفلسطيني، ان «دعم العراق لم يقف عند هذا الحد بل عزز بإعلان الجاهزية لاستقبال الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات العراقية، وهناك اتصالات مكثفة تتم لاستقبال أول دفعة من الجرحى».
وهكذا يتسابق العراقيون شعبا وحكومة، في تأكيد موقفهم الثابت إزاء القضية الفلسطينية التي تعيش في وجدان العراقيين منذ بدء نكبة فلسطين، حيث يؤمن العراقيون بعدالة هذه القضية وارتباطها بالأمن القومي العربي، وكانوا دائما تواقين إلى مشاركات فاعلة في جهود تحرير فلسطين ودعم شعبها في كل المناسبات والأزمات ضمن واجبهم القومي والديني والإنساني.