غزة- “القدس العربي”:
على وقع الخلافات القائمة بين الفصائل الفلسطينية، والتي برزت في اجتماع الأمناء العامين للفصائل الذي عقد الأحد في مدينة العلمين المصرية، انقسم الشارع في قطاع غزة، ما بين تظاهرات مؤيد لحكم حركة حماس، وأخرى معارضة لها، بسبب الأزمات التي يعيشها السكان المحاصرون، وأبرزها في هذا الوقت أزمة الكهرباء، وارتفاع معدلات الفقر.
ولم يكن اجتماع الأمناء العامين للفصائل، قد انفض دون التوصل إلى حلول عملية تنهي مرحلة الانقسام السياسي، وتعيد الوحدة الوطنية، حتى خرجت مسيرات شعبية في عدة مناطق في قطاع غزة، تحت شعار “بدنا نعيش”، ركزت مطالبها هذه المرة على إنهاء أزمة الكهرباء.
وقد اختار المشاركون يوم 30 يوليو لهذه الفعالية، وهو اليوم الذي تزامن مع عقد اجتماع الأمناء العاملين للفصائل، والذي خصص للاتفاق على رؤية واستراتيجية وطنية، ليقينهم أن هذا الاجتماع لن يخرج بجديد.
على وقع خلافات السياسيين واستمرار الأزمات وعدم وجود أفق ينهي الانقسام
وكانت بداية التحضير للفعالية كما المرات السابقة دعوات على مواقع التواصل تحت وسم “بدنا نعيش”، لاقت تفاعلا كبيرا في أوساط السكان، الذين يعانون كثيرا في هذا الوقت من انقطاع طويل للتيار الكهربائي، في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وفي هذا الوقت طرأ تغيير على جدول الكهرباء في غزة، بحيث لم يعد يصل التيار للسكان لمدة ثمان ساعات وصل مقابل مثلهن قطع، بعد تقليص ساعات الوصل لتصل إلى ستة ساعات وفي بعض الأحيان أربعة، ما يزيد من ساعات القطع.
وتؤثر العملية على السكان في ظل الأجواء الحارة، ويضطر السكان للاعتماد على الكهرباء من مولدات تجارية منتشرة في الأحياء، والتي تباع بأسعار تفوق أسعار الكهرباء العادية بثمان أضعاف.
وتبرر شركة الكهرباء ذلك، بوجود نقص حاد في كمية الطاقة المتوفرة، والتي لا تكفي احتياجات السكان، حيث تقدر الكمية المتوفرة بنحو 200 ميغا واط في حين يحتاج القطاع في هذا الوقت 500 ميغا واط يوميا، غير أن ذلك الأمر لا يقنع السكان، الذين يطالبون الجهات المسؤولة عن غزة، وهي حركة حماس، بالبحث عن حلول وإنهاء الأزمة.
وقد انطلقت أول فعاليات الاحتجاج على أزمة الكهرباء في قطاع غزة، في ميدان الجندي المجهول غرب مدينة غزة، ورغم أن الحضور كان ضعيفا، إلا أن المشاركين في الفعالية حملوا لافتات تنادي بإنهاء أزمات غزة، كتب عليها “لا لقطع الكهرباء”، و”لا للتفرد في الحكم”، وكان من بين اللافتات من تطرقت لاجتماع الأمناء العامين وكتب عليها “لا تعودوا إلا وأنتم متصالحون” و”هذا الشعب يستحق الحياة”.
وسرعان ما نظمت فعاليات ظلت حتى ساعات الليل في عدة مناطق في القطاع، وذكرت تقارير محلية أن التظاهرات انطلقت في مخيم جباليا شمال القطاع ومخيمي النصيرات والبريج وسط، وفي مدينة خانيونس جنوبا.
وعلى مواقع التواصل انتشرت صورا وفيديوهات للمتظاهرين، وهم يحملون أعلاما فلسطينيا، وفي أحد الفيديوهات هتف المشاركون “الشعب يريد إنهاء الانقسام”، و”بدنا نعيش”.
ويتردد أن مناوشات وقعت بين هؤلاء المتظاهرين من جهة، وأفراد من الأمن ونشطاء من حركة حماس من جهة أخرى.
كما كان من بين ما نشر صورا لشبان وهم يشعلون النار في إطارات السيارات في مدينة خانيونس، وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا” أن عدد من المواطنين أصيبوا إثر اعتداء عناصر أمنية تتبع سلطات غزة التي تديرها حركة حماس، عندما خرجوا للشوارع مطالبين بحياة كريمة.
وذكرت الوكالة أن المتظاهرين تعرضوا للضرب بالهراوات عند دوار بني سهيلا، وأن مواطنا أصيب بطلق ناري شمال القطاع.
وعرضت فيديوهات لشبان وهم يتلقون العلاج، قالوا إنهم تعرضوا للاعتداء بالضرب خلال المشاركة في فعاليات الاحتجاج “بدنا نعيش”.
وأشارت إلى أنه خلال الفعالية التي أقيمت شمال القطاع، جرى الاعتداء على مراسل تلفزيون فلسطين وليد عبد الرحمن، خلال تصويره لقطات للمظاهرة التي انطلقت في مخيم جباليا.
وقد نددت نقابة الصحافيين بالاعتداء على الصحافي عبد الرحمن، واعتبرته انتهاك صارخ لحرية العمل الصحافي”، لافتة إلى أن الصحافي عبد الرحمن كان يقوم بعمله المهني، مطالبة المؤسسات الحقوقية بضرورة التدخل لوقف هذه الاعتداءات ضد الصحافيين، ومحاسبة مرتكبيها، والسماح بحرية العمل الصحافي دون قيود.
وتشابه هذه الفعاليات أخرى نظمت في أعوام سابقة، حيث يحمل السكان حركة حماس المسؤولين عن كل أزمات قطاع غزة، من كهرباء وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، ويصفون إدارتها بالفاشلة.
غير أن حركة حماس التي تحكم القطاع منذ منتصف العام 2007، بعد بسط سيطرتها عليه، على أثر قتال مسلح مع قوات الأمن الفلسطيني الموالية لحركة فتح، ترفض تلك الاتهامات، وتؤكد أن أزمات غزة راجعة للحصار المفروض على السكان من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ 16 عاما، لتبنيها خيار المقاومة.
كما تتهم الحركة السلطة الفلسطينية بالتقصير في تقديم الخدمات لسكان القطاع المحاصر، بما في ذلك حل أزمة الكهرباء المتفاقمة.
ولذلك شرعت حركة حماس التي تحكم القطاع، بتنظيم مسيرات شعبية أخرى في عدة مناطق في القطاع، تحت عنوان دعم المقاومة والمطالبة بالوحدة الوطنية ورفضًا للحصار.
وخرجت مسيرة داعمة لحركة حماس في مخيم جباليا شمالي القطاع ومدينتي خانيونس ورفح جنوبا، وردد خلالها المشاركون هتافات تدعم المقاومة وتطالب بالوحدة، ورفعوا رايات حماس الخضراء.
وفي أحد المسيرات التي شهدت حضورا حاشدا، قال أحد المشاركين في كلمة عبر مكبرات الصوت “إن سبب معاناة شعبنا في قطاع غزة هو الحصار الظالم الذي فرضه أعداء شعبنا”.
ويأمل سكان غزة الذين يعيشون تحت وطأة حصار إسرائيلي محكم، في إنهاء أزماتهم في أسرع وقت، والعيش حياة كريمة، خاصة وأن معدلات البطالة فاقت الـ50%، فيما تصل نسب الفقر لأكثر 65%، وقد دفعت الظروف الصعبة ما يقارب من 80% من السكان للاعتماد على المساعدات الخارجية لتدبير أمور حياتهم.
غير أن نتائج اجتماع الأمناء العامين للفصائل، والذي ترافق مع يوم المسيرات التي نظمت في غزة، ما بين معترض على أزمة الكهرباء ومعارض لحكم حماس، وما بين داعم للمقاومة ومؤيد لحكم حماس، جاء مخيب للآمال.
ولم يجري التوافق على استراتيجية وطنية جامعة خلال ذلك الاجتماع، بسبب تباين وجهات النظر حيال البرنامج السياسي وشكل المقاومة، ففي الوقت الذي تطلب فيه حركة فتح أن يكون البرنامج السياسي مستوحى من برنامج منظمة التحرير، والتزاماتها الدولية، وهو أمر عبر عنه الرئيس محمود عباس صراحة في كلمته خلال الاجتماع، وتدعم المقاومة الشعبية السلمية، ترفض حماس الإقرار ببرنامج المنظمة، الذي يعترف بإسرائيل، وتدعم تبني كل أشكال المقاومة بما فيها المسلحة.
ويريد سكان غزة أن يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية، تقوم على الفور بإنهاء الأزمات التي تعصف بهم، وترفع الحصار المفروض عليهم من قبل الاحتلال.
ولم يعرف إن كان نشطاء حراك “بدنا نعيش”، سيدعون لفعاليات جديدة، أم سيكتفون في الفعالية التي نظمت الأحد.