‘وماذا بعد؟’، ترى، ما الذي سيحدث؟’ كثيراً ما يتكرر على مسمعي هذان السؤالان، خاصةً من قبل بعض الأشقاء العرب، لما يعرفونه عني من اهتمامٍ بالشأن العام والمصري منه على وجه الخصوص، ولست أبالغ إذا قلت ان الجمهور المصري مسكونٌ بهما، حتى حين لا تنطق بهما الشفاه فهما ماثلان كخلفية العمل المسرحي في أذهان الناس وراء ضجيج تلك الأزمة المزمنة المسماة بالحياة اليومية. وليس في ذلك ما يدهش، فالشعب المصري لم تتحقق له أية مكاسب مادية في حياته اليومية نتيجةً للثورتين، وسقط أمامه ما كان يحسبه قاماتٍ مديدة، وبالتالي فقد ضاعت ثقته فيهم، وربما يئس في إرهاقه وفقره من إمكانية مستقبلٍ أفضل. الكل يدرك أن الوضع الحالي لن يستمر، لا سيما في ظل غياب الأمن واستمرار المواجهات مع الجماعات المسلحة، بالإضافة إلى كون هذه الحكومة مؤقتة من الأساس.. غير أن هذا الترقب والانتظار يعكسان في نظري إدراكاً أعمق بالخلل البنيوي العميق في صلب الحراك الثوري منذ بدايته، بل من قبل بدايته، متمثلاً في ضعف أو غياب تنظيمات ثورية حقيقية تستند إلى قواعد شعبية راسخة يمكن الاعتماد عليها في صنع، أو على الاقل، اقتناص الفرصة وركوب الموجة الثورية، ومن ثم في صورة وصول القوى الرجعية ذات الموقع الاجتماعي المعادي للانحيازات الاجتماعية للطبقات التي قامت الثورة بها ومن أجلها.
والآن نجد أنفسنا أمام مفارقة غريبة، وربما فريدة في التاريخ.. ثورةٌ تنتظر الإصلاحات الانتخابية لتحقيق أي مكسبٍ ولو بسيطٍ وتافه.. ثورة من دون مكاسب ثورية، كما سميتها في مقالٍ سابق.
لعلي لم أكن دقيقاً تماماً، فعديدةٌ هي الأسئلة الأخرى الملحة، وكثيرٌ منها يتعلق بالإخوان المسلمين، من عينة ‘من الذي يشير الى الجماعة؟’، ‘ألا يدركون تدني، بل انهيار شعبيتهم؟’، و’هل يستمر الإخوان في انتحارهم هذا؟’. إن الناس في مصر لم يعد يدهشهم التغيير، وكل من يشتغل بالسياسة أو يتابعها يعي نصيحة الخواجة مكيافيللي حين أكد لأميره ومخدومه أن كل تغييرٍ إنما يفتح الطريق للمزيد من التغيير.
أود أن أؤكد أن الإجابة على تلك الإسئلة ليست باليسيرة، وفي رأيي يستحيل التنبؤ بما سيحدث، فنحن نخوض غمار تجربةٍ لا سابقة لنا بها، بعد أن سقطت أغلبية الثوابت ومفردات اللعبة، كما عرفناها وكبرنا عليها. غاية ما هنالك أننا نستطيع أن نحلل المعطيات، وربما نحاول استشراف المستقبل في ظلها.. من هنا نستطيع أن نلاحظ ونتعجب من المفارقات العديدة في وضعية الإخوان بعد الإطاحة بهم، بل ومن قبل ذلك، إذ نرى أنه في حين أنهم بنوا وجودهم في الشارع العربي والمصري تحديداً، وهو ذلك الوجود الذي امتد للخارج، لبلدان المهجر الغربي التي تراكم العرب فيها موجةً تلو الأخرى، فراراً من أوطانٍ مسلوبة منهوبة طاردة، لم يكتسبوا شعبيتهم استناداً إلى هالة أو أسطورة الاستشهاد التي روجوا لها فقط، وإنما من خلال شبكة من الخدمات الاجتماعية الموازية لتلك الحكومية المفترضة (والغائبة المدمرة من الناحية الفعلية)، ولكن أكثر كفاءةً. والأهم من ذلك هو نجاحهم في ضرب نموذجٍ أخلاقي بدا في أحيانٍ كثيرة (ظاهرياً على الأقل) مقبولاً من قبل الجمهور، فوق كونه مستنداً إلى نمطٍ له جذوره في الثقافة المحلية المتوارثة، أي أنهم بدأوا من الشارع.
والمدهش الآن أنهم باستثناء قاعدتهم الضيقة من الأنصار يخسرون بصورة يومية أي أرضيةٍ في الشارع، ممن كانوا على الحياد، عن طريق اعتصاماتهم اليومية ومظاهراتهم وصلتهم بالإرهاب في سيناء (تصريح البلتاجي الشهير)، علماً بأن أولئك الواقعين في الوسط بين الجماعة ومناوئيهم، ‘حزب الكنبة’، هم من تتنازعهم القوى السياسية ومن حسموا المعركة الانتخابية بذلك الفارق الضئيل بين مرسي وشفيق من الناحية الفعلية، وفي مقابل ذلك نجحت الجماعة نوعاً ما عن طريق بعض الوسائل الإعلامية على رأسها الجزيرة وبعض وسائل الإعلام الغربي في الترويج لصيغتهم أو’نسختهم’، عما يجري من صراعٍ في مصر، وهو ما يفسر ذلك التصور لدى غير المصريين والمنتمين والمتعاطفين مع الإخوان (الذين لم يعودوا أغلبيةً بأي حالٍ من الأحوال) بأن شعبية الفريق السيسي والمؤسسة العسكرية قد اهتزت بشدة، أو أن ‘الانقلاب’ يترنح، وليس أبعد عن الواقع من ذلك، إذ أنني لا أبالغ حين أقول ان الجماعة هي محط غضبٍ شعبيٍ عارمٍ وجارفٍ يطالب بالثأر والدم… أي أن الجماعة عكست استراتيجيتها تماماً فخسرت الداخل المصري وكسبت الخارج كمبارك، إما قصداً أو غباءً، والثانية أرجح لدي.
ما يقودنا إلى ظاهرةٍ شديدة الأهمية لا يلتفت إليها الكثيرون، أنه إذا كانت ثورة الاتصالات والإعلام التي اختزلت المكان والزمان و’ضغطته’ (إذا كان لنا أن نستعير مقولة ديفيد هارفي) هي ما ساعد على قدح شرارة الحراك الثوري، فإنها تلعب دوراً فارقاً وخطيراً وغير مسبوق في صراعات الفرقاء في مصر وذوي المصالح من خارجها (وهم كثر)، ولا أبالغ حين أقرر أن حراكات الربيع العربي والمصري منها على وجه الخصوص، تعد الثورة الأولى من نوعها في التاريخ، من حيث ذلك الوجود الكثيف لتكنولوجيا الاتصال والإعلام وتدخلهما في تشكيل مجريات الأحداث والرأي العام بصورة غير مسبوقة؛ من هنا فإننا نرى في الغالب صراعاً بين حكايتين أو سرديتين، تؤطر وتكرس لهما ماكيناتٌ إعلامية ضخمة، تعبران عن مصالح لا تقل عنها ضخامة، وأن ‘ الحقيقة’ بالمعنى الفلسفي الدقيق للكلمة ليست بالضرورة متطابقة مع أيٍ منهما، بل قد تختفي وتتوارى في حملات الاختلاق والمعلومات المضادة المضللة، وربما لن نعرفها إلا متأخراً جداً وبعد سنين أو عقود، كما أنه ليس من الضرورة أن ينتصر الجانب الأنظف أو الأحق.. وعلى من يريد أن يعرف بنفسه ويتحرى الحقيقة أن ينزل إلى مصر، إلى الشوارع، حاجاً على قدميه ليصل إلى استنتاجاته وقناعاته الخاصة.
أود أن أؤكد هنا أنني لست بصدد إصدار حكمٍ أخلاقي على أي من الطرفين (سوف أحتفظ به لنفسي)، وإنما أقرر واقعاً، ومن ذلك أن حالة القيل والقال بوجهها التكنولولجي الحديث التي وصلنا إليها تعكس حالة عدم حسم الحراك الثوري المصري.
مازال الوقت مبكراً للقطع بنهاية جماعة الإخوان المسلمين وبقية أخواتها من الحياة السياسية في ذلك الوضع شديد السيولة، ليس فقط لعراقتها وشعبيتها التي كانت، وإنما لأن تأثيرها على الثقافة العامة المتغلغة في المجتمع لم يُزل بعد، وقد يتطلب الأمر وقتاً طويلاً. الأكيد أن كثيراً من المعطيات والثوابت التي ارتكزوا عليها وعضد من وجودها بطء وترهل عهد مبارك الكبيس من قبيل ‘خصوصية’ الزمن والوضع العربي ومساره التاريخي (كأننا جبلنا من طينةٍ مختلفة) آخذةٌ في التحلل.
‘ كاتب مصري
يبدو أن الإخوان أصبحوا اسماً لكل شيء في مصر من الحراك الطلابي إلى المظاهرات الشعبية وكل مظاهر الاحنجاج الشعبي ورفع الصوت ضدّ الطغيان القبيح للعسكر والطبفة الاجتماعية الفاسدة الّتي يمثلونها من تحالف الفساد مع الكمبرادور والبرجوازية السياسية الطفيلية!وهع ذلك لا زال هناك من يتخفى وراء قناع اليسار المكشوف ويزعم الانحياز للفقراء!فهل العسكر منحازون للفقراء فعلا وهل يمثلون مصلحة الطبقة الكادحة غي مصر؟وإذا كان الطلاب وكل هذا الحتجاج العارم لا ينتمي للطبفة الفقيرة والمحرومة ؟فأين هي هذه الطبقة إذن؟أم أنّه صار لها اسم جديد:”الإخوان”!
أرى أن بعض الأقلام المصرية والأحزاب المصرية تتعامى عن الحقيقة أو تتواطأ مع أعدائها،وتتلاعب بالكلمات والمصطلحات في محاولة بائسة لتزييف الواقع وخدمة السادة الجدد،ولكن الشعب لها بالمرصاد حتى لوسميتموه :”إخوان”!
الاستاذ د. يحيى مصطفى كامل احييك على هذا المقال لقد درست ففهمت فحللت المشهد فأصبت كبد الحقيقة , حقيقى اوجزت و انجزت