الشاشات العالمية: وداعا للأدباء وأهلا بالأطباء!

حجم الخط
32

كانت باريس تباهي بأنها عاصمة جامعة السوربون والمفكرين، أمثال سارتر وسيمون دو بوفوار والعديد من الفلاسفة، والأدباء من فيكتور هوغو وموليير إلى الكثير من المهاجرين إليها من المبدعين، وتفخر قنوات التلفزيون حين يرضى الأدباء والفلاسفة بالظهور على شاشاتها لحوار كما كانت تحظى برامج فكرية مثل برنامج برنار بيفو بالكثير من المتفرجين. أما اليوم فما من صاحب برنامج أو مذيع لنشرات الأخبار يبالي باستضافتهم، بل صاروا يتسابقون على استضافة الأطباء!
و(باي باي) لأهل الفكر وأهلاً (بالبروفيسورات) في الطب الذين يتحدثون عن حاكم كوكبنا هذه الأيام: السيد الموت واسمه حالياً كوفيد 19، أو وباء فيروس كورونا. وننصت لهم باهتمام بالغ، فالأمر يتعلق بحياة كل منا، وموته!

أدمغة عربية مهاجرة

لاحظت أن الكثير من كبار الأطباء الذين يحاورهم المذيع في نشرات الأخبار الفرنسية وسواها حول وباء كورونا هم من أصل عربي، وبينهم من هو من أصل سوري ولبناني، وأعرف بعض أهلهم.
لقد طاروا إلى الغرب لمتابعة دراستهم في الطب، لكنهم لم يعودوا إلى الوطن بعد التخرج بسبب الاضطرابات السياسية عندنا والقلق على المصير، وهكذا قرروا متابعة أعمالهم كأطباء فرنسيين، وهذا النزف في الأدمغة العربية قلما يبالي به بعض السياسيين في بلادنا العربية. وثمة مستشفيات عربية تدفع رواتب مضاعفة لحملة الجنسيات الأوروبية والأمريكية، ولذا يحرص بعض الأطباء العرب على حمل جنسية غربية قبل ذهابهم للعمل لفترة في أحد البلدان العربية..
أي أن حمله للجنسية الغربية يجعله أكبر راتباً وأكثر أهمية من طبيب بقي في الوطن أو عاد إليه بعد الدراسة في الجامعات الغربية.

هل يسبق الفن واقع الحياة بمعرفة المستقبل؟

شاهدت فيلماً عادياً على الصعيد الفني يدعى «ناقل الرسائل 2»، تمثيل جيسون ستاتن، وهو في جوهره فيلم للتسلية بمغامرات بطله فرانك سائق السيارة للتوصيلات ووقوفه ضد الأشرار على طريقة جيمس بوند، ولكن لفتني في هذا الفيلم الذي عرض للمرة الأولى عام 2008 أنه يحمل نبوءة بوباء الكورونا بمعنى ما، ففي الفيلم يخترع أحد المختبرات وباء ويكفي حقن أحد به ليصاب بالسعال الحاد والحرارة المرتفعة (وبقية أعراض فيروس كورونا) ويموت إذ لا علاج له، ويصيب الآخرين بالعدوى عن طريق التنفس كما مرض كورونا اليوم!
ثمة ترياق ـ (هذا في الفيلم)، أما الطب حالياً فلما يخترع بعد علاجاً أو لقاحاً للمرض الذي اخترعه مخرج الفيلم والشبيه بمرض كورونا، كأن هذا العرض السينمائي نبوءة ولكن بالمصادفة!
والسؤال هــــو: متى يخترع العلم لقاحاً ضد هذا المرض اللعين كما حدث في الفيلم؟ ولماذا يتنبأ فن السينما والأدب بالأوبئة حتى قبل حدوثها؟
وهل ألهم هذا الفيلم ذلك المختبر الذي (صنع) فيروس مرض الكورونا، كما يتهم البعض مختبرات «ووهان» الصينية؟ لا أظن ذلك، ولعلها مجرد مصادفة.

«أغوارا فوبيا» اليوم؟

لمحاصرة وباء كورونا الذي ينتقل حتى بالتنفس لمريض قرب معافى، وبعد موت العديد من الأطباء والممرضات الذين يُعالجون المرضى بالكورونا، ذلك المرض اللامرئي كشبح فتاك، وبعد تحريم مغادرة البيت تقريباً في بعض البلدان، وحتى منع التجول مساء في بلدان أخرى، تم مثلاً في فرنسا السماح مؤخراً بعدم الحجر المنزلي شرط ارتداء كمامة والابتعاد متراً عن أي شخص آخر!
والمضحك المبكي أن الكثير من الناس حتى بعد انتهاء فترة «الحجر المنزلي» (دامت في فرنسا لشهرين) أصبحوا لا يرغبون في مغادرة بيوتهم خوفاً من الإصابة بالمرض الذي لما يخترع العلم بعد لقاحاً ضده.
ولي صديقات وأصدقاء ما زالوا يعيشون فترة الحجر المنزلي باختيارهم، أي ما يدعوه الطبيب النفسي باسم (أغوارا فوبيا)! أي الهلع من مغادرة البيت. ترى، ألم يخطر ببال أحدهم أن الموت قد يداهمهم حتى ولو كانوا في بروج مشيدة؟ أرتاح إلى مبدأ «اعقل وتوكل» حيث يتخذ المرء الاحتياطات الطبية كارتداء القناع والابتعاد متراً عن سواه، ويتابع حياته العادية؛ لأنه سيموت على أي حال أينما كان. ولا توجد وصفة طبية ضد الموت!

رؤساء الجمهوريات: الأطباء لا الأدباء!

طار رئيس جمهورية فرنسا السيد ماكرون إلى مرسيليا لمقابلة طبيب شهير مشهود له عالمياً بالعلم، هو ديديه راؤلت. إنها ظاهرة جميلة في هذا الزمن وواقعية ضرورية، فالشعر لا يعالج وباء كورونا/كوفيد 19! ولا السياسة ولا رؤساء الجمهوريات، فثمة أدوية افتراضية للعلاج من الوباء القاتل اللامرئي، ورأي أهل العلم غاية في الأهمية لكي لا يتناول الناس بعض العقاقير التي قد تؤذي. وهذا السعي إلى أهل العلم زاد من رصيد رئيس الجمهورية الفرنسي.

الرئيس ترامب في دور الطبيب!

على العكس من رئيس جمهورية فرنسا الذي لا يتورط في الإدلاء بنصائح صحية، نجد رئيس جمهورية أقوى دولة في العالم U.S.A السيد ترامب، يلعب دور الطبيب وينصح بحقن مطهرة، وذلك للوقاية كما يتوهم، كما يمتدح أدوية للوقاية قائلاً إنه يتناول قرصاً منها كل يوم!
وتبين فيما بعد أنها مؤذية ومنعت فرنسا بيعها!
ويبدو أن موقف الرئيس ترامب (كطبيب!) شبيه بموقفه كسياسي وانحيازه لكورونا إسرائيل ضد الفلسطينيين!
وأعتقد أنه من الأفضل لرجال السياسة عدم تلبس دور من (يهرف بما لا يعرف) وأن يتركوا الطب لأهله وللعلماء، كما فعل الرئيس ماكرون الذي طار إلى مارسيليا طلباً لرأي طبيب عالم، ولم يستدعه إلى «قصر الأليزيه» بل احترم مكانته الطبية وسعى إليه، ولعله من الأفضل ألا يلعب السياسي دور الطبيب على طريقة ترامب.

الرئيس الفرنسي السابق اعتدى جنسياً عليّ!

ثمة خبر وجدته (طريفًا!) تتناقله الصحف العالمية مؤخراً.
إذ اتهمت الصحافية الألمانية الشابة آن كاترين ستراك، رئيس الجمهورية الفرنسية السابق فاليري جيسكار ديستان (94 سنة!) بالاعتداء جنسياً عليها قبل عامين؛ أي حين كان عمره 92 سنة!
من طرفي، لم أصدق الحكاية، وأشك في أن الصحافية المغمورة تحاول أن تجد سبباً للشهرة (وحصلت عليها إذ تناقلت الصحف العالمية الخبر)..
وأتساءل: هل يعقل أن يحاول رجل في مثل عمره الاعتداء جنسياً على شابة بوسعها «تجندله» بضربة واحدة بسبب تقدمه في السن؟
ولماذا انتظرت عامين بعد الاعتداء الجنسي المفترض حتى باحت به؟
رئيس الجمهورية السابق ديستان طلب من محاميه جان مارك فدبرا، إقامة الدعوى على الصحافية الألمانية الشابة التي أساءت إلى سمعته (ربما طلباً للشهرة)، طالباً اتخاذ الإجراءات اللازمة للتعويض عليه مقابل الأساءة إلى سمعته.
لحظة شك: هل يمكن لخرف الشيخوخة أن يكون قد لعب دوراً في الحكاية؟
لحظة عدالة: لا يحق لأحد اتهام الآخر دونما دليل!.. وإلا لاعتاش كثير من الناس على حصد الشهرة في تهم كاذبة.. والله أعلم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فؤاد مهاني المغرب:

    كم هو جميل ورائع أن يسافر الرئيس الفرنسي ماكرون للقاء بالطبيب الفرنسي بمرسيليا مما يعني أن فرنسا تقدر العلم والعلماء وتهتم بهم كما الغرب بصفة عامة وتخصص له ميزانيات كبيرة واتخذوا الأسباب ولهذا تقدموا وسادوا.
    لكن تعالوا إلينا نحن،إلى منصف السلاوي عالم الفيروسات المغربي والذي عينه الرئيس الأمريكي دولاند ترامب للإشراف على اللجنة العلمية المكلفة بإنتاج اللقاح المضاد لفيروس كورونا المستجد بالولايات المتحدة الأمريكية.منصف السلاوي الذي كرم بالعم سام أهين للأسف الشديد بمنع ه من إلقاء محاضرات علمية بالمغرب بعد أن عاد حاملا الدكتوراه ليخدم بلده فعاد بخفي حنين إلى من يقدرون العلم فحاز بهذا الشرف من أمريكا.
    فهل نتعلم من دروس كوفيد المستجد ونعطي أهمية للبحث العلمي خاصة التعليم والصحة ونصرف أموالنا في ما يفيد شعوبنا العربية عوض صرفها في التفاهات والحروب.
    هل الأدب والفن ليسا سوى من الترف الفكري.فقد ركن نجوم هذين الميدانيين إلى الخلف بظهور كوفيد المستجد وسطع نجم علماء الطب خاصة ذوا الإختصاص بعلم الفيروسات عبر المحطات التلفزية عبر العالم وبرز منهم عرب مجهولين لدينا كمنصف السلاوي.

  2. يقول جوزيف عطيه:

    المغربي ،المغرب
    اظن انك تبالغ في قولك:
    ومساهمة الاول في معالجة الثاني!!!

    1. يقول المغربي_المغرب.:

      يا اخ جوزيف…هذه هي الحقيقة المرة…الفتن ساهمت في ترحيل وتهجير كم هائل من الأطر…والكفاءات والادمغة..في مختلف المجالات…وقدمتها هدية على طبق من ذهب لامريكا والمانيا وفرنسا…من دون ان يكلفها ذلك فلس واحد في تكوينها…هي هدايا مجانية تعود العرب على تقديمها لغيرهم منذ امد بعيد…ليستقر التقدم هناك…ويستوطن التخلف هنا…حبا في تراث الخالة البسوس…وشكرا على التتبع.

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية