الشاعر العراقي هشام عبد الكريم: ليس كل من تَمرَّد على العَمود قدَّم لنا شعرا حديثا

حاوره: مروان ياسين الدليمي
حجم الخط
0

لكل شاعر قراءاته الخاصة لمحمولات الزمن الثقافية، بالشكل الذي تختلف في مخرجاتها وآفاقها عن غيرها، تبعا لروافد ثقافته وتجربته الشعرية، ومن هنا يتراجع مفهموم الأجيال الذي تم تكريسه في منظومة مشهدنا الثقافي العراقي، لأن الشاعر الحقيقي لا يمكن أن يكون إلاَّ ذاته المشحونة بجمر ولاداته المستمرة، ولن يكون شاعرا إلاّ إذا كان له معجمه ومناخه الشعري الذي يشير إليه من بين أترابه، والشاعر هشام عبد الكريم، فاض بحضوره الشعري منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي، حيث بدأ اسمه يتردد في الأمسيات والملتقيات والنشر في الصحف والدوريات الثقافية العراقية والعربية، وما يزال يواصل الانسياق وراء شغفه بعوالم الكلمة، موزعا جهده بين كتابة الشعر الذي يبقى هاجسه الأول، والنصوص المسرحية والكتابة للأطفال، ولا شك في أن اختصاصه الأكاديمي «دكتوراه فلسفة في التاريخ الإسلامي» في جامعة الموصل لن يتقاطع ثقافيا مع نسيج الكتابة الإبداعية التي يمارس فيها تأكيد فاعليته في المشهد الثقافي، هذا إن لم تدفعه إلى الدخول في مغامرات يجتاز فيها أعتاب أزمنة أخرى، لتكتسب بالتالي تجربته خصوصيتها وملامحها، في تأكيد علاقة الجدل القائمة ما بين الماضي والحاضر. وبمناسبة صدور مجموعته الشعرية السابعة، التي حملت عنوان «وبعد…؟» عن دار الينابيع في سوريا 2021 التقت به «القدس العربي» وحاورته حول قضايا مختلفة في شؤون الشعر العربي.

□ مفهوم الشعر تغير كثيرا عن وجهة النظر التقليدية، بالتالي تغيرت المصطلحات التي تدور في فلك الشعر، السؤال: أين أنت من مصطلحي النص والقصيدة؟
■ إذا كنت تعني بالقصيدة (القصيدة العمودية ذات الشطرين وقصيدة التفعيلة) وموقفي منهما، فأنا ما زلت أكتب هذين النمطين، فضلا ًعن كتابتي للنصوص، والذي يهمني في هذا الأمر: هل ما أقدمه من نتاج فيه مستوى من الشعرية أم لا؟ ففي نمطي الشعر (العمودي والتفعيلي) هناك اشتراط الوزن والقافية بالنسبة للشعرالعمودي، والوزن لقصيدة التفعيلة، فضلا عن الصور والانزياحات، وكل ما له علاقة بجماليات الشعر، أما في النص، الذي هو وكما وصفه أدونيس (التعبير شعريا بالنثر) فإن الأمر يختلف، فكتابة النص هي الأصعب لديّ، لما فيها من محاذير، لأن بعض النصوص قد تتحول إلى شبيهة بالشعر المترجم، أو الخاطرة، أو غير ذلك من أنماط الكتابة النثرية فهنا هي (لعبة تنس بافتراض وجود الشبكة).

□ الشعر الحديث، خاصة النماذج التي تمردت على العمود والتفعيلة، طرحت نصوصا جديدة في رؤية الشعر للغة والأشياء، كيف تنظر إلى العلاقة المتبادلة ما بين النص الشعري والمتلقي؟ وأين يمكن أن يلتقيا ويفترقا؟
■ ليس كل من تمرد على العمود والتفعيلة، استطاع أن يقدم لنا شعرا حديثا بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، فهناك من وقع بتقليد نصوص من سبقه، ولم يكتف بذلك، بل تبنى حتى آراءه النقدية، أما العلاقة المتبادلة فهي ستكون وفقا لما سيكون عليه النص، يلتقيان إذا كان النص فعلا يشكل إضافة للمتلقي، ويفترقان إذا لم تتحقق تلك الإضافة.

□ كيف تفرق بين الشعر عن غيره من الذي يعلنون في حالة نشره أنه شعر؟
■ أنا أفرِّقُ من خلال فهمي للشعر الذي قرأته وكتبته وعشته، ولديّ مجسّاتي الخاصة التي تكتشف شعرية النص من عدمها. فالإعلان عن كون المسمى شعرا لا يكفي، فأنا مثلا أشير إلى ما أنشره في حالة كونه نصا أو قصيدة .

□ هل يمكن للشاعر أن يكون مبدعا إذا أنتج نصا في قالب ابتدعه غيره؟
■ سبق أن أشرت إلى الأنماط الثلاثة التي كانت وما زالت مركبا للشعراء جميعا، فنمط القصيدة العمودية التي كتبها المتنبي، هو النمط نفسه الذي كتبه أبو تمام من حيث الوزن والقافية، لكن الاختلاف هنا في الأسلوب، أما القالب فهو نفسه. يا ترى هل في مثل هذه الحالة يمكن إلغاء أحد هذين الشاعرين الكبيرين؟ والمثال نفسه ينسحب على محمد الماغوط وسليم بركات والبياتي والسياب، فالبياتي يكتب قصيدة التفعيلة وبدر يكتبها، لكن لكل واحد منهما أسلوبه، وهكذا الحال مع غيرهم من الشعراء.

□ ماذا تريد من اللغة الشعرية أن تؤكده أو تتجاوزه في النص الشعري في علاقتها مع الأشياء والعالم؟
■ الشاعر الحقيقي هو حفّار دقيق في ما يتعلق باللغة، وهذا الأمر لا يأتي بين ليلة وضحاها، بل هو محصلة لسني عمره كلها، بشرط أن تقترن العملية بالوعي والاجتهاد، وهذا ما أحاوله منذ سنين. وفي وسطنا هناك من يُنَظّرُ لهذا الأمر، من دون تحقيق أي شيء على مستوى المنجز.

□ في إطار العلاقة بين المتلقي والشعر، ما الذي تجده ضروريا لكي تحصل عملية تذوق الشعر، سواء من قبل الشاعر أو المتلقي؟
■ من قبل الشاعر، عليه أن لا يُسرف في الغموض، ولا يكتب بالطريقة التي كتب بها مالارميه شعره، والبعض من الشعراء تكون الأفكار غامضة لديه، فنراه يقود المتلقي إلى دهاليز لا يرى فيها أي نهاية أو كشوفات ما. الشاعر صانع للجمال، فعليه أن يقدمه بجمال. وربما لهذا السبب نجد أن متذوقي الشعر العمودي والتفعيلي ما زالوا يشكلون الأكثرية.

□ انطلاقا من كونك شاعرا، ما شكل العلاقة التي تجمعك مع التراث الشعري العربي؟
■ علاقتي بالتراث قديمة وقراءاتي له غير منقطعة، وهو تراث كبير، وتعاملي معه ليس بالطريقة التقليدية، بل استشراف ما يشكل دفقا لي بصياغات ورؤية جديدتين، وهنا أتذكر ما فعله الروائي نيكوس كازانتزاكي في روايته «المسيح» بحيث أصبح مسيحه ذا مسحة نيكوسية، أحيانا ألتقط أشياء من التراث لم ينتبه إليها الآخرون، عندما تتضمنها نصوصي، فالتعامل مع التراث ليس رصفا لأسماء بارزة فيه.

□ بماذا تعلق على ما قاله أدونيس في حوار سبق أن أجري معه عام 1988 في جريدة «الأخبار» القاهرية إن (الذين يكتبون اليوم شعرا له شكل الأوزان القديمة لا يقدمون شعرا على الإطلاق، إنما يقدمون تشكيلات تقليدية ليس فيها لهب شعري)؟
■ هذا ما قاله أدونيس قبل أكثر من ثلاثين عاما، لكنه ـ وبعد سنوات ـ غيّر من آرائه ولا ننسى بأنه كتب قصائد عمودية، لاسيما لأصدقائه في الخليج، أي أن أساسه كان عموديا، وربما كان لهذا الأساس دوره الكبير في منجز أدونيس الحديث، على العموم فأنا أخالفه الرأي في ما تطرق إليه.

□ ما بين البداية وما أنت عليه الآن، ما الذي يمكن أن تحدده من تغيرات حصلت في تجربتك الشعرية؟
■ هذه التغيرات هي من مهمة النقد، الذي ربما سيشير إليها، أما أنا فبتقديري أن هناك تغييرات حدثت في شعري على مستوى الرؤية والثراء اللغوي، الذي ترك أثره في بناء القصيدة والنص النثري والمسرحي.

□ أنت لم تكتف بالشعر وذهبت إلى المسرح وإلى الكتابة للطفل، فهل كانت هذه المغامرات محاولة لاكتشاف مناطق جديدة للتجربة الشعرية، أم أن الأمر مرتبط بالسعي لاكتشاف الذات في حقول إبداعية ليس لها علاقة بالشعر؟
■ نعم كلها كانت محطات لاكتشاف عوالم جديدة للكتابة، وأنا لست الوحيد في هذا فالشاعر ت. أس أليوت بعد كتابته لقصيدة (الأرض اليباب) كتب مسرحية (جريمة قتل في الكاتدرائية) وهناك الكثير من الشعراء كتبوا الرواية. أحيانا تزدحم الأفكار في رأسي فأبحث لكل فكرة عن شكل يليق بها.

٭ ٭ من اصداراته الشعرية : «موسيقى لردم الحزن» دار الشؤون الثقافية العامة ـ بغداد 1999. «بلقيس تبحث عن سبأ» دار شهد – الموصل 2006. «قريب.. بعيدون» سلسلة نون ـ الموصل 2010. «لا أحد ينتظر القادمين» دار الديار للنشر والتوزيع ـ الموصل 2013. «خرائط المعنى» دار المرايا للطباعة والنشر- بغداد 2016. «ليل أطول» دار الينابيع سوريا 2017. «وبعد…؟» دار الينابيع ـ سوريا 2021. «ربما حين يجيء» (مسرحيات) دار نون/الموصل 2020 .«الموجة الجديدة» (مجموعة مشتركة) دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد. «أغنيات الحرب»(مجموعة مشتركة) مؤسسة جامعة الموصل للطباعة والنشر. «قراءة عسيرة في قريب.. بعيدون» البروفيسور إياد العبار/ دار نون للطباعة والنشر/الموصل 2017. «ربما حين يجيء» (نصوص مسرحية) دار نون للطباعة والنشر/الموصل 2019. وله في التاريخ: «الحنيفية والأحناف عند العرب» دار الموسوعات العربية – بيروت 2014. «عمرو ابن معد يكرب الزبيدي» فارسا وشاعرا( تحت الطبع ). وله في أدب الطفل: «أحكي لكم»(مجموعة شعرية).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية