مشهد تعودت عليه كلما مررت بتونس ذهابا وإيابا، مقاه تختزن أحلام كل التونسيين تستنشق رائحة آهاتهم وأناتهم مع دخان السجائر ورائحة القهوة تتحسس أحلام الشباب المجهضة يلتمسون بعض الأمل في عيون زائريها عربيا أو غربيا ينفق بسخاء إرضاء لرغباته الشخصية أين ما حل غير أن السياحة وحدها لا ترضي متطلبات جيش من العاطلين الشباب. لكن المأساة الحقيقية والتي لا تخطئها العين في المقاهي والشوارع، ذلك الشاب التونسي الأنيق والذي غالبا ما يحمل شهادة عليا يتأبط يد سيدة غربية متهالكة بفعل الأيام والليالي لا ترضى للأيام إستسلاما قد احدودبت الظهر وتحددت قسمات وجهها يصطحبها لا لشيء سوى البحث عن بارقة أمل في الهروب بواسطتها إلى الشاطئ الأخر من البحر الأبيض المتوسط لعل حظه يكون أكثر إتساعا في بيع الصحف وغسيل الأطباق أو جني الثمار في مزارع أوروبا. لم تعد تونس كما أغلب الدول العربية إذ المشهد لا يخص تونس وحدها فالصورة تتشابه في باقي الدول العربية تلبي مطالب شبابها حتى بعد قيام الثورات، إذ يبدو المشهد أكثر قتامة في الوطن العربي، وذلك مرده في نظري لعاملين أساسيين: أولها خارجي، وثانيها داخلي. فالعامل الخارجي يتمثل في الدول الغربية التي ما قبلت الثورة إلا مكرهة وبعد أن فكرت وقدرت أن الثورات لن تكون في صالحها أبدا، عملت على إجهاضها من الداخل بوسائلها الخاصة والتي تعرفها جيدا. أما العامل الداخلي فحكومات ما بعد الثورة ورثت أنقاض دول مصممة على مقياس حاكم واحد ومنهارة بفعل تراكمات الفساد ورجال أعمال وشركات ومستثمرين لا يرضون إنسياقا للوضع الجديد بل لا يرونه في صالحم. إذن فمن الطبيعي أن لا نتوقع وعودا كبيرة في القريب العاجل، فالحكومات الحالية لا تملك حلا سحريا جاهزا بعد اصطدامها بالواقع، فخطواتها ستكون متثاقلة وأيديها مكبلة هذا إذا سارت في الإتجاه الصحيح، وكان الغرض خدمة شعبها، أما إذا كان الأمر طلاب سلطة وتعجل حكم، كما يقول البعض فربك الفتاح. ومن المآخذ على الحكام الجدد أنهم لم يصارحوا شعوبهم قبل الإنتخابات ولا بعدها وأغرقوهم بوعود لا يملكون الوفاء بها أو لم يكونوا يحسبون الأمر حسابا صحيحا أو لو يتصوروا المشهد بهذا القتامة فالأمر سيان هم من يتحمل مسؤولية خطأ تقديرهم. محمد محمود الطلبة الصين [email protected]