إلى جانب أهمية نتائج الانتخابات القريبة، من المهم أن نفهم البنية التحتية العميقة لعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة، فضلاً عن سؤال هوية الرئيس وتشكيلة الكونغرس. هذه شراكة في الفكرة الأساس، والتي تنعكس بمواقف منتخبي الشعب، وبتطابق واضح للمصالح يؤثر على اعتبارات الإدارة.
ثمة شبه عظيم في جانب مهم من الفكرة المقبولة في التيار المركزي للشعب الأمريكي والجمهور في إسرائيل. فضلاً عن الالتزام الأساس بالنظام الديمقراطي وبالحريات الفردية، يدور الحديث عن فكرة أساس تحترم الفرد والجماعة التي تكافح في سبيل البقاء والنجاح حتى في ظروف صعبة ومحيط عنيف. فهؤلاء لا يخافون عندما لا يكون هناك بديل آخر وفي خدمة هدف عادل، من استخدام القوة لفرض إرادتهم. وبسبب التأثير البارز لوسيلة السينما، لعله من المسموح لنا أن نسمي -بتبسيط مغتفر- الصيغة الأمريكية لهذا الموقف “فكرة جون واين وبروس ويلس”. هذه ليست مقبولة في أوروبا، وهي تصنف أحياناً بنفور كـ “فكرة الكاوبوي”، وتعتبر مرفوضة ومتخلفة في الجامعات الأمريكية، وفي وسائل الإعلام والدوائر “التقدمية” وفي أوساط الأغلبية الليبرالية ليهود الولايات المتحدة. غير أنه لا يمكن بدونها أن نفسر العطف العميق لإسرائيل في أوساط نحو ثلثي الجمهور الأمريكي، ولا سيما الجمهوري، وأيضاً في أوساط الديمقراطيين الذين لم يتأثروا بموضة الراديكالية. تعتبر إسرائيل في نظرهم عنصراً ديمقراطياً وبناء مهدداً ومصمماً على أن يفعل “ما ينبغي”، بما في ذلك استخدام القوة، للدفاع عن نفسه. وهم يحترمون ذلك.
في مجال المصالح المشتركة، تتخذ في العالم وحتى في الولايات المتحدة وإسرائيل صورة مغلوطة تماماً، أصلها في جهل عميق أو في تشويه مقصود. وهذه تعرض العلاقات كوليدة عطف لإسرائيل وتأييد المقترعين اليهود أو عمل اللوبي المؤيد لإسرائيل، رغم المصلحة الأمريكية “الحقيقية” في تأييد “العرب”.
أولاً، كل العرب المهمين للولايات المتحدة يكادون يعملون بالتشاور مع إسرائيل ويثقون بها.
ثانياً، حتى الرؤساء غير العاطفين، بل واللاساميين، اتخذوا سياسة ساعدت إسرائيل (نيكسون مثلاً)؛ ورؤساء كانوا -في نظر أنفسهم- عاطفين لإسرائيل، وكانوا أحياناً مصممين “على إنقاذها من نفسها” (أوباما مثلاً).
ثالثاً، أيباك (اللوبي) هو وكيل مبيعات فاخر وذكي ومتفان لإسرائيل، ولكن لو كانت “البضاعة” الإسرائيلية مضروبة، لما كان يمكن حتى للوكيل الأكثر كفاءة أن يبيعها على مدى ثلاثة أجيال: قوة اللوبي في الكونغرس تقوم أساساً على عمق التأييد الجماهيري.
رابعاً، اليهود أقل من 2 في المئة من الناخبين. وأغلبيتهم الساحقة تؤيد تلقائياً المرشحين الديمقراطيين، ولم تكن إسرائيل اعتباراً بارزاً في تصويتهم.
“البضاعة” الإسرائيلية مطلوبة بسبب الفكرة الأساس التي ذكرت آنفاً، وبخاصة بسبب المصلحة الأمريكية. من ناحية الولايات المتحدة، توجد في إحدى المناطق المهمة في العالم جهة تدمج ست خصال، لا يشملها أي حليف آخر كلها: إسرائيل قوية ومستقرة ومسؤولة ومصممة، ودوماً مؤيدة لأمريكا، وهي الوحيدة بين كل الحلفاء التي لا تطلب أن يقاتل جنود أمريكيون للدفاع عنها. هي قوية عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً، وهي ديمقراطية أثبتت استقرارها حتى في أوقات الأزمة. تنعكس مسؤوليتها في اللجم أمام تهديدات متواصلة لأجيال لم تشهد أي دولة ديمقراطية مثيلاً لها. وفي حذرة بالنسبة لقدراتها الاستراتيجية المنسوبة لها.
لتصميمها على العمل في ساعة اختبار، يصعب إيجاد موازٍ لها بين الديمقراطيات. لم تقف في أي مرحلة إلا في المعسكر الأمريكي. ولا تزال إسرائيل شريكاً صغيراً للقوة العظمى الأمريكية، ولكنها ليس شريكاً بائساً. الولايات المتحدة تضطر لأن تقلص وجودها المادي في الشرق الأوسط كي تركز اهتمامها العالمي في آسيا، ولا سيما في بحر الصين الجنوبي. وقد تسمح لنفسها بأن تتصرف هكذا إذا ما تركت في المنطقة تحالفاً لدول مؤيدة لأمريكا معنية بالحفاظ على استقرار نسبي في المنطقة. إسرائيل، القوية، المستقرة والمصداقة، هي مدماك حيوي في هذا التحالف.
الرؤساء يأتون ويرحلون؛ بعضهم يعمل بالتشاور مع إسرائيل، وآخرون منصتون أقل بكثير لاحتياجاتها. فضلاً عن الفوارق المهمة هذه، ثمة بنية تحتية متينة وقيمية واستراتيجية لشراكة عميقة. وقد بقيت في الماضي ونجت حتى من إدارات غير ودية.
بقلم: دان شيفتن
إسرائيل اليوم 2/11/2020