الزمن الذي نكتب فيه يتحدد زمنيا في شهر رمضان المعظم الذي فيه يصوم المسلمون المتواجدون في الجزر البريطانية قرابة العشرين ساعة إلا نصف الساعة وما بين ساعتي الإفطار والإمساك ساعات لا تزيد عن الخمس، في هذا الزمن- على الأقل بالنسبة لي – هناك مشهد تزامن وارتبط بإشكالات فرز المرحلة الانتقالية الصعبة في أهم عاصمة، مما عرفت بعواصم الربيع العربي ألا وهي القاهرة، التي استحوذت على المشهد السياسي والإعلامي كله، التي كان يرجى منها قبيل خلخلة موازين القوى فيها أن ترسخ وترسم مسارا جديدا للنهوض السياسي والديمقراطي والاجتماعي تحت عباءة الإسلامويين ليس في مصر فحسب، بل في أن تقدم مثالا يبنى عليه وفيه بين الأمم العربية والإسلامية أو الدول المحيطة بمصر أو تلك التي تطمح أو تتصارع – عنفا أو سلما أو صندوقا أو تحت ستار فكرة سرقة ثورة ما- لبلوغ راية الإسلام الحركي.
السلطة بثمن أو بأي ثمن، حيث كان من المفترض كما ترجح نخبة سياسية مستنيرة في حقل علم الاجتماع السياسي، أن يقدم الإسلامويون في مصر باعتبارهم يمثلون مرجعية للإسلام الحركي في المنطقة – نتفق أو نختلف معهم- أنموذجا جديدا في الرقي بمفاهيم الدولة الحديثة الديمقراطية و المدنيــــة القائمة على المواطنة والعدالة والمساواة وحــــق العـــــقد الاجتماعي كشأن ‘آل عثمان’ في تركيا، فضلا عن ذلك هناك ضرورة ملحة في ان يقدم العقل الإسلاموي المشرقي منه على الخصوص مقارنة برصفائهم من الإسلامويين في المغرب العربي نقدا أبستمولوجيا يمكنهم ويساعدهم على تصحيح مسارهم التاريخي خصوصا في ورطتهم التاريخية مع الحكم والمال والثروة وعقل
التمكين والإقصاء وثقافة الكتب الصفراء كجزء من البنى الفكرية والفلسفية والمرجعية في كونهم مشروع سلطة شهوانية دكتاتورية أكثر من مشروع نهوض اجتماعي خلاق وسماوي وفريد، كما يقدمون أنفسهم أو ما يفترضه مناوئوهم من الليبراليين واليساريين والديمقراطيين والقوميين، ولذلك اضاعوا كما نعتقد فرصة تاريخية تبرعت لهم بها فترة مهمة من التاريخ السياسي للمرحلة في المنطقة، التي كانت كفيلة بأن يعملوا فيها على تصحيح مسار منظومة سياسية فكرية كاملة، طالما كان تاريخها كما راهنها الماثل واقعا تحت طائلة مشروع يتنافي وقيم العقل والعقلانية، وفق وجهة نظر كثيرين وهو حكم يتشكل عبر وعي قطاع فكري وإنساني واسع، فيما يذهب رأي آخر وهو الأكثر تطرفا حيث لا يرى لهم موقعا في التاريخ إلا غياهب سجون حسني مبارك وبن علي …إلخ وهو موقف يتنافي وقواعد اللعبة والصراع السياسيين، متى ما كانت الأطراف مؤمنة وملتزمة به، والراصد يرى أن الأهم في ما عرف بقطع مسار ‘أخونة’ المجتمع المديني الحداثي في مصر في الثلاثين من حزيران/يونيو، كانت هناك تجربة إسلاموية موازية وهي مريرة في جنوب وادي النيل، وأعني بها التجربة السودانية، حيث فيها احتفل الإنقاذيون الإسلامويون الجهويون القبليون السودانيون بمرور ربع قرن على ثورتهم في الثلاثين من شهر يونيو نفسه، وهو اليوم ذاته، فبدت مفارقة بارزة، الثلاثين من يونيو في شمال الوادي، انقسام تتنازعه قيم ‘الشرعية الإسلاموية عبر الانتخاب’ و’الشرعية الشعبية المتحالفة مع شرعية المؤسسة العسكرية’، فيما جنوب الوادي يتنازعه جدل ‘شرعية إسقاط النظام’ و’شرعنة استمرار تدمير الوطن’ وانقسامات المجتمع حوله، التي يصعب حصرها شكلا وموضوعا، وهي حقا مفارقة في أن يقطع ليبرالي شمال الوادي مشروع التمكين الإسلاموي بعد عام فقط، في حين ظلت شعوب جنوب الوادي ترزح تحت عباءة التمكين الإسلاموي حوالي ربع قرن في ظل منعطفات تجاوز فيها إسلامويو جنوب الوداي فبركات الإسلام السياسي لصالح الاختفاء تحت ‘العمامة السودانية ‘عبر لواء الجهة والقبيلة والسحنة وبناء المثلثات و المربعات الإثنية التي تحمي ذلك، وهو سر بقائهم. وهنا ألحظ باهتمام عندما يتم الحديث عن المشروع الإسلاموي في المنطقة من طرف مفكري هذا التيار ومناهضيهم عبر برامج ومناظرات إعلامية لا تتم الإشارة إلي ما يعرف بالمشروع الإسلاموي ‘الحضاري’ في السودان، وحتى عندما يأتي ذكره عرضا من خلال النقاش يتم تجاوزه، فيما يتم الحديث عن المشروع الإيراني و الصومالي!!وهو معطى يعكس حالة التبرؤ من الحالة السودانية إن لم تكن تدخل في دائرة الخجل منها.
‘ كاتب سوداني مقيم في بريطانيا