يصنف العالم السياسي ماكس فيبير الشرعية السياسية في الحكم إلى ثلاثة أصناف: الشرعية التقليدية، وتتمثل هذه الشرعية في سلطة مطلقة مدى الحياة لزعيم يحكم تقليديا بمجموعات بشرية أو مناطق، أو حتى دول أبا عن جد حسب أعراف محلية في صلب قبيلة أو عشيرة، أو مجتمع تقليدي.
الشرعية الكارزمية (شرعية القائد الملهم): وهذه الشرعية تنحصر في أشخاص قاموا بأعمال، أو طرحوا أنفسهم كأشخاص قادرين على إخراج البلاد من أزماتها، (كمصطفى كمال مثلا الذي استطاع أن يحافظ على الدولة التركية بعد معركة غاليبولي، أو ماوتسي تونغ قائد الثورة الصينية، أو فيدل كاسترو زعيم الثورة الكوبية، أو هوشي منه زعيم الثورة الفيتنامية..). وفي أغلب الحالات يستمر «القائد الملهم « في الحكم مدى الحياة.
الشرعية الديمقراطية
وهذه الشرعية تعطى لشخص اعتمادا على انتخابات عامة حرة يحظى فيها المرشح بأكثرية الأصوات، واستنادا إلى هذه الشرعية المحددة في الزمن حسب بنود دستورية يتمتع الحاكم بصلاحيات محددة حسب دستور كل دول ويطاع بتطبيق القوانين المراعاة في الدولة. هذا التصنيف الأخير لاينطبق حتى اليوم على أي دولة عربية (باستثناء تونس حاليا التي تدخل في مخاض ديمقراطي بعد ثورة 2011)، رغم أن معظم الدول التي تعتمد النظام الجمهوري تدعي أنها « أنظمة ديمقراطية» وتجري انتخابات صورية..
حالة خاصة
وتمثل سوريا حالة خاصة لا تنتمي إلى أي من هذه التصنيفات منـذ أن وقـعت سـوريا تحـت سلطة الأسد. بدأت هذه العهدة الأسـدية عمـليا منـذ أن دخـلت سـوريا مرحـلة حكم البـعث بعد انـقلاب 1963 والإطاحـة بالنظـام الديمـقراطـي.
وتغلغلل الحزب في الجيش، والجيش في الحزب، وجاء ما يسمى بحركة 23 شباط/ فبراير (حركة داخل حزب البعث ضد القيادات التقليدية) لتثبت أقدام حافظ الأسد كقائد سلاح الطيران ووزير الدفاع فيما بعد، وكوزير دفاع كان هو من قاد حرب حزيران/يونيو، وهو من أصدر البلاغ رقم 66 الشهير والذي يأمر الجيش بالانسحاب من الجولان طوعيا بحجة أن الجيش الإسرائيلي قد احتل مدينة القنيطرة وفي الواقع كان بلاغا كاذبا والجيش الإسرائيلي لم يكن قد وضع قدما واحدة في القنيطرة ولا في الجولان ككل.
هذه الواقعة مازالت إلى اليوم تتفاعل خاصة بعد إعلان دونالد ترامب السيادة الإسرائيلية على الجولان. لكن الجنرال الأسد بدل أن يستقيل، أو ينتحر بعـد الـهزيمة التي وصفها بـ«النكسة»، واعتبر أن نظام البـعث قد انتـصر « لأن إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها وهو إسـقاط النظام الثوري في دمشق» انقلب على رفيـقه اللواء صلاح جديد، في العام 1970 تحـت مسمى « الحركة التصحيحية» واغتيال رفيقه الآخر محمد عمران (والكل ينتمي للـطائفة العلـوية).
بمفهوم آخر أن الذي قدم نفسه «كقائد ملهم» لإخراج سوريا من أزمتها، أدخل بنفسه سوريا في أزمة أكبر وإعقد تعاني مـنها مـنذ أكثر من ستين عاما، وقام بضرب المعارضـة السورية التي رفضت حكمه والتي انتـهت بمجزرتين كبيرتين (مجزرة سجن تدمـر في العام 1980 ومجـزرة حمـاة في العـام 1982).
فقد الشرعية
وعليه فإنه فاقد للشرعية الكارزمية كقائد ملهم استولى على الحكم بحجة مقدرته على إخراج البلاد من أزمتها. وخلال ثلاثة عقود من حكمه عمل الأسد على تعطيل كل المؤسسات، والأحزاب، والإعلام الحر، وكل ما يمكن أن يضغط في اتجاه التحول إلى نظام ديمقراطي، فخلال ثلاثة عقود لم تجر أي انتخابات عامة لمنصب رئيس الجمهورية.
أسس عددا من الأجهزة الإستخباراتية (المخابرات العسكرية والمخابرات الجوية وأمن الدولة والأمن السياسي) المرتبطة بمكتب الأمن القومي في حزب البعث، كما وضع دستور 1973 الذي يضمن له صلاحيات واسعة، ولحزب البعث الذي بات «الحزب القائد للدولة والمجتمع»، واستمر في الحكم حسب استفتاءات شعبية حيث لا منافس له، وليس بالانتخابات الحرة، وتنافس الأحزاب، وعليه فإنه فاقد للشرعية الديمقراطية. إثر وفاته في العام 2000 تم تنصيب وريثه بشار كأي نظام ملكي، وهذه سابقة في سوريا التي تعتمد النظام الجمهوري.
وقد تم تعديل الدستور سريعا كي يتلاءم مع عمر الوريث الذي لم يتجاوز ال 34 سنة في حين ينص الدستور أن يكون عمر الرئيس ان لا يقل عن الاربعين سنة. استمر بشار الأسد، الوريث في الحكم على نهج أبيه، ولم يقم بأي انفتاح سياسي، بل إن القبضة الامنية، والاعتقالات، والفساد دفعت بالشعب السوري بعد أحد عشر عاما من حكمه إلى الثورة التي انتهت بتدمير سوريا ومقتل نصف مليون انسان، وتهجير ستة ملايين، ونزوح الملايين، وتمكين قوى دولية وإقليمية من وضع أقدامها في سوريا. رغم كل ذلك ما زال يستمر في الحكم بعد نصف قرن من حكم عائلة الأسد ولكن بأي شرعية؟
كاتب سوري يقيم في باريس
مقال واقعي ووصف عميق لواقع المنطقة العربية .. والحال اما توريث عائلي أو حزبي أو عسكري ، وربما تكون تلك الصفات مجتمعة حين يمسك ( القائد ) بما تقدم ، وربما يفكر في اكتساب السلطة الدينية ليكون نصف حاكم والنصف الاخر اله ..
الذي ينشد التغيير الشامل سيصطدم بأسوار الديكتاتورية ، والتي لا يتصور مدى قسوتها سوى الذين جربوا مجابهتها . .
أمنياتي بان يعم السلام ، وان تكون هنالك مؤسسات دستورية وديمقراطية حقيقية ، وعلى المنطقة العربية مغادرة مفاهيم واساليب التمييز والكراهية والتناحر .
جزيل الشكر لكم استاذنا الكبير د. رياض معسعس
تحياتي
نجم الدراجي