الحدود العربية التي تم فرضها بالقوة من قبل القوى الاستعمارية، ظلت مصدرا للشقاق والاحتراب، وغياب الاستقرار في المنطقة. وعملية البحث عن صيغة أفضل للحفاظ على المصالح طويلة المدى، بالنسبة لقوى الهيمنة تجسدت بقيام إسرائيل عام 1948.
وكانت أولى خطوات المشاريع الاستعمارية الغربية لفرض مشروع الشرق الأوسط الجديد كمشروع للهيمنة الغربية الاستعمارية. وتوالت منذ ذلك الحين المخططات والمقترحات من جانب بريطانيا وأمريكا، لتبديد المشروع العربي وتفكيك حركة التحرر العربية لصالح مشروع الشرق الأوسط، الذي يتوسطه المشروع الصهيوني. وواقع الأمر يؤكد أن خيار المقاومة يواجَه أيضا بتحديات قد تفوق ذلك الانقسام وآثاره السلبية، التي لا يمكن التهوين من أخطارها. في وقت لا يفتقر فيه الشرق الأوسط للاستقرار فقط، بل هو بؤرة للعدوان والإرهاب السياسي. وهو الفضاء الأكثر تعقيدا واختراقا ضمن سياسات العلاقات الدولية. والتدخل الخارجي في المنطقة يتم منذ فترة مبكرة من التاريخ السياسي المعاصر. وعلى حد تعبير مالكولم ياب، فإن تاريخ الشرق الأدنى يُكتب غالبا وكأن » دوله عبارة عن أخشاب طافية في بحر العلاقات الدولية، وأن مصيرها يتحدد بواسطة قرارات الآخرين».
وليس مستغربا أن تكون المنطقة التي تضم أكبر احتياطات النفط والغاز، مسرحا لصراعات القوى التقليدية والصاعدة في العالم. ومشروع الشرق الأوسط الكبير الذي خطط له معهد أبحاث السياسة الخارجية منذ 2005 وتُرجم في كتابات وارن رودمان، وآن أرمسترونغ، ونورمان أوغسطين، وجون دانس، وآدم فينكل، وجون كالفن، ونيوت جينغريتش، وجيمس شليسنجر، وهاملتون لي، وغيرهم، يضم العالم العربي وتركيا وإيران وآسيا الوسطى والقوقاز، ولا يستثني إسرائيل بطبيعة الحال، من حاصل الضرورة التي عبّر عنها زلماي خليل زاد أحد خبراء الإدارة الأمريكية، السفير السابق، ومهندس الحرب الأمريكية في أفغانستان، من أن تعبير الشرق الأوسط الكبير، أصبح ضروريا لالتقاط ونظم المحاور الأساسية التي تميز البيئة المتجانسة لهذه المنطقة. وهي تصبح يوما بعد يوم، أكثر أهمية عما عداها، لتآكل الحدود الفاصلة بين أمن الشرق الأوسط والأمن الأوروبي والأمن الأوروآسيوي. على اعتبار أن هذا التآكل حدث نتيجة لتطور التقنيات وانتشار الأنظمة العسكرية الحديثة، ونمو التداخل، والاعتمادية الاقتصادية والسياسية المتبادلة بين هذه المناطق. ناهيك من تمدد الظواهر المختلفة مثل الإرهاب العابر للأمم، وتهريب السلاح والمخدرات من قبل التنظيمات وأمراء الحرب وأحيانا الدول، وكذلك تدفق اللاجئين، والهجرة غير النظامية ومشاكل الاندماج.
لن ينصف العرب تفرقهم، وتشتت قرارهم وانشغالهم بحصار بعضهم، ومهاجمة المستضعفين بينهم
تحددت ملامح البيئة الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير ضمن مسعى تمييز، أو إعادة تحديد ما يسمى بالعوالم الاستراتيجية في هيكلية النظام العالمي الجديد. والملاحظة المهمة التي ساقها محمد السعيد إدريس بهذا الخصوص، هي وجود تدخل إسرائيلي قوي وملموس في ضبط مفهوم هذا الشرق الكبير، والدفع به كخيار أمريكي استراتيجي. ووجود مسعى أمريكي قوي لتوريط أوروبا من أجل الانخراط في تبني المشروع، كاستراتيجية مشتركة للنظام العالمي الجديد. وكل ما واجهته الأمة العربية من تحديات في فترة النظام العالمي السابق ثنائي القطبية، ومن ثم ظهور معالم نظام عالمي جديد، سعت فيه الولايات المتحدة إلى فرض هيمنتها الكاملة على مقدرات الإقليم وثرواته، وفي مقدمتها الثروات النفطية. من الضروري أن تُستخلص دروسه في هذه المرحلة من تعدد الأقطاب، وبداية تغير ملامح الهيمنة الأحادية، وصعود قوى وتكتلات جيوسياسية واقتصادية جديدة في مقدمتها الصين وروسيا الاتحادية. فقد فعلوا كل شيء ليضعوا المنطقة في خط مواجهة معهم، ولن يكفوا عن اعتبارها مصدر خطر عليهم، رغم ما ينسجونه من انفتاح دبلوماسي، يراكم ذلك الربط بين الديمقراطية والسلام، ويعزز الأوهام التي زرعوها منذ غزو العراق، بإعادة صياغة المجتمعات، وضبط تفاعلاتها، واحتواء النظام الرسمي. وحرصوا في كل مرة على استخدام الحجج الأخلاقية لإضفاء الشرعية على القرارات المتعلقة بالسياسات الخارجية وإعطائها شكلا مقبولا.
وتطول لائحة الأسباب المشروعة، مثل مساعدة الشعب على التحرر من نير الاستعمار، أو مساعدة شعب آخر على التخلص من ديكتاتورية مقيتة. ولا يبدو أن اللائحة سيجري إقفالها قريبا. والتلاعب بالرأي العام متواصل على مستوى عالمي، على قاعدة أنه لا يمكن خلق تعاطف مع قضية ما، إذا لم يكن لها أساس. وهنا يتم تصعيد عمليات التضليل الإعلامي، وإخفاء الصراع المستمر الذي عبر عنه نجيب عازوري في فترة مبكرة منذ مطلع القرن الماضي، بالقول »إن هناك حادثين مهمين من طبيعة واحدة، ولكنهما متعارضان. وهما يقظة الأمة العربية، والجهد اليهودي الخفي لإنشاء إسرائيل القديمة من جديد، وعلى مقياس أوسع. ومصير هاتين الحركتين هو الصراع المستمر إلى أن تغلب إحداهما الأخرى «.
واليوم يتضح أن أحد أهداف هذه الهندسة السياسية لخريطة الشرق الأوسط، هو إعادة توجيه مسار العلاقات العربية، باتجاه ربطها بإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، ضمن إطار العلاقات الثنائية، وعلى حساب العلاقات العربية، العربية والاتفاقيات الثنائية والجماعية للتعاون الاقتصادي والتجاري والأمني. والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته اختصر الخطوات من خلال ما أظهره إلى العلن من قرارات تردد رؤساء سابقون بشأنها، وترِكتُه ثقيلة بالنسبة إلى الرئيس المنتخب. والتحالفات الجديدة هي تجسيد للمشروع الأمريكي الذي عمل على خلق روابط وثيقة تصل حد التحالف بين إسرائيل وقوى الاستبداد السياسي والاقتصادي في الداخل العربي. ووصل الأمر أن لا تجد الجامعة العربية من يترأس اجتماعها، وهي التي كان تأسيسها عام 1945 خطوة في الطريق المخالف لمسار تطور أحداث مشروع الشرق الأوسط، والتصدي العربي للمقترحات البريطانية والأمريكية، وتحويل الصمود إلى مواجهة بعد قيام ثورة يوليو في مصر عام 1952. ولن ينصف العرب تفرقهم، وتشتت قرارهم وانشغالهم بحصار بعضهم، ومهاجمة المستضعفين بينهم. وعليهم العودة إلى تمتين روابطهم القومية الجامعة كأمة موحدة، تستطيع أن تواجه تنامي القوميات الأخرى، وطموحها في الهيمنة والتوسع الإقليمي. وتحد من سطوة القوى الرأسمالية الخارجية التي يقودها النظام الامبراطوري الأمريكي وحليفه الصهيوني. لأن صراع المشروعات وإعادة رسم الخرائط السياسية في المنطقة، تُبنى على قاعدة التقسيم العرقي والطائفي والاصطفاف الأيديولوجي، وهدفها الحيلولة دون وحدة العرب، وفرض التجزئة والتشرذم والاستقطاب، كمصير أبدي خانق، وكواقعية جيوسياسية لا خروج عنها.
كاتب تونسي
ذلك ما تعمل عليه الدوائر الغربية عموما والامريكية خصوصا ولاشك ان الاعلام بوصفه القوة الناعمة ىالمؤثرة تعلب دورا في تمرير تلك المشروعات وجعلها مبررة ضمن إطار اخلاقي بينما الراصد لتلك المشروعات يعلم جيدا ما يكمن خلفها من غايات ما يؤلم كعرب وان كنا نعيش في المهاجر الغربية ان ما يسمى بالدول العربية منخرطة بتلك المشروعات دون اي اعتبار للكثير من الثوابت والعواقب المستقبلية .
مؤكد استبرق، هو زمن التنظيم الفكري للأحقاد السياسية. الاعلام هو في مقدمة القوة الناعمة . الفهم الجيد للأحداث قد يشوشه الاستخدام البلاغي للأخلاق التي يستخدمونها من أجل شرعنة كل شي. مؤلم فعلا الانخراط العربي دراية أو تغافلا في تلك المشروعات.
دام حضورك. وأشرقت أيامك
مقال مثير للاهتمام ويتمتع بالاهمية. لعل المحور الاساس في اي مشروع تطويع او هيمنة غربية (ناعمة او خشنة) على الامة العربية هو محور الاستبداد مقابل الديمقراطية في دولها. قد يصعب استشراف المستقبل، لكن من الواضح ان سيناريو الاستبداد هو الاكثر تطبيقا حاليا ويتم استغلال وباء كورونا لتعزيز مكاسب هذا السيناريو. لكن من المتوقع ان يخفق هذا السيناريو بصورة فاضحة في تعزيز التنمية الاقتصادية والاستدامة المالية والصحة العامة في الدول العربية وبالتالي تظهر من جديد مكامن “ربيع” جديد لكن بعد معاناة بشرية ضخمة يعلم الله حجمها.
باحثنا العزيز،فعلا، الاستبداد حالة عربية متواصلة ومؤكد أن مثل هذه الأنظمة تراكم الظروف الموضوعية لسقوطها. لأنها أوصلت الأوضاع العربية إلى حالة من الانسداد على جميع المستويات. ولا بد من ربيع جديد بأهداف واضحة وبجرأة وقناعات توصل الشعوب العربية إلى حياة كريمة.
حضورك نعتز به، أنار العقل طريقك.
من الواجب تعزية ترامب وبعض الأنظمة العربية “المطبعون الجدد” الذين أهانوا أنفسهم وتذللوا بشكل مخزي ويسهلون تحقق مشروع الشرق الأوسط الجديد. تسليم فلسطين للاسرائيلي شراكة أمريكية اسرائيلية وعربية للأسف. فعلا ثنائية السلام والديمقراطية اشتغلوا بها ووظفوها في التقسيم والتجزئة. وخربوا المنطقة واستغلوا الهوان العربي والذرائع التي كرستها أنظمة الاستبداد والفساد “السياسي والاقتصادي”.
صحيح. هي شراكة وتخاذل عربي بدرجة أولى . وتراكمات من هذا النوع أوصل فلسطين إلى الوضع الآني.
شكرا أحمد. دام حضورك
السؤال المطروح هل ما لخصه سمير أمين مازال قائما وهو أن التناقض يتولّد عن تنوع المصالح التي تمثلها الدول. “الإقتصاد يوحّد الأطراف المشاركة في النظام الامبريالي فيما تفرّق السياسة بين تلك البلدان”. ولكنهم اجتمعوا على اللقمة السائغة “اقليم الشرق الأوسط” ومازالت مشروعات التقسيم والسيطرة متواصلة.