الشعب يريد إسقاط العطلة!

أحداث كثيرة أعقبت الحراك الشعبي في الجزائر، وستستمر في مصاحبته في ما يستقبل من أيام. وإذا لفتني كما لفت الجميع موضوع الرحيل الذي ليس رحيلا، والإحباط الذي سرعان ما تملك نفوس الجماهير التي وضعت أمام أمر واقع يدعى تمديد العهدة الرابعة، فإنني أريد في مقال هذا الأسبوع التوقف عند حلقة من المسلسل (الذي اتمناه من كل قلبي، مسلسل تأسيس الديمقراطية الحديثة في الجزائر) سجلت خطوة لا يسع أستاذ إلا أن يقف منها موقف المستغرب.
إن تقديم العطلة الجامعية بل المدرسية ككل في محاولة للتخفيف من حدة حراك شعبي أمر مربك حقا، مربك أولا لأنه من غير الوارد أن يؤثر مثل هذا القرار على الطلاب والتلاميذ الذين «يأتون من بعيد»، ففرضية أن يغادر هؤلاء العاصمة بسبب إغلاق المجمعات السكنية التي يقيمون فيها أثناء الموسم الدراسي، فرضية لا تستقيم أصلا. لا أشك في أن يقدم طلاب الجزائر العاصمة وتلاميذها وأساتذتها عن استضافة زملائهم القادمين من باقي المحافظات في بيوتهم، حتى إن صعب عليهم الأمر. فمصلحة الحراك تعلو فوق كل اعتبار ثم أن الشعب العربي يعرف معنى الأخوة وكرم الضيافة أيا كانت الظروف.
مربك ثانيا إذا كان يعول على فكرة إغراء عالم التعليم بإجازات مقدمة، وربما مقدمة ومطولة لصرف فعالياته عن «المساهمة « في الواقع السياسي والاجتماعي الراهن، فتتحول الإجازات حينها إلى إنجازات تختلف جذريا عن النزول إلى الشوارع… طبعا هذا لن يتم، خاصة الآن.. الآن وقد اتخذ رئيس الجمهورية المنتهية ولايته (نظريا) قرار ألا تنتهي ولايته بعد أن قرر وضع الانتخابات في عطلة أيضا.

الشعب الجزائري شعب مسؤول، لن يقبل بعطلات معطلة، فالعطلة تتويج لعمل دؤوب نشعر بجودته وفعاليته

وهنا نسأل، هل يمكن توقع أن أهل التعليم سيرضون بعطلة كهذه فيمضونها كما كانوا يمضون عطلة عادية لو أن شيئا لم يحصل؟ يجب أن لا ننسى أن كلمة «عطلة» لا تفيد معنى التوقف عن ممارسة النشاط العمومي لفترة محدودة إلا استتباعا وانعكاسا للمعنى الأصلي لـ»عطل يعطل» الذي يفيد شل الحركة، وفي هذا السيناريو، يراهن النظام فعلا على شلل الحركة، لكن الشعب مستعد للرد على «مكر يتبعه انطواء على النفس» وفق ما صرح به سعيد سعدي لوسائل الإعلام الفرنسية، بلغة الطبيب النفسي الدقيقة التي نعتادها منه. الشعب مستعد للرد على هذا المكر بمكر أدهى تصاحبه الحركة، وتصاحبه أيضا القناعة بأن «في الحركة بركة « كما يقول نجيب محفوظ مداعبا، في رواية «ثرثرة فوق النيل»… ولن تكون هناك هذه المرة ثرثرة بقدر ما ستكون هناك مداولات وسيكون هناك حوار، حوار وطني يلوح في الأفق في جو مسؤول، جو سلمية المظاهرات الرافعة لشعار التجديد يقودها من هم دون الثلاثين ويشكلون 50 في المئة من سكان البلد. ولأن الشعب الجزائري شعب مسؤول، لن يقبل بعطلات معطلة، العطلة تأتي تتويجا لعمل دؤوب نشعر بجودته وفعاليته. العطلة، بقدرما نشعر اننا نستحقها، بقدر ما ننتظرها بفارغ صبر.
وإلا فلا، بنبرة عالية لن تقبل النقاش، سيرفع الشارع الجزائري طالما يظل السياق الحالي قائما، شعار «الشعب يريد إسقاط العطلة».
باحث أكاديمي وإعلامي فرنسي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    لقد أثار عنوان (الشعب يريد إسقاط العطلة!) نشره المستشرق الفرنسي الذي يُجيد اللغة العربية والصينية في جريدة القدس العربي، موضوع أن مفهوم عطلة الأسبوع لم يكن موجود في الثقافة الصينية،

    بل هو مفهوم مستحدث في القرن العشرين، وبعد وصول الحزب الشيوعي (ممثل الثقافة الغربية) للحكم أصلاً.

    والآن الصين تستخدم حوكمة الحكومة الإلكترونية، بواسطة عقلية الروبوت (الآلة/العالة) لتقييم من يحق له السفر لقضاء العطلة، وإلى أي دولة، بشرط أن لا يسبب وجع رأس لرب الدولة (الحزب الشيوعي).

    العولمة والإقتصاد الإلكتروني هو منتج أمريكي، وليس له علاقة بدولة الحداثة الأوربية، ومفاهيم معانيها، لمعنى الإنسان والأسرة والشركة، من هو الصالح، ومن له حق المواطنة، ليكون من ضمن الشعب أو ثقافة النحن كأسرة إنسانية، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني.

  2. يقول S.S.Abdullah:

    ولأن التدوين اللغوي في أدوات العولمة، فرضت معنى جديد لمفهوم اللغة، وطريقة الترجمة بين اللغات، بعيدا عن مفهوم النقل الحرفي/الببغائي بلا فهم أو علاقة لغوية غير الصوت (البيروقراطي في تنفيذ أي مهنة لوظيفة/مقاولة))، والإقتصاد الإلكتروني، فرض مفهوم جديد مختلف لمعنى الهوية، أو العملة في تنفيذ أي عقد/مقاولة تجارية، أو التسجيل ومكانه لحفظ الحقوق من الغش.

    التناقض الحقيقي للعولمة، من وجهة نظري على أرض الواقع، نلاحظه في تكاليف صناعة السينما داخل أمريكا لو كانت مليون، ففي الصين ربما ألف وفي الهند ربما مائة بينما في أفريقيا ربما عشرة؟!

    فلماذا تتم صناعة الفن اللغوي، في سوق أمريكا بالذات، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني، لمن يبحث عن أفضل مردود لاستثماراته؟!

    ما الذي يُميّز الإنتاج، في أمريكا لصناعة فن الكذب/الأحلام اللغوي، لتحتكر جلّ أرباح السوق الحر، من كل دولنا حول العالم، بشكل عملي بعد 1945، على أرض الواقع حتى عام 2019؟!??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية