الشعوب العربية تبحث عن مساحة للفرح تلتقي مع بعضها بعضا في جو من البهجة، بعيدا عن السياسة ومشاكلها وتعقيداتها وآليات التحريض العديدة، التي تعمل ليل نهار لتوسيع الصدع بين هذه الشعوب. لقد ربطت أنظمة العرب، بشكل عام، مواقف شعوبها بمواقف الحكام. إن تخاصم حاكم عربي مع آخر، أجبر شعبه على أن يأخذ الموقف نفسه، وإن تصالحا يعود الشعبان للتصالح، هل من سياسة أكثر رعونة من هذا الأسلوب. الشعوب العربية قريبة من بعضها بعضا، وبينها من الوشائج الشيء الكثير تتجاوز العقيدة واللغة، لتشمل العادات والتقاليد والثقافة، والمشاعر والمثل والخلفية والمسلك والآمال العريضة والهموم المشتركة، وفي القلب منها قضية فلسطين. ولو تركت الأنظمة هذه الشعوب تتصرف على سجيتها وتعبر عن صادق مشاعرها لما أظهرت لبعضها بعضا إلا كل الحب والاحترام ولقابلت التحية بأحسن منها.
كأس العرب في الدوحة
لقد عاد العرب كأمة في مباريات كأس العرب منتصرين، وتقف قطر على قمة هذا الهرم بحسن تنظيمها وتقديم كل وسائل الراحة والإدارة والتسهيلات والتكنولوجيا الحديثة والمتطورة لإنجاح المباريات. وضعت هذه الدورة المصغرة عن كأس العالم حدا لكل من شكك في قدرات قطر على استضافة مباريات كأس العالم 2022.
إنها مواجهة طويلة الأمد وبالتأكيد الغلبة للجماهيرـ حتى مع التحريض الإعلامي الرسمي ونشر خطاب التعصب والطائفية والمذهبية
إن عقد مباريات كأس العرب، تحت مظلة الفيفا لأول مرة، يعتبر انتصارا ثانيا للأمة العربية، وارتفاعا في مستوى الاحترام والتقدير لمستوى الرياضة في العالم العربي وزيادة في ثقة العالم بأن العرب قادرون على تنظيم مثل هذه التظاهرات العالمية. وأستطيع أن أتنبأ أن دورات مقبلة ستعقد في بلدان الرياضة المتقدمة وذات الإمكانيات الكبيرة مثل، المغرب والجزائر ومصر والسعودية. لقد فتحت قطر أبواب العالم العربي للفيفا، ولا يمكن أن يوصد بعد ذلك. وما أسعدنا كذلك تقديم طلب رسمي للفيفا باعتماد العربية لغة رسمية للاتحاد الدولي لكرة القدم، أكبر الاتحادات الرياضية في العالم. الفائز الثالث في هذه التظاهرة هو الفرق المتنافسة التي قدمت مستويات راقية من مهارة اللعب، لا تقل عن مستويات أوروبا وأمريكا اللاتينية. لقد أتحفت الفرق الجمهور العربي بمباريات من أجمل وأرقى المباريات، فنا ومهارة وتنظيما وروحا رياضية، وظهر في هذه المنافسات نجوم رياضية من معظم، إن لم يكن من كل الفرق، سيحتلون مواقعهم على خريطة رياضة كرة القدم في العالم، وأعتقد أن بعض العروض الجادة وصلت للاعبين قبل انتهاء الدورة. كما أبدى اللاعبون أرقى أنواع الروح الرياضية، فقد انخفضت نسبة المشاحنات والاحتكاكات، التي كانت ترافق مثل هذه المنافسات، وكنا نخشى أن تحدث توترات ومشاحنات بين الفريقين الجزائري والمصري، والجزائري والمغربي، والقطري والإماراتي. على العكس من ذلك تماما، تميزت المباريات بروح رياضية وأخلاق عالية، ومنافسة نظيفة وإشارات إيجابية للفريق الآخر. حتى إن أحد اللاعبين الجزائريين حمل العلم المغربي إلى جانب العلمين الجزائري والفلسطيني. لقد أظهرت هذه المباريات حب العرب لبعضهم بعضا وفصل الرياضي عن السياسي، وقبول المنافسات الشريفة، لإظهار أفضل ما تملكه هذه الأمة من شباب متجدد يصنع مستقبل بلاده بعزم وتصميم، سواء كانوا في ملاعب الرياضة، أو في الميادين العامة، يهتفون للحرية والكرامة.
والفائز الآخر في هذه المباريات، فلسطين. لقد حضرت فلسطين من ساعة الافتتاح حيث وقفت الألوف تحية للنشيد الوطني الفلسطيني فقط، لأن هذا النشيد يعني الكثير لهذه الجماهير التواقة لحرية الشعب الفلسطيني، ويعني أنها تقف معه وتنتصر له وتحس به وبأوجاعه وهي تشاهد ما يجري من مواجهات يومية في أرض الاشتباك، ومن جهة أخرى يرى السهام المغروزة في ظهر الشعب الفلسطيني من أنظمة التطبيع والانحراف. ومن أجمل الشعارات التي شاهدتها ما رفعته الجماهير الأردنية المشجعة يقول «فزت عليّ» بعد فوز المنتخب الأردني على شقيقه الفلسطيني. لقد أبقت الجماهير التي كانت تملأ الملاعب قضية فلسطين حاضرة برفع الأعلام الفلسطينية، ثم كانت نهاية المباريات الأجمل عندما أهدى محاربو الصحراء، الحائزون بطولة كأس العرب، هذا الفوز الكبير للشعب الفلسطيني، خاصة لأهالي قطاع غزة المحاصر. ولا أشك بأن الشعب الفلسطيني في كل مدنه وقراه ومخيماته والشتات، فرح لفوز الخضر واعتبروه فوزا لهم مثلما هو فوز للجزائر.
كم نتمنى أن ترفع كل الفرق الرياضية العربية راية فلسطين، سواء لعبت في أنحاء الوطن العربي، أو في أي مكان في العالم ليرسلوا رسالة بليغة بأن القضية الفلسطينية كانت وما زالت حاضرة في قلوب الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج. قد نختلف على ألف قضية وقضية، لكن لا نختلف، ويجب ألا نختلف، على عدالة هذه القضية الجامعة وكونها القاسم المشترك بين الشعوب.
بين ما يجمع العرب وما يفرقهم
كم نتمنى أن نرى تظاهرات ثقافية وفنية ورياضية عديدة تجمع أبناء العروبة في بلد واحد، للتنافس الشريف وجمع الشعوب العربية حول منتخاباتها وفنانيها ورساميها وشعرائها ومغنيها. نحن نذكر تماما كيف كانت حفلات أم كلثوم تجمع العرب من محيطهم إلى خليجهم، وكيف وقف العرب كلهم مع مصر ضد العدوان الثلاثي عام 1956، وكيف وقفت الجماهير العربية مع ثورة الجزائر العظيمة حتى انتصارها عام 1962، فأقيمت الأفراح في كل أرجاء الوطن العربي. نحن نذكر كيف شيعت الجماهير العربية الزعيم جمال عبد الناصرعام 1970 وبكاه الصغار والكبار، لما كان يمثله من عزة وكرامة لكامل الأمة. نحن لا ننسى هبة الجماهير العربية في كل الأقطار دعما للانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية. لكن التمزق العربي بعد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، بدأ يشهد انهيار المواقف العربية المشتركة بحدها الأدنى، وتواصل الخلاف والانقسام حول الحرب العراقية الإيرانية، التي أفرزت احتلال العراق لدولة الكويت عام 1990، وتخلي منظمة التحرير الفلسطينية رسميا عن برنامج التحرير واستبداله ببرنامج التسوية، الذي مهد لاتفاقيات أوسلو 1993 واتفاقية وادي عربة مع الأردن عام 1994 وصولا إلى مشروع السعودية للتسوية مع الكيان الصهيوني الذي اعتمد في قمة بيروت عام 2002 كمشروع عربي، يعرض على إسرائيل التطبيع مقابل الدولة الفلسطينية، لكن رئيس وزراء الكيان آنذاك إرييل شارون رفض المبادرة واعتبرها لا تساوي الحبر الذي كتبت به.
لقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أسوأ مراحل العمل العربي المشترك، واصطف بعض الأنظمة العربية مع الولايات المتحدة في حربها غير الشرعية على العراق، واحتلاله بالكامل وتسليمه على طبق من ذهب للسلطات الإيرانية. في تلك السنوات العشر انتشر الفساد وعم الإرهاب والفكر المتطرف، وتمزقت الأوطان إلى طوائف وقبائل وأعراق، وأصبحت معدلات البطالة ضعف النسبة العالمية، وعم الفقر والجوع وتغولت الأجهزة الأمنية، وأصبحت الولايات المتحدة الآمر الناهي بكل ما يتعلق بالأوضاع الرسمية، وانتشرت قواعدها العسكرية في كل مكان. تراجع الاقتصاد وانهارت أسعار النفط، وتقاتل الإخوة وأبناء العم، وبدأت بعض الأنظمة تفتح علاقات مع الكيان الصهيوني علنا أو سرا، لا فرق.
لقد أشعل الشاب التونسي محمد بوعزيزي النار في هذه المنظومة الفاسدة في بداية العقد الثاني من القرن، وكاد أن يطيح بكل أنظمة الفساد انطلاقا من تونس وصولا إلى كل زاوية وميدان. رأينا سيولا من الجماهير تنزل إلى الساحات تتحدى الرصاص والهراوات والشبيحة والبلطجية والشرطة، تهتف حناجرها للحرية والكرامة والتغيير نحو الأفضل. لكن الأنظمة الاستبدادية وحماتها وممولوها أسرعوا بحشد القوى والإمكانيات لإسقاط تلك التجربة الرائدة، التي أطلق عليها «الربيع العربي». لكن موجات الربيع العربي تواصلت رغم الصعاب وأطاحت بمزيد من الطغاة وتحدت منظومات الفساد والطائفية والعسكرتاريا، وما زالت قائمة. هروب مجموعة من الأنظمة لأحضان العدو الصهيوني لن ينجيهم من محاسبة الجماهير، إن عاجلا أو آجلا، ألم يصلهم الدرس بعد؟ ألا يرون أن الجماهير العربية قريبة من بعضها بعضا؟ آمالها وآلامها وأحلامها وأحاسيسها متقاربة. أتذكرون كيف كان العرب جميعا ينتظرون برنامج نجم العرب (أرب آيدول) أو أمير الشعراء؟ كثير من تلك البرنامج التي تعزز الشعور القومي على حساب الانغلاق الوطني أطيح بها كذلك، بعض الأناشيد والأغاني القومية منعت من البث، فلم نعد نسمع الأغاني العروبية مثل وين الملايين، والحلم العربي، ووطني حبيبي الوطن الأكبر، وأصبح بعض النكرات يتغنون بتل أبيب والسلم المسموم.
إنها مواجهة طويلة الأمد وبالتأكيد الغلبة للجماهيرـ حتى مع التحريض الإعلامي الرسمي ونشر خطاب التعصب والطائفية والمذهبية، ووصول حالات الخلاف بين الأنظمة إلى حد المواجهات الميدانية، لكن ذلك لن يدوم طويلا فثقتنا في أمتنا راسخ لا يتزعزع حتى مع عصف الرياح وتلاطم الأمواج وتكاثر الأعداء.
وأخيرا ألف مبروك للفائزين في كأس العرب، وأولهم جماهير هذه الأمة. نحن بانتظار مزيد من المهرجانات العربية الشاملة ونقترح التفكير في دورة ألعاب أولمبية عربية تعقد مرة كل أربع سنوات بعيدة عن السياسة والسياسيين.
محاضر بمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة رتغرز بنيوجرسي
ان الذي يجمع بين الشعوب هو الدين و ليس القومية
ثم ان كرة القدم تبقى في اخر المطاف لعبة و لكن من يسير العالم حولها الى افيون
اما فلسطين فهي تحتاج الى رجال امثال عمر و صلاح الدين الذين يشتغلون كثيرا و يتكلمون قليلا اما الشعارات فلا تسمن و لا تغني من جوع فمن اراد فعلا تحرير فلسطين فليجهز الجيوش صوبها و ليس صوب بلد عربي اخر
اما الكلام و العنترية الزاءدة عن اللزوم لن تحررها
لولا الخيانات والتطبيع العربيبن لتحررت فلسطين منذ زمان ما كان يعطلها هي الخيانات التي كانت تحت الطاوله والتي أصبحت الآن علانية وبكل وقاحة
تحرير فلسطين لن يتم ابدا بدعوة اطرها إلى الاجتماع في دول عربية أخرى و الإقامة فيها حتى يتبدل هذا الوجود الى استثمارات و مشاريع بعيدة كل البعد عن الأرض الفلسطينية.
هناك شعوب تبحث عن الترفيه والبهجة الثي فقدتها في حياتها وحثى البطولات والامجاد الثي غابت عنها تجدها في مبارة لا تسمن ولا تغني منجوع تجعلها عيدا لا ينتهي كانه انجاز تاريخي تبا لعقول ضعيفة لا تحاول ان تغير وضعها وتبحث عن بديل ولو كان وهم