كم هي مسكينة شعوبنا العربية التي ترزح تحت نير الظلم والطغيان منذ عقود وعقود. كم ذاكرتها قصيرة كذاكرة الذباب وربما أقصر. لا تتعظ من التاريخ الحديث فما بالك أن تتعظ من التاريخ القديم. وقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي الشهير موشي دايان ذات يوم: «العرب أمة لا تقرأ، وإن قرأت لا تفهم، وإن فهمت لا تفعل». وهذه المقولة تنطبق على الشعوب العربية بحذافيرها. ويكفي أن تنظر على مدى سنوات الثورات الماضية إلى ردود أفعال الشعوب وتصرفاتها لتدرك كيف أنها فعلاً تطبق مقولة موشي دايان على أكمل وجه، مع الاعتراف طبعاً أن بعض الشعوب أدركت اللعبة متأخرة، عندما فقدت الأمل بالقوى الكبرى، وأصبحت تردد شعار: «ما لنا غيرك يا الله».
لطالما ناشدت الشعوب العربية ضباع العالم الكبار كي يساعدوها في ثوراتها على الطواغيت، وكي ينقذوها من كارثتها، وخاصة على مدى العقد الماضي منذ بداية الربيع العربي. كم من المرات سمعنا المتظاهرين في شوارع الدول العربية يستنجدون بالسيد الأمريكي خصوصاً والغربي عموماً، دون أن يدروا أن هذا الذي يستنجدون به غزا العراق قبل سنوات فقط، وقتل وشرد ملايين العراقيين، وقد وصل عدد الأرامل ذات يوم في العراق المنكوب إلى ملايين الأرامل. والمضحك أكثر أن بعض الشعوب المسكينة صارت ترى في إسرائيل منقذا، بعدما أن رأت أن الصهيوني أقل بطشاً من حكامها. لكن تلك الشعوب نسيت أن إسرائيل التي يستنجدون بها هي أكبر حليف للسفاحين والقتلة الذين يدمرون بلادنا ويشردون شعوبنا، ولولاها لما بقوا في أماكنهم يوماً واحداً.
من غزا العراق وهدد بإعادته إلى العصر الحجري كما فعل وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد لا يمكن مطلقاً أن ينقذ أي شعب عربي من جلاديه. ولا تنسوا أن المنقذ الأمريكي المزعوم كان من قبل قد قتل أكثر من مائة وثمانية ملايين هندي أحمر، وهم سكان أمريكا الأصليون كي يقيم امبراطوريته على جماجم الهنود الحمر. قبل أن تستنجدوا بالأمريكي عليكم أن تقرأوا تاريخه وتاريخ حروبه على دول كثيرة. قليلة هي الدول التي لم تعتد عليها أمريكا عسكرياً أو اقتصادياً.
القوى الكبرى هي التي أفشلت الانتفاضات الشعبية العربية وأعادت تمكين كلابها فوق صدور الشعوب
كيف يمكن أن تستنجد بمحتل كالاحتلال الإسرائيلي الذي يحتل فلسطين والجولان ومن قبل سيناء؟ كيف تتوقعون من هذا المحتل الذي يحاول تركيع كل بلدان المنطقة وإخصاءها كي يبقى الديك الوحيد فيها، كيف تتوقعون منه أن يساعدكم على التخلص من جلاديكم وطواغيتكم؟ ألا يجد هذا المحتل في أولئك الطواغيت الأداة الأفضل لإخضاع الشعوب وتدمير الأوطان وإعادتها عقوداً إلى الوراء كي ينام هو قرير العين؟ كيف تتوقعون من المحتل أن يساعدكم على نيل حريتكم وحقوقكم؟ ألا يصبح في خطر شديد عندما تتحرر الشعوب وتمسك بزمام قرارها الوطني؟ أليس من الأفضل له أن يراكم تحت نعال الجنرالات الذين يقدمون له أكبر خدمة سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر؟
ما أسخف الذين يذهبون إلى أمريكا ليطلبوا منها تطبيق الديمقراطية في بلادنا وتخليصها من الجنرالات والديكتاتوريات، مع العلم أن هؤلاء الجنرالات تم تنصيبهم مباشرة من العواصم الكبرى وليس من قبل الشعوب؟ يذكر معارض عربي زار واشنطن قبل الربيع العربي أنه طلب من الأمريكيين أن يساعدوه في تطبيق الديمقراطية في بلاده، فسألوه: «وما الثمن الذي يمكن أن تدفعه كي نساعدكم»، فقال: «ليس لدي شيء أقدمه لكم، وقد جئتكم مستنجداً كونكم أكبر قوة ديمقراطية في العالم»، فضحك المسؤول الأمريكي وقال: «أيها المغفل: إن الطغاة والمستبدين الذين جئت تشتكيهم إلينا يقدمون لنا الأرض وما عليها، فكيف تريد منا أن نقضي عليهم ونتبناك؟» لقد كان شعار أمريكا على الدوام: «إدفع أكثر تحكم أطول». كم يا ترى دفع هؤلاء الطواغيت لضباع العالم كي يحافظوا عليهم في مناصبهم حتى لو دمروا بلدانهم وشردوا الملايين من شعوبهم؟ كم؟
ألا تعلمين أيتها الشعوب أن القوى الكبرى هي التي نصبت هؤلاء الطغاة والجنرالات حكاماً عليك؟ ألا تعلمين أنها هي التي تدعمهم وتمدهم بوسائل القهر والتعذيب لإذلالك وتركيعك؟ ألا تعلمين أن ضباع العالم هم من يحمون كلاب الحراسة في بلادنا العربية؟ ألا تعلمين أن القوى الكبرى هي التي أفشلت الانتفاضات الشعبية العربية وأعادت تمكين كلابها فوق صدور الشعوب؟
ألا تعلمين أن إسرائيل هي السند الحقيقي والداعم الحقيقي والمحافظ الحقيقي على الوحوش الضارية التي تحكمنا وتنهش لحوم الشعوب؟ لا يمكن مطلقاً الاستنجاد بوحش على كلب حراسة.
«نرجو الخلاص بغاشم من غاشم….لا ينقذ النخاس من نخاس».
٭ كاتب واعلامي سوري
[email protected]