شعرت بالهيبة عندما علمت بعضويتي في لجنة الخمسين لاعداد المشروع النهائي للتعديلات الدستورية. مصدر الهيبة هو المسؤولية الكبيرة وراء ذلك الأمر، ومدى القدرة على تحمل هذا العبء وتبعاته الكثيرة. جاءتني مكالمات هاتفية واتصالات كثيرة، تبارك لي هذا الاختيار والعضوية. بعضهم قال لي: مبروك عليك المنصب، وبعضهم من أقاربي، خصوصا في الريف قالوا لي: عقبال الوزارة .
تقبلت هذه التهنئة، وأنا أتساءل في نفسي أي منصب هذا الذي يقولون عنه؟ إنها المسؤولية الكبيرة التي أبرزت أمامي الآية القرآنية الكريمة ‘ إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا’. إنها المسؤولية الكبيرة التي أصبحت رئيسية، فذهب بسببها النوم من العيون، وقد أضيفت مهمة أخرى ثقيلة، مما يثقل كاهل الانسان ولكن، لا بد أن يقوم المخلصون بهذا العمل الوطني الجليل لأنه خدمة للمصريين ومصر، وليس منصبا كما يراه البعض.
المسؤولية الكبيرة عندي، تمثلت في ضخامة المسؤولية التي تجسدت في اعداد دستور مصر والتعديلات اللازمة، وكذلك المدة المحددة للعمل حسب القرار الجمهوري، وهي ستون يوما لمراجعة 236 مادة دستورية تضمنها دستور 2012 المعطل، ومنها مواد معيبة، نادى حتى الرئيس المعزول مرسي في خطابه الطويل قبل الأخير، بضرورة عمل لجنة لمراجعة المواد المختلف عليها في الدستور، ولم يمهله الشعب طويلا بعد ذلك لإنجاز هذا العمل المهم.
بعد الاجتماع الأول للجنة، وهي جلسة الإجراءات التي تمت بسلام يوم الأحد 8 ايلول/سبتمبر 2013، زادت المسؤولية، مع شعور بشيء من الارتياح للتوافق الكبير الذي يكاد يكون إجماعا على لائحة العمل الداخلي للجنة الخمسين، وقبل ذلك اختيار الرئيس ونواب الرئيس الثلاثة، والمقرر والمتحدث باسم اللجنة، أو ما يسمى بهيئة المكتب وتشكيل اللجان النوعية واختيار مقرريها والمنسق ومساعديهم .
واللجان الخمس النوعية التي تفرعت عن لجنة الخمسين، هي لجنة الحوار والتواصل المجتمعي وتلقي المقترحات، ولجنة الدولة والمقومات الأساسية، ولجنة الحقوق والحريات، ولجنة نظام الحكم والسلطات العامة، ولجنة الصياغة.
شعرت أيضا بالراحة للمادة (6) من اللائحة التي تنص على أن: عضوية اللجنة التأسيسية عمل تطوعي لا يرتب أي امتياز لصاحبه’.
كما شعرت بالارتياح لانعقاد جلسات اللجنة التأسيسية واللجان الفرعية النوعية وفق اللائحة، في مقر مجلس الشورى المجهز تجهيزا جيدا للعمل المطلــــوب، وما أبدته وقامت به الأمانة الفنية التي شكلها الأمين العام لمجلــــس الشورى المستشار فرج الدري، لمعاونة اللجنة التأسيسية في أعمــــالها وتنفيذ قرارتها. تم ذلك من أول يوم لانعقاد اجتـــــماعات اللجنة وحتى تنتهي الاجتماعات اليومية، وهي خمسة أيام في الأسبوع. يشعر العضو في لجنة الخمسين عــــند العــــمل في مجلـــس الشورى بأنه في مكتبه أو في بيته، وقد توفرت لنجاح العمل كل إمكانــــات مجلـــس الشورى، وأهمها توفير كل اللوجستيات اللازمة، والتعاون التام، مع الابتسامة الصادقة على وجه جميع من نلقاهم بالمجلس.
كان الشعور بالارتياح أيضا نتيجة تلك البيئة، التي تعين على أداء العمل المطلوب، مما يخفف من العبء ومن المسؤولية الملقاه على عاتق اللجنة التأسيسية، ويبشر بإنجاز العمل المطلوب في الموعد المحدد. إذن هناك مبشرات نحو النجاح في أداء المهمة، وتبقى النقاشات والحوار الايجابي.
ولقد تمثلت المسؤولية الكبيرة في الإسهام في إعداد التعديلات الدستورية المطلوبة، التي سيطرح الدستور الجديد المعدل على الشعب للاستفتاء عليه في خلال 30 يوما من الانتهاء من التعديلات وتسليمه الى الرئاسة، كجزء من خارطة الطريق بعد الثورة العظيمة التي قامت يوم 30 حزيران/يونيو 2013 التي رددت من جديد: الشعب والجيش والشرطة إيد واحدة، رغم ما يراه قطاع الاسلاميين من أنها انقلاب، بعد أن كانوا يرون ‘تمرد’ و30 يونيو مجرد زوبعة في فنجان. إن من لا يقرأ الواقع وهو قريب لا يمكن أن يسهم في بناء المستقبل وهو بعيد.
الشعور بالارتياح أيضا جاء نتيجة تشكيل اللجنة التأسيسية 2013، التي مثلت تيارات أو قطاعات الشعب الواسعة، ولم تقتصر على تيار أساسي واحد، كما كان في التأسيسية الأولى 2012 . تستطيع أن ترى كل فئات الشعب في لجنة الخمسين سواء الأعضاء الأساسيين فيهم أو الاحتياط .
الشعور بالارتياح أيضا جاء نتيجة مشاركة حزب النور في اجتماعات اللجنة، بعدما تردد من انتقاداته لتشكيل اللجنة التأسيسة، وعلى اعتبار أن هناك عضواً واحداً هو الدكتور بسام الزرقا، وهو الذي يمثل التيار الاسلامي. أثار هذا الفهم بعض التساؤلات، إذ أن اللجنة تضم في عضويتها عددا من كبار العلماء والفقهاء، في مقدمتهم فضيله الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية، والدكتور سعد الدين الهلالي والدكتور عبدالله النجار، والدكتور أسامة الأزهري والدكتور محمد الشحات الجندي والدكتور محمد عبدالصمد مهنا والدكتورة مهجة غالب عبدالرحمن والدكتورة آمنة نصير، وبعضهم من الاحتياطيين الذين يشاركون مشاركة فعالة في الحوار بدون الحق في التصويت، فضلا عن مستشار شيخ الأزهر المستشار الدكتور محمد محمود عبدالسلام.
ربما يرى حزب النور أن التيار الاسلامي يجب أن يقتصر من يمثله على أعضاء الأحزاب السياسية التي تعرف بالاسلامية، ولكن التيار الاسلامي أوسع من هذا التعريف النوري. والذي أخشاه أن يصر حزب النور على المادة 219 التي لا يفهمها في ظني إلا بعض المختصين في أصول الفقه أو المتخصصون في الدراسات الاسلامية. تقول تلك المادة: مبادئ الشريعة الاسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الاصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة، في مذاهب أهل السنة والجماعة’.
وفي يقيني أن هذه المادة تثير من الخلافات ما لا تحمد عقباه، فضلا عن أنها تقصر المفهوم الصحيح للاسلام على مذاهب أهل السنة والجماعة. وهذا تشدد وتطرف لا ينبغي أن يكون في دستور أمة عظيمة مثل مصر، درجت على احترام المادة الثانية في الدساتير السابقة والتي تنص على:
‘الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع’. وهذا يكفي تماما، ولم تكن الأمة قبل أول الدساتيرغير مسلمة وليست الدساتير هي التي أدخلت مصر في الاسلام.
الشعور بالارتياح أيضا كان من اللحظة الأولى للاطلاع على القرار الجمهوري رقم 570 لسنة 2013، إذ أنه ضم في عضوية اللجنة التأسيسة ممثلين عن الأزهر والكنيسة، والشباب واتحاد الكتاب المصري، واتحاد النقابات الفنية، وقطاع الفنون التشكيلية والتطبقية، والمجلس الأعلى للثقافة، واتحاد نقابات العمال بمختلف تشكيلاتها، واتحاد نقابات الفلاحين بمختلف تشكيلاتها، ونقابة المحامين، ونقابة الأطباء، ونقابة الهندسة، ونقابة الصحافيين، والغرف السياحية، واتحاد الغرف الصناعية، واتحاد الغرف التجارية، والاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الأهلية، والمجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للأمومة والطفولة، والمجلس القومي لحقوق الانسان، والمجلس الأعلى للجامعات، والمجلس القومي لمتحدي الاعاقة، والقوات المسلحة، وهيئة الشرطة، والتيار الاسلامي، والتيار الليبرالي، والتيار اليساري، والتيار القومي، وعشرة اعضاء من الشخصيات العامة.
هذا التشكيل للجنة الخمسين، يضمن في الغالب الأعم، تمثيل جميع فئات الشعب بألوانه، وكان من الضروري ايجاد حلول للفئات أو القطاعات التي شعرت بأنها لم تمثل في لجنة الخمسين، وفي مقدمتهم المصريون في الخارج وغيرهم. إن جلسات لجان الاستماع التي قررتها لجنة الحوار والتواصل المجتمعي، قد تكون حلا لذلك في هذا الوقت الضيق وجلسات الاستماع المتعددة تعمق الشعور بالارتياح أيضا.
من علامات الارتياح أن اللجنة بدأت في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بضمان الحوار المجتمعي حول التعديلات المقترحة من لجنة العشرة أو الخبراء في صياغة الدساتير والقوانين، فضلا عن تلك التي يقترحها الشعب. الشعور بالارتياح أيضا جاء نتيجة الوثيقة التي أعدتها لجنة الخبراء بالتعديلات المقترحة، والتي تستفيد منها لجنة الخمسين كثيرا في دراسة التعديلات والمقارنة بين النصوص. نتمنى للجنة النجاح في مهمتها والدعاء مطلوب من القراء أيضا. وينبغي سرعة تصويب وتعديل أي مادة يطالب بها الشعب احتراما لارادته، من دون أن يسعى أحد من المسؤولين في تحصين قرارته، كما حدث من قبل في الاعلان الدستوري (تشرين الثاني/نوفمبر 2012 ).
‘ كاتب مصري
في تونس عندنا مثل يقول “العصفور يغني وجناحو يرد عليه”