فليس هناك شكل، بالمعنى التعبيري للكلمة، الا وكان محملا بالدلالة التي تنهض مع العناصر الفنية الأخرى.
هل موت الشاعر شكل، أو مغزى؟
ليس سؤالاً للإجابة. إنه ضربٌ من مماحكة الموت.
رغبة عميقة لنفيه على الأرجح.
٭ ٭ ٭
حتى عندما تتوقع موت صديق ظل يعاني من علته سنوات، لن تقبل الحقيقة عندما تحدث. الشاعر الصديق (علي الدميني) شاركته في الكتابة، والزنزانة ومستحيلات الحياة جميعها، وعندما حان الموت جبنت حتى على مكالمته. كتبت لصديق ثالث، بعد سماعي الخبر أسأله (هل كيف). هل الخبر صحيح، كمن لا يصدّق، أو لا يريد أن يصدق. وكيف يحدث هذا في حدود معرفتنا، أي، ونحن حاضرون؟ تلك هي الحقيقة التي لا يريد شاعر أن يقبلها، على الرغم من أن قبول الموت أو رفضه لا يغير حدوثه ولا ينفيه ولا يمنعه.
٭ ٭ ٭
تلك هي تجربتنا الصغيرة مع علي الدميني وموته.
كنتُ تعرفتُ عليه فيما أتماثل من صدمة هزيمة الأحلام. الأحلام الصغيرة الكبيرة.
أحب أن أسمي حزيران بحرف الهاء في البداية، ليصير (هزيران) فهو رمز هزيمتنا الكبيرة، غير أن الهزائم الصغيرة لا تحصى، تجرعنا أقداحها مع رفاقنا. ولا يزال علي الدميني (يركض) في سبيل اللحاق بالمستقبل.
٭ ٭ ٭
في الفيلم القصير الذي أعده شباب سعوديون، تسمع صوت علي الدميني الشاعر وهو يقرأ شعره، قبل السجن وبعد، فتراه يصوغ حلمه الأثير بالسفر، الذي تحقق بتقتير كبير بسبب منعه من السفر، وحين تمنع شاعر من السفر تمسّ شغاف الشعر فيه. حتى إنه سيرى في السفر إلى البحرين بمثابة الذهاب إلى باريس. أصدقاء كثيرون يرون في البحرين نافذة على الأفق. وهذا يجعلنا أحضاناً تقصر عن الحلم.
٭ ٭ ٭
عزل الشاعر بمثابة عزل أمة برمتها. أتذكر هنا كلمة لهوركهايمر أوردها الصديق خليل النعيمي في روايته «الخلعاء» (الطيعة الأولى 1079، تقول: «لا يستطيع الفرد المعزول، حتى لو أراد، أن يصلح أمّة، أو أن ينقذها من الضياع. كل ما يستطيعه هو أن يقول لها إنها سائرة نحو الانهيار».
لقد حاول الشاعر، مع رفاقه، أن ينقذ أمته، وهو لا، رغم موته، يزال يركض لإدراك المستقبل. ترى هل ثمة أمل.
٭ ٭ ٭
الآن،
ثمة من يحاول إدراك مستقبل الأمة، بعد الكثير من التأخير. وأخشى أن علي الدميني لن يشهد مستقبل أمته، ربما فعل ذلك الجيل الذي تركه في هذا العالم.
الآن،
الآخرون يتابعون فعل ذلك الصنيع الجميل الذي حلم به علي الدميني (الشاعر).
٭ ٭ ٭
بكينا على لبنٍ في التراب
حيث لا ندمٌ ينفع في مستهل النهايات
ولنا، رعشةٌ،
خشيةً من صفير الحرس
كلما امتدتْ يدٌ لتمسَّ النحاس
تنبَّه لي جرسٌ لا ينام
واهتزتِ الجَفَنَات المستعارة من أذن الفيل
ماذا يفيد أنّا بكينا على لبنٍ في التراب
من سيقرأ باب الكتاب
ومن سوف يكترث اليوم
مما سنجني غداً
سهونا عن الشمس أمسُ
وتركنا ما يَقِينا من الحرارة والصيف
هجونا السيوف
عقدنا الرهانات حول احتمال
اللبن الرائب عند الصباح
وقلنا لأطفالنا أن يكفُّوا عن النهنهة
«سنبكي لكم
عندما ننتهي… تبدأون
خذوا حذركم
وتفادوا الجرسْ
كيلا يهبُّ الطغاة
يهبّ الحرسْ».
سنبكي دماً
ولن يكترث الآخرون بنا
إننا أسفُ الأمسِ والبارحة
على لبن، ليس ينفعنا، في التراب
مثلنا،
نحن في قلعة حرةٍ
ودون باب،
تلك قصتنا الجارحة.
شاعر بحريني