فتح نجم رياضة الاسكواش محمد الشوربجي باباً ظل موصداً بالحديد والنار، عندما أعلن رغبته بتمثيل انكلترا في المسابقات العالمية على حساب بلده مصر التي حصل تحت علمها على 44 لقباً عالمياً طيلة مسيرة طويلة.
صحيح أن لعبة الاسكواش غير شعبية ولا تحظى باهتمام الجميع على عكس رياضات أخرى ككرة القدم، لكن الشوربجي أثار حفيظة الجميع في مصر من هيئات رسمية واعلام وجماهير، ليس لعشقهم له، ولا لفقدانهم لرؤية مهاراته أمامهم، بل لأنه تنازل على تمثيل مصر، ضارباً في الصميم مشاعر الجميع، فعلى الصعيد الشعبي من السهولة اعتبار من يتنازل عن حق تمثيل بلده «خائنا» و«ناكراً للجميل»، فيما رأى آخرون أن ما فعله محمد كان نتيجة طبيعية للتهميش والاهمال من المسؤولين عن رياضته لاحتياجاته، أو مثلما قال هو نفسه انه ظل في بلده «لسنوات طويلة لم يفكر فيه أحد»، ما أثار موجة من الجدل.
عندما يسمع أي رياضي مصري موهوب في أي لعبة، كلمات الشوربجي سيفكر مرتين في مستقبله، بل عندما يقرأ ما عاناه نجوم سابقون كمحمد صلاح نفسه في فترات انتقاله الى معسكر المنتخب المصري، وكيف ذاع صيت السجالات المتبادلة بين الاتحاد المصري ونجم ليفربول، بينها نشر فيديوات «الغسيل الوسخ» على مواقع التواصل التي كان ينتظرها الجميع على أحر من الجمر، فان الفكرة قد تتضح بعض الشيء، بل سيستعيد المواطن المصري لحظات انتصار الرباع فارس حسونة بذهبية رفع الاثقال في أولمبياد طوكيو السنة الماضية، لكن ليس باسم مصر بل باسم دولة قطر، وسيتساءل لماذا؟ بل لماذا هناك العشرات من الرياضيين بل الآلاف من الدكاترة والمهندسين والمبرمجين والموهوبين هجروا أم الدنيا الى عالم آخر يخدمون مجتمعه الجديد بكفاءة عالية واقتدار؟
تصريحات الشوربجي كانت قاسية عندما قال: «انكلترا أعطتني الدعم الذي أحتاجه… ولسنوات طويلة لم يفكر فيّ أحد (في مصر)، وكان واجباً أن يأتي الوقت الذي أفكر فيه بنفسي». علماً أنه ساهم بجعل مدينة بريستول الانكليزية محور تجمع المواهب العالمية، حيث انضم اليه العديد من النجوم من استراليا وكندا والولايات المتحدة، لينفخ روحا في هذه الرياضة التي ظلت مهمشة حتى في بريطانيا، فكان وجوده في هذه المدينة الجنوبية الغربية بسبب التعليم سبباً لاضفاء المسؤولين اهتماماً جلياً في هذه الرياضة بتوفير كل التسهيلات الممكنة للمواهب التي بدأت تنجذب للمدينة. ورغم ان المسؤولين الانكليز على دراية بأن الشوربجي البالغ 31 عاماً والمولود بمحافظة الإسكندرية، في نهاية مسيرته، الا أن كونه واحداً من أكثر لاعبي الاسكواش تتويجاً، حيث قضى 50 شهراً في المركز الأول عالمياً بين 2014 و2021، سيكون دوره مهماً ليس لاحراز الألقاب تحت علم جلالة الملكة، بل للمساهمة في تأسيس جيل جديد عاشق للعبة يكون قادراً على احراز الألقاب باستمرار. ورغم انني على قناعة بأن الشوربجي لم يحصل على الجنسية البريطانية بسبب موهبته، بل بسبب مدة اقامته، حيث يقول أنه عاش أكثر من نصف عمره في انكلترا، أي أكثر من 15 سنة، وهو كان بحاجة فقط الى 5 سنوات، يكون فيها على قيد عمل او دراسة كي يتأهل الى نظام الاقامة والجنسية.
طبعاً الاتحاد المصري للاسكواش لم يشعر بالمرارة لفقدان تمثيل الشوربجي لمصر، خصوصاً أن «مصر لديها العديد من اللاعبين الموهوبين بدليل وجود 6 مصريين ضمن أفضل 10 لاعبين على مستوى العالم في التصنيف الدولي وهم جميعاً محترفون»، بل بسبب تصريحاته المهينة على غرار ما قال إنه «أكثر لاعب مصري في التاريخ يفوز ببطولات للمحترفين، لكنني لم أحظ براعٍ مصري طيلة مشواري الرياضي». فكانت السهام الناقدة تسلط الى النجم الموهوب من كل حدب وصوب، وكالعادة لم يتجرأ أحد على فتح نقاش لايجاد علاج لأزمة متكررة، وتسليط الضوء على عقم عمل المسؤولين وقلة الدعم والتخصص وفقدان التنظيم والتخطيط والتنفيذ، رغم ادعاء تجديد جوازه المفقود، وأيضا تكريمه الرئاسي، علما أن مطلبه هو تخصيص مدرب ومعالج لفريق الاسكواش بأكمله.
حالة الشوربجي مع مصر ليست فريدة في عالمنا العربي من تهميش للأبطال، ففي 1984 أصبح الملاكم اسماعيل القيسي مفخرة العراقيين في أولمبياد لوس أنجيلوس، لكنه بعدها اختفى عن الساحة، وفي عالم كرة القدم أختير العماني محمد الكثيري أفضل لاعب في كأس العالم للناشئين في 1995، ولكن بعد مونديال الاكوادور هذا دفنت موهبته، رغم اهتمام بعض الأندية الاوروبية بضمه، الا ان عدم جدية المسؤولين العمانيين أنذاك ساهمت في قتل موهبته في المهد. ونجم المسافات المتوسطة البطل الجزائري توفيق مخلوفي أيضاً اشتكى من اهمال مسؤوليه، ما يقود الى استفسار مهم عن الأبطال العرب الـ126 الذين حصلوا على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية على مدار تاريخ الأولمبياد فكم منهم تلقى كامل الدعم من مسؤولي بلاده خلال مسيرته وبعدها، وكم منهم أصبح «خائناً» أو «ثائراً»؟
أن شعر بقيمته ونال مايستحقه كمواطن مصري فعليه أن يهتم بوطنيته أما أن رأى أنه يحمل الوطنية ولا يتمتع بحقوق الوطن فليس خائنا فالخايءن هو من يملك الوطن ولا تجري في دمائه الوطنية تحياتي لكل الوطنيين فالنجم من تسري في عروقه روح الوطن
اخيراً …مقال موضوعي يضع الكثير من النقاط على حروفها الصحيحة !