كثيرون يلومون المدافعين عن الحريات الشخصية وحقوق الإنسان على عودتهم السنوية لموضوع قوانين المجاهرة بالإفطار، وكأن الموضوع موضة وانتهت، ولا ضرورة للعودة إليها، في حين أنه لا يزال موضوعاً عميق الاستشكالية، رناناً في مخالفته لكل مبادئ الحريات وحقوق الإنسان، والأهم والأخطر أن كل القوانين العقابية للجهر بالإفطار تشكل خطورة حقيقية جسدية ونفسية على كثيرين ممن تضطرهم ظروفهم الصحية أو توعز لهم انتماءاتهم الدينية المختلفة تناول الطعام والشراب في أيام رمضان.
نعود كل سنة للتأكيد على كارثية هذه القوانين أخلاقياً وحقوقياً ونفسياً وجسدياً على الناس ما استمر العمل بها، وما بقيت هناك أصوات رنانة في تأييدها بل والإمعان في الدفع بها عنفاً وقمعاً. عبد الله رشدي، الأزهري المصري والإمام والخطيب والإعلامي الديني الأبرز حالياً في الساحة المصرية، وهو أحد أبرز الأًصوات الرجعية، المتنكرة بحداثتها، المعادية للمفاهيم الأساسية لمنظومة الحقوق الإنسانية، يصر على معاقبة من يجاهرون بالإفطار في رمضان، وذلك لإبعاد «فكرة شيوع الفواحش» في المجتمع.
ما ألذ كلمة «فواحش» بثقل حروفها وصرامة نطقها على ألسنة رجال الدين التقليديين و»الموديرن» منهم أمثال عبد الله رشدي، وهو ذاته الذي ظهر في فيديو يشرح فيه رأيه حول موضوع التحرش بالنساء، مستاء من سوء فهم الناس لقول سابق له حول الموضوع، مرتدياً قميص «كول» مزيناً بالأحرف والكلمات الإنكليزية، متلفظاً بأفكار تبتعد عن تلفونه وسماعته وقميصه آلاف السنوات. في هذا الفيديو يفرق الأستاذ عبد الله بين المبرر والسبب، مؤكداً أنه لا تبرير للتحرش، بل ثمة تسبيب، ضارباً مثلاً -ويا للخزي- بمن يترك سيارته مثلاً مفتوحة الأبواب لتتم سرقتها، حيث يصبح هناك سبب للسرقة قد يعزره عليه قاضي المحكمة مثلاً، ولكن لا مبرر لمن قام بفعل السرقة. كذلك هو موضوع التحرش بالنساء في رأيه «وحدة لابسة ملابس تفضح الدنيا كلها» على حد قوله «لبسها كان السبب في إثارة غريزة الإنسان ده» يبقى هذا سبباً وليس عذراً. وهكذا تلف الدائرة وتعود لوماً للضحية، وإن كان هذا اللوم هذه المرة بلمحة «موديرن» من أن الضحية سبب وليست عذراً.
وهكذا هي العقلية الذكورية الدينية، ترى شيوعاً في الفواحش حين يمارس الناس حرياتهم ويعيشون حيواتهم بوضوح، دون نفاق ودون تورية. فبالنسبة لهم «الفاحشة» إن صحت تسميتها كذلك أصلاً، ليست في الفعل ولكن في علنيته، فنحن شعوب ذكورية ترفع شعار الستر، الذي لا ترتكب تحته أفظع الفواحش فقط، ولكن تتوه الحوارات وتُكتم أصوات الناس، وتستبد الأفكار الغابرة القديمة دون أن تجد لها تجديداً أو يطالها التفكير، ذلك أن كل جديد يجب أن يبقى قيد الستر، وتحت جنحه يفعل الناس ما يريدون وأولهم، كما بينت التجارب والقصص، هم رجالات الدين المزغردون بالتقى والمحذرون من انتشار الفواحش.
هذه العقلية الذكورية لا تحترم أبداً إرادة الإنسان، وخصوصاً -ويا للغرابة- الذكر، فهذا «المسكين» معجون بغريزة لا مخرج من حبالها، وعليه هو دوماً ما يحتاج مساعدة لمقاومتها، وهي دوماً سبب، أو مبرر لا فرق هنا، لارتكابه لفظائعه التي لا يعجز رجالات الدين عن إيجاد مخارج ومبررات وكذلك أسباب، حتى يرضى السيد عبد الله، له منها. المسلم، والمسلمة أحياناً، دوماً مستهدفان، الدنيا كلها عبارة عن مجموعة متع وجماليات يجب عليهما أن يقاوماها باستمرار. لا نحن عرفنا لم عليهما أن يقاوما متع الحياة وجمالياتها الشخصية التي لا تمس بالآخرين باستمرار، ولا نحن فهمنا لم المسلمون هم المستهدفون تحديداً، ولا نحن فقهنا لم لا يتحمل الشخص، والشخص وحده، مسؤولية أفعاله. أسباب، تبريرات، دوافع، هذه كلها موجودة في الحياة وبشكل يومي وتواجه كل الناس، إلا أنه لا توجد منظومة عقلانية ومنطقية وإنسانية عادلة يمكن أن تلوم أحداً، بشكل مباشر أو غير مباشر، سوى صاحب الفعل والإرادة.
الصوم فعل عبادي، يثاب الناس عليه لاختيارهم له، لا قسرهم عليه، فالمسؤولية وما يتبعها من ثواب أو عقاب تحتاج إلى حرية إرادة، أما غير الحر فلا مسؤولية عليه ولا ثواب أو عقاب له. الجهر بعدم الصيام هو اختيار كذلك، قد تكون له دوافعه أو قد يكون خالياً من «التبريرات والأسباب» لكنه يبقى اختياراً مسالماً لا يمس سوى صاحبه. غالباً سيحاكم المجتمع المفطر اجتماعياً، حيث سيتعرض هذا الشخص لنقد وسخرية الناس وأحياناً عزلهم، وهذه توجهات مجتمعية مفهومة وموجودة في كل مجتمعات العالم تجاه ما يخالف السائد فيها، لا تتحرر منها سوى المجتمعات المحظوظة بالمنظومات الحرياتية والحقوقية المتطورة جداً. هذه المحاكمة المجتمعية هي أقصى ما يفترض أن يصيب إنساناً لاختياره الشخصي، أما أن تتدخل القوانين لتفرض عبادة أو تنشر أخلاقاً خاصة أو تقسر الناس على أسلوب حياة معين أو اختيارات هوياتية أو ممارسات خاصة، فهذا ما لا يمكن قبوله أبداً، لا منطقياً ولا أخلاقياً ولا حقوقياً.
يجب أن يتوافر اختيار عدم الصيام ليثاب من يختار الصيام، يجب أن يتوافر اختيار المظهر للجميع ليتنوع البشر بأذواقهم وليقرر المجتمع ما يفضل ويحب. يجب أن يكون هناك اختيار لتتجلى الإرادة وليكون هناك عقل وإنسان.
وماالمانع ان يلبس المؤمن او الشيخ ملابس مودرن على رأي الكاتبة او ان يحمل هاتف محمولا احتررنا اذا لبس الشيوخ جلابية واطلقوا اللحى تسخرون منهم واذا لبسوا ملابس مودرن تقولون ان الكلام لا يتوافق مع الوعظ في ايام الصحابة رضوان الله عليهم كان منهم من يتانق في اللباس ولا يضير ايمانه شيئا عجبا لك يا اخت ابتهال عسى ان يكون لك من اسمك نصيب
مقال علماني بامتياز ….يقول بصريح العبارة يا أيها المسلم ويا أيتها المسلمة أنتما أحرار تصوموا أو لا تصوموا فهذا شانكما ومن حقكما أن لم تصوما أن تجاهرا بالإفطار من باب حقوقكم الفردية…يعني يمكن لكما أن تنسلخا عن دينكما الإسلام فأنتما أحرار ….
يعني ضرب تخت الحزام للثوابت الدينية والمجتمعية …..
أولا شكرا للأخت ابتهال الخطيب على مقالاتها التنويرية التي للأسف ناذرة شبيهاتها.
برأيي – لافائدة ترجى من سياسات أو إصلاحات مستقبلية قادمة في مجالات كهذه. بعد المجال السياسي يأتي المجال الديني في الترتيب وقد يكون العكس. الإثنان يكملان بعضهما في البلاد العربية. بعد ظهور الصحوة الإسلامية بداية سبعينيات القرن الماضي أصبح الأمر أكثر صعوبة عما كان عليه قبلها.
تتمة :
أظن للفرد العربي مسؤولية أمام ضميره أولا , هل يحق لي كأب وكأم أن أفرض على ابني أو ابنتي وهم صغار السن غير واعين , غير ناضجين غير فاهمين لأمو ر الحياة, أن أفرض عليهم ايديولوجية ما قد ورثتها عن أجدادي فأضعهم في مأزق قد يصعب التخلص منه لاحقا عند شروعهم في حياتهم المستقبلية وهي بالأساس حياتهم وليست حياتي أنا ؟ أنا لاأفعل ذلك, المجتمعات المتحضرة لاتفعل ذلك. لأن عقل الطفل الصغير هذا سيستمر بالغريزة بما لقن به منذ كان صبيا, قليلون من يسلكون طريقا آخر بعد البحث والتمحيص.
تتمة : الدول تفرض قوانين دينية على المواطنين مع العلم أن لادين للدولة بل للمواطنين. الدولة محايدة في الأمر من أجل مصلحة الجميع, مع ذلك يحصل العكس. حتى في الدول الليبرالية بعض الشيء تتعامل الحكومات وكأنها دينية صرفة حرصا على توازناتها.
ليس هناك ذنب ولاخطيئة في البحث المستمر والقراءة والاستماع لأحاديث مخالفة لما لقن به المرء ذاك يثري وينمي. وهذا هل الحل برأيي , إذ ذاك قد تتغير المعاملات وأراها كذلك خطوة صحية قد تنقي العقل البشري من الكثير من الأخطاء المتوارثة التي سربت بفعل فاعل أو بدونه على مرور القرون والأجيال.
ايس هناك دولة ليس لها دين .. اذا كنت تعتقد اللادينية ليست دينا ، فمفهوم الدين هنا يحتاج لمراجعة! كل ما نازع الدين فهو دين بالضرورة ، و كل ما نازع الدين فهو بديله و أن كان فراغا !
العلمانية ايديولوجيا تنازع الدين ، الدييموقراطية لا تفعل.
أغيب لشهور عن هذه الزاوية ثم أعود للدقائق لاستكشف أن الكاتبة مازالت تدور في نفس الحلقة المغلقة وتتناول نفس المواضيع وبنفس الأسلوب المتكرر. لا تغيير. تقبل صيامكم وقيامكم وصالح أعمالكم اخوتي الصائمين. ألأمر جلل والحياة تمر والموت والآخرة في الانتظار والله إني لاستغرب من حجم الأقفال التي على القلوب والغشاوة التي تغلق العيون. سبحان الله وبحمده. سبحان الله العظيم.
حياك الله يا دكتور رياض , رمضان مبارك على الجميع
ولا حول ولا قوة الا بالله
نفس ما لاحظته يا دكتور رياض .. حتى لو غبت اعواما و سنين لا يبدو هناك ما يوحي بأن الفكرة و الموضوع و الاسلوب سيحيد عن السطر و التكرار و الانسداد !
هناك يقينيات اراها تخشى النقاش و التفاعل و التوقف عند التعليقات..و الغريب انها تنتقد يقينيات الآخر دونما رغبة في مناقشته و مناظرته!!
الحال هنا كمن اسمعك ما لا ترضى و اغلق الباب..
اشتقنا لمداخلاتك و تعليقاتك و حضورك دكتور رياض .. تقبل الله منا و منكم الصيام و صالح الاعمال.
أخوايا الكريمان العزيزان داوود وجواد بارك الله فيكما وتقبل منكما ومنا جميعا الصيام وصالح الأعمال. دمتم وجميع الأخوة والاخوات بحفظ الله ورعايته.
تحية للجميع
يبقى السؤال الاهم في مجتمعاتنا هي الحرية الدينية فعندما يكون هناك حق اختيار للدين بحماية القانون فسيلتزم الكل بالقوانين ولكن في مجتمعاتنا هناك غالبية ورثت الدين ولا تفهم منه سوى الممارسات الموسمية وتكون مجبرة على ممارستها او بالاحرى تمثل ممارستها لان من حولهم يريد ذلك ويخشون الملامة فنحن لا نعرف عدد الصائمين برمضان في بلداننا بشكل دقيق ولكن ظاهريا الكل صائم
في ميزان الفكر..هناك فرق بين الغربيين والتغريبيين.. فالأول هو تعبير عن انتماء وخصوصية حضارية وثقافية..والثاني هو تجسيد للاستيلاب وفقدان بوصلة الانتماء التاريخي والاجتماعي…؛ والعجيب أن نجد هذا الصنف غير محدد الموقف في الأمور البديهية التي طالما زايد بها…فتجده في موضوع الصيام مثلا وهو قرار الأغلبية الساحقة…ينادي بتحكيم رأي الأقلية الميكروسكوبية…ويترك أهم قاعدة في الديموقراطية لينتصر لمنهج الرفيق أنور خوجا الألباني في هذا الجانب وهو من عتاة المتسلطين بإسم البلشفية… أو طريقة المجاهد الأكبر في تونس..الذي لم يسجل له التاريخ جهادا إلا في النرجسية والتسلط وتغييب أي رأي مخالف..؛ علما بأن هناك الكثير من المنتمين إلى الديانات الأخرى يصرون على إحترام معتقدات الآخرين…وخير نموذج كان عندنا في المغرب عندما كان اليهود والمسيحيون الإسبان وغيرهم يشاركون المغاربة بالامتناع العلني عن الأكل..والتواجد على موائد الإفطار في حالات كثيرة …ونفس السلوك كان بالنسبة إلى صيام هؤلاء حسب عقيدتهم…؛ لا أحد سيهتم بمن قام بالافطار في بيته…ولكنه الاصرار على تحدي مشاعر الأغلبية..التي ينبع من ارادتها القانون المعتمد في البلدان التي تسمى بالديموقراطية…ورمضان مبارك..
مقالة انسانية وحقوقية رائعة!
ما مرّ به العلماء مثل جاليليو جاليلي من البابا ومحاكم التفتيش الكنسية في روما، تمرُّ به غالبية الشعوب العربية في الشرق المعذّب!
يجب فصل الدين وقوانينه عن الدولة وقوانينها الحديثة، فصلا تاما! دستورا وفعلا وعلى أرض للواقع!
من أكثر الأشياء إيلاما رؤية ذوي الاحتياجات الخاصة والتي يتنمر عليهم الناس ويطلقون عليهم مصطلح المعوقين ولكن للحقيقة انهم ليسوا كذلك فالعنف الحقيقي هو العوق الفكري والأخلاقي والقيمي الذي يلفظ أفكارا منحرفة ويلفظ معوقين نفسيين ومعوقين فكريين ومعوقين اخلاقيين