الشيخ عكرمة صبري بعد «البرنص الجزائري» في سؤال «الأوقاف» و«ورقة المقاومة»: لماذا يتأخر الأردن؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان – «القدس العربي»: يرتدي الشيخ عكرمة صبري باسم القدس وأهلها وهيئتها الإسلامية البرنص الجزائري، ويلتقي رئيس وزراء ماليزيا ويلقي الدروس عن القدس والمسجد الأقصى في إسطنبول، ويقوم بجولات مكثفة في معظم الدول الإسلامية وبعض العربية.
رغم ذلك، لا تذكر الأنباء الرسمية ولا الأهلية الأردنية أي أنباء عن لقاءات للشيخ صبري، أبرز شخصية مقدسية مع طاقم وزارة الأوقاف الأردنية صاحبة الوصاية المباشرة على المقدسات المحتلة. ولا يحظى الشيخ صبري بوضوح بأي رعاية تنسجم مع مضمون جولاته دفاعاً عن أوقاف القدس من جهة وزارة الأوقاف الأردنية.
في موازاة المشهد نفسه، مسؤولون من غالبية الدول العربية مع الدول الإقليمية يتواصلون أو يتحدثون مع قادة فصائل المقاومة الفلسطينية، لا بل تستثمر بعض عواصم الاعتدال العربي مثل مصر وحتى السعودية بتلك الفصائل كورقة سياسية وأمنية في كثير من الأحيان باستثناء عمان، التي لا تريد ولا ترغب ولم تطور بعد أي تقنية سياسية أو أمنية تستثمر سياسياً وإقليمياً في ورقة المقاومة الفلسطينية، مع قناعة الأردنيين عملياً بأن ما يسمى بالشرعية الفلسطينية أو سلطة رام الله ومعها حركة فتح، باتت في حالة تراجع حاد هذه الأيام.
في مواجهة ما سمي بورشة عمل في البحر الميت مغلقة حضرتها “القدس العربي” بسيناريو الانزلاق الفلسطيني، كانت كل التوصيات والخيارات تقترح روابط أقوى من أجل الوصاية مع أهل القدس وانفتاح على حركات المقاومة.
طالما تحدث قادة حركة حماس ومنهم خالد مشعل في عمان، عن التقدير الشديد والأكيد والدائم للدولة الأردنية واحترام خياراتها، لا بل وصلت من قادة حماس رسائل سياسية تطلب الود والوصال، وقد كانت تلك قيمة ملموسة لـ”القدس العربي” في لقاء سابق مع الشيخ إسماعيل هنية بإسطنبول.
وطالما نصح أردنيون، من بينهم أعضاء في البرلمان وحتى وزراء سابقون، سلطات وحكومة بلادهم بتوسيع بيكار التواصل مع مكونات الحالة السياسية والأمنية الفلسطينية أكثر قليلاً؛ لإعادة رسم التموقع الأردني في عمق الملف الفلسطيني.
لكن مثل تلك الدعوات لا يستجاب لها حتى الآن، فالرهان السياسي الأردني الوحيد في الحرم المقدسي في القدس هو على طاقم موظفي وزارة الأوقاف الأردنية وليس على الشخصيات المقدسية، والرهان الأردني الوحيد هو في لغز سياسي لم يفهم بعد ولم تتفكك أسراره يتقمص ثوباً باسم إعادة توحيد حركة فتح. وهي مهمة معقدة وصعبة، حاول الأردن أو يجرب حظه معها لكنه بقي طوال الوقت في أبعد مسافة ممكنة عن التأثير الحقيقي والعميق سواء بين أقطاب حركة فتح أو في إعادة تلك الحركة إلى المشهد، لأن تعقيدات العلاقة التاريخية مع حركة فتح مفهومة للجميع.
الأردن في محورين أساسيين على الأقل، ونتحدث هنا عن أردن رسمي يزحف ببطء نحو المعادلة الفلسطينية، الأمر الذي يحرم عمان سياسياً من ورقة ضغط مرنة ومنتجة، وقد ينطوي التفاعل معها على مكاسب سياسية إقليمية. ويلاحظ الجميع بأن مستوى التردد في إقامة علاقات وصلات مباشرة وحيوية مع شخصية مثل الشيخ عكرمة صبري على مستوى طاقم الأوقاف الأردني ووزارة الأوقاف ليس مفهوماً بعد، علماً بأن صبري نفسه كان قد أبلغ “القدس العربي” في اجتماعين له في عمان حضرتهما أنه يمد يده لمصافحة طاقم الأوقاف الأردني، وأنه يسعى لنمط جديد من العلاقة غير القائمة على التشكيك بالنوايا، وأنه يؤيد الوصاية الهاشمية الأردنية ويريد أن يباركها، مقترحاً على مسؤولي عمان أن يتوقفوا ولو قليلاً ومن باب التأمل، عن التركيز على ما يرصد في تقارير ميدانية مغرضة قد تعوزها الدقة وصحة المعلومات.
والحقيقة أن الاتصالات مع شخصية مقدسية بارزة تترأس الهيئة الإسلامية في فلسطين مثل الشيخ صبري هي اتصالات مترددة وزاحفة وبطيئة، لكن لا أحد يعلم لماذا بصورة محددة حتى الآن، مع أنه عضو في مجلس الأوقاف الأردني الأعلى الذي يتولى من بين مسؤولياته منابر المسجد الأقصى.
في كل حال، ما تقوله النخب الأردنية الوظيفية والبيروقراطية في هذا السياق ضمناً لعكرمة صبري ورفاقه من الإسلاميين والمقدسيين البارزين أنها لا تحتاج لخدماتهم فيما تفتح الأبواب المغلقة الكبيرة للشيخ صبري ولقادة المقاومة في الجزائر وإسطنبول وماليزيا وفي غالبية الدول العربية، بما في ذلك الكويت. والأكثر غرابة أن دولاً تشابه الأردن في الأجندة السياسية وفي العلاقة وطبيعتها مع الولايات المتحدة، تفتح أبوابها أيضاً لفصائل المقاومة الفلسطينية وتحاورهم وتناورهم أحياناً، لا بل تستثمر فيهم.
لكن عمان وحدها بقيت تعمل في ظل قناعة بأن ما يتاح لدول مثل مصر والسعودية في المسألة الفلسطينية قد لا يتاح لدولة مثل الأردن لديها التزامات وعليها ارتباطات، لا بل تحصل على مساعدات مالية من الولايات المتحدة من الصعب المجازفة بها.
سمعت “القدس العربي” شيئا من قبيل ذلك من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة. لكن حتى مساحات وهوامش المناورة في مسألة القدس على الأقل وفي مسألة المقاومة الفلسطينية، ليست مستخدمة ولا مستثمراً فيها، علماً بأن دولاً أخرى مثل مصر وقطر والسعودية وحتى الكويت وبالتأكيد سلطنة عمان، تستثمر في تلك الهوامش وتناور وتفتح أكثر على فصائل المقاومة الفلسطينية أو على الشخصيات المقدسية البارزة، في الوقت الذي تتبع فيه الحكومة الأردنية إزاء هذه الملفات والمساحات منطق “مكانك سر”، الأمر الذي يحيل الملفين إلى لغز حقيقي يحتاج لكثير من التفسير والقراءة والتأمل خلافاً لأنه يؤدي إلى خطوات استدراك أردنية دوماً متأخرة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية