بغداد ـ «القدس العربي»: أكد الحزب الشيوعي العراقي، «فشل» ما وصفها بـ«قوى المحاصصة والفساد» في إدارة العراق، عاداً الانتخابات المبكّرة ضرورة لا يجوز التمهل معها، وإن التنصل عن إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، «أمر لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله»، وفيما أشار إلى «دور مؤثر» للإرادات الخارجية في مسار تشكيل الحكومة الاتحادية الجديدة، برئاسة محمد شياع السوداني، أكد أن انتهاج «المحاصصة»، انتقل من تسمية الوزراء إلى الدرجات الخاصة.
جاء ذلك خلال اجتماع دوري عقدته اللجنة المركزية للحزب، استمر مدّة يومين، كُشفت تفاصيله مؤخراً.
تحديات جسيمة
وإضافة للمناقشات التنظيمية للحزب، درست اللجنة المركزية التطورات السياسية في العراق، منذ اجتماعها السابق، مطلع حزيران/ يونيو الماضي، وتوصلت، حسب بيان صحافي إلى أن «وطننا شهد تغيرات وتطورات وأحداثا وضعته أمام تحديات جسيمة».
وشدد البيان على أن «الأزمات المتتالية المصاحبة لحكم منظومة المحاصصة والفساد ما تزال تطحن شعبنا، ومعها ترتفع معدلات الفقر والبطالة والمرض والتخلف ونقص الخدمات، ويتواصل عجز المتنفذين عن إيجاد الحلول والمعالجات». وأضاف: «إذ انتهت حالة الاستعصاء السياسي المتعلقة بتشكيل الحكومة، فإن ذلك لا يعني نهاية الأزمة الشاملة، المرشحة للتفاقم على صعد مختلفة، حيث تستمر أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في التدهور مع غياب السياسات الاقتصادية التنموية السليمة، وتغوّل منظومة الفساد، التي لم تعد تخشى إظهار فضائحها إلى العلن».
ولفت إلى «دور الفئات البيروقراطية والطفيلية والكمبرادورية، التي شكلت تحالفات وتفاهمات مع العديد من المتنفذين من صناع القرار السياسي والاقتصادي والمالي».
وارتباطا بذلك، «اتسعت الهوة وغدت سحيقة بين ذوي الثراء الفاحش، والغالبية الساحقة من المواطنين، وتفاقمت حالة التفاوت الاجتماعي والفرز الطبقي في البلاد، نتيجة للنهج الفاشل، الذي اتبعته قوى المحاصصة والفساد في إدارة البلد وموارده وثرواته».
وفي الظروف الراهنة، رأى الحزب أهمية «الضغط لاستثمار الوفرة المالية، المتحققة أساسا بفضل ارتفاع اسعار النفط، بما يغير على نحو سليم تركيبة الدخل الوطني وإيرادات الدولة لصالح المتأتية من القطاعات الإنتاجية، لاسيما الزراعة والصناعة، والتوجه نحو إيجاد ركائز تنمية متوازنة ومستدامة تحسّن المستوى المعيشي وتوفر الخدمات للمواطنين وتوجد فرص عمل لهم، وذلك ما يتوجب اعتماده وليس اللجوء الى التوظيف المسيّس والزبائني».
وهذا بدوره «يستدعي مراجعة شاملة للتعليم في مختلف مراحله، وإعادة بنائه على وفق الحاجة الفعلية، بجانب تنمية الكفاءات والقدرات المهنية الوطنية».
وأكد الاجتماع أن «الحكومة الجديدة، جاءت وفق آليات التحاصص المعهودة، بل ذهبت إرادة قوى المحاصصة إلى أبعد من تسمية الوزراء، وانتقلت إلى صراع مكشوف على الدرجات الخاصة»، مبيناً أن «الإرادات الخارجية لعبت دوراً مؤثراً في مسار تشكيل الحكومة، وفقاً لحسابات المصالح الدولية والإقليمية للفاعلين الخارجيين ودورهم في الشأن العراقي».
وجدد الاجتماع موقف الحزب في رفضه لـ«نهج المحاصصة، ولاعتماده كمبدأ في عملية تشكيل الحكومات السابقة، وتشكيل الحكومة الحالية أيضا، التي نراقب خطواتها وإجراءاتها وقراراتها، ونتخذ المواقف منها ومن قراراتها وفقا لمصالح شعبنا، فيما اليقين راسخ من أن حكومة تقوم على منهج فاشل، لا يمكن أن تتخطى حدود ما هو مرسوم لها من جانب القوى والكتل السياسية المشاركة فيها والداعمة لها».
بديل سياسي
وهو ما يؤكد، وفق «الشيوعي»، «حاجة شعبنا إلى بديل سياسي يرفض منظومة المحاصصة والفساد، ويؤسس لخطوات واعدة على طريق التغيير الشامل».
واعتبر البيان أن، «لا يمكن الاكتفاء بالنظر إلى ما هو مكتوب في المنهاج الوزاري، بل أن المعيار لما يتضمنه هو المنجز والمتحقق منه فعلا، ومدى انعكاس ذلك إيجابيا على حياة العراقيين ومعيشتهم والخدمات المقدمة إليهم».
كما أوضح أن «مجمل ظروف البلد ومنهج تشكيل الحكومة والمعطيات الواقعية الراهنة، تجعل من موضوع الانتخابات البرلمانية المبكرة، العادلة والنزيهة، ضرورة لا يجوز التمهل معها»، لافتا إلى أن «التنصل من إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، أمر لا يمكن السكوت عنه أو تجاهله، بل يجب مواصلة الضغط السياسي والشعبي لتأمين إجراء هذه الانتخابات مثلما جاء في المنهاج الوزاري».
وبخصوص الفاسدين، فإن «معركة التصدي لهم بما يملكون من إمكانات وتداخلات مع أصحاب القرار والمتنفذين والمافيات الميليشياوية، لن تكون سهلة، وإن الحد منها والانتصار فيها، يتطلبان حشد قدرات كل العناصر والطاقات الوطنية، الرسمية والشعبية، وإطلاق (الحملة الوطنية لمكافحة الفساد) قولا وفعلا».
وهذه الحملة يجب أن تتضمن، وفق البيان «أهدافا محددة معلنة وإجراءات وخطوات ملموسة. وهذا يتطلب أيضا ضمان سيادة حكم القانون، وإقامة دولة المؤسسات واحتكارها للسلاح وتفكيك الميليشيات».
وأشارت اللجنة المركزية في بيانها إلى أن «المجتمع العراقي يشهد حراكا اجتماعيا مستمرا، يتمظهر في شكل احتجاجات سياسية ومطلبية وتذمر واسع، ونقد ساخط على مواقع التواصل الاجتماعي. ومع استمرار السياسات ذاتها ارتباطاً بالتمسك بنهج المحاصصة وما يسببه من تداعيات، فمن المرجح أن نشهد تفجراً اجتماعيا كبيراً، تتصدره الشرائح الاجتماعية الأشد فقرا والفئات المتضررة من منظومة الحكم».
انتقد قوى المحاصصة والفساد… واعتبر الانتخابات المبكرة ضرورة
وفي حين أكد الشيوعي رفضه «من حيث المبدأ، أي اعتداء أو انتهاك لسيادة العراق واستقلاله، تحت أي ذريعة ومن أي طرف»، جدد مطالبته الأطراف كافة بـ«احترام ذلك، ووقف الاعتداءات العسكرية التركية والإيرانية، وإزالة ما هو موجود من القواعد».
كما أبدى تضامنه «مع الشعوب وحقها الطبيعي في النضال، وفي العمل لتحقيق طموحاتها وأهدافها».
وشدد على «أهمية الاحترام المتبادل لسيادة البلدان وحرمة أراضيها، وأن الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، مطالبتان بالعمل على وقف الإعتداءات المتكررة بمختلف الطرق الدبلوماسية والاقتصادية والتجارية، والدفاع عن البلد وصيانة حدوده واستقلاله، وتوفير الأمن والاستقرار للمواطنين».
وبخصوص، ملف التغيّر المناخي وشح المياه وبالجفاف والتحديات البيئية التي يواجهها العراق، اعتبر الحزب أن، «بات ملحا على الجهات الحكومية ومؤسسات الدولة ذات العلاقة، التحرك في اتجاهات عدة لتأمين حصة عادلة للعراق، والتعامل اقتصاديا وتجاريا وسياسيا مع تركيا وإيران في ضوء مواقفهما من قضية المياه».
وهذا يتطلب «المزيد من الضغط بعيدا عن الحسابات الضيقة، لانتزاع حصة مقبولة للعراق في مياه نهري دجلة والفرات، وأن تعيد إيران النظر في إجراءاتها الأحادية الضارة والمؤذية».
ودعا الحكومة لـ«تقديم كل أشكال الدعم والإسناد للمزارعين والفلاحين»، خصوصا وأن «منهم من اضطر إلى ترك أرضه والهجرة منها تحت ضغط الجفاف».
وفي ظل «الظروف الراهنة التي يمر بها العراق، وانعكاسات التطورات الإقليمية والدولية، والتحديات الجمة التي تواجه شعبنا وبلدنا»، دعا الحزب الشيوعيين إلى «العمل بهمة ونشاط للارتقاء بدور الحزب ومنظماته ورفاقه وجمهرة أصدقائه، والتحرك الفاعل والنشط والدؤوب لبناء منظمات حزبية قوية جماهيرية متماسكة، ومد جسور التعاون والتنسيق مع مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، ولاسيما تلك المتضررة من تسلط منظومة المحاصصة والفساد والسلاح المنفلت».
وخلص بيان إلى أن «هذه التحديات تلقي أيضا على عاتق الشيوعيين وقوى التيار الديمقراطي وسائر القوى المدنية والديمقراطية، وقوى الحراك التشريني، وجميع المناضلين والعاملين من أجل التغيير الشامل، مهمة العمل المتواصل والحثيث لبناء حركة شعبية معارضة، منظمة وقوية، والتحرك معا بآفاق واضحة المعالم والأهداف لتغيير موازين القوى ودحر منظومة نهج المحاصصة، وكسر احتكار السلطة وبناء اصطفاف وطني وديمقراطي واسع، يدفع للسير إلى أمام على طريق التغيير الشامل وبناء البديل الوطني الديمقراطي ودولة المواطنة والمؤسسات والقانون والعدالة الاجتماعية».