أقول في البداية إن الصادق المهدي من الشخصيات المؤثرة في السودان، وما يميز هذا الرجل ثقافته العالية التي جعلته يرتفع فوق السياسات الحزبية الضيقة، وكما يعلم الجميع فإن الصادق المهدي هو إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة، وقد كان حزب الأمة قبل فترة الاستقلال وقبل زعامة الصادق المهدي مناهضا لفكرة الاتحاد مع مصر، وكان يسير في اتجاه مختلف من الحزب الوطني الاتحادي بقيادة اسماعيل الأزهري الذي كان يدعو لوحدة وادي النيل.
وقد تمكن حزب الأمة أن يفرض استقلال السودان عن طريق البرلمان، لكن الصادق المهدي جاء الآن بفكر جديد لإدراكه لطبيعة العلاقة الاستراتيجية بين السودان ومصر، وهي العلاقة التي فرضتها في نظره بعض التطورات الجديدة في السودان مثل انفصال جنوب السودان وحركات التمرد في غرب البلاد وتهديدات الحركة الثورية بالزحف نحو الخرطوم.
وهنا أود أن أتحدث عن تجربة شخصية مع الصادق المهدي، إذ قبل عدة عقود كنت أقدم في التلفزيون السوداني برنامج ‘عالم الفكر’ وكان من ضيوفي الإمام الصادق المهدي، وأذكر بعد هذه المدة الطويلة جاء الصادق المهدي في زيارة لقناة الجزيرة، وعندما كان متوجها إلى الاستديو التفت ورآني وفجأة التفت نحوي وجاء واحتضنني، وتأثرت جدا وشعرت بعظمة هذا الرجل الذي نذر حياته للفكر وخدمة المصالح الوطنية، وبهذه المناسبة أود أن أتوقف عند بعض الآراء المهمة التي وردت في مقابلة أجراها الصادق المهدي مع ‘المصري اليوم’ وذلك من أجل تحليل القيمة السياسية التي وردت في هذه المقابلة المهمة.
ونرى في البداية أن الصادق المهدي يعيد المفهوم القديم وهو أن حل المشاكل السياسية في مصر سيكون له تأثيره على العالم العربي بأسره.
ونلاحظ أن الإمام المهدي يقدم قراءة صحيحة لما جرى في مصر بعد ثورة الخامس والعشرين من نوفمبر، فهو يرى أن المتوقع كان أن تتولى القوى الثورية الحكم بعد نجاح هذه الثورة، ولكن القوى الثورية لم تكن على درجة من التنظيم يتيح لها ذلك وهو ما جعل القوى الأكثر تنظيما وهي جماعة الإخوان المسلمين، هي التي تتولى هذا الأمر. ولا يعني أن القوى الأخرى لم تكن تهتم بالنواحي الدينية وخاصة جماعة الأقباط بل يعني أن القوى الليبرالية لها أجندة مدنية وستواصل الدعوة لها حتى في إطار نظام حكم إسلامي.
وعندما سئل الصادق المهدي، هل يمكن أن يفرض أي من التيار الديني أو المدني رأيه على الآخر؟ قال الصادق المهدي إذا استطاعت القوى المدنية أن تسقط حكم الإخوان، فإن تيار الإخوان سيكون أقوى وأقدر على المعارضة، وذلك ما قد يؤدي إلى وضع غير مستقر، ويرى الصادق المهدي أن ما يريده الحكم في مصر هو نوع من التراضي يبقي على الاستقرار في أرض الكنانة .وفي جميع الحالات يرى الصادق المهدي ضرورة إبعاد الجيش عن العمل السياسي فـي مصـر، وهذا بالطبع رأيه في كل بلاد العالم العربي.
ويرى الإمام المهدي يجب أن يكون ذلك من منطلق المحافظة على الجيوش العربية التي واجهت مشكلات كبيرة في العراق واليمن وسورية.
وعندما سئل الصادق المهدي عن وساطته مع القوى السياسية في مصر قال إنه بدأ هذه الوساطة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك وهو يواصلها الآن ،من أجل التوصل إلى حالة من التراضي مع مختلف القوى السياسية في مصر، وعندما سئل إن كان نظام الإخوان يسير على نهج نظام الإنقاذ في مصر قال الصادق المهدي، إن الإخوان المسلمين تعرضوا عبر مختلف عهودهم إلى معاملة قاسية من نظم الحكم وهذا مالم يحدث في السودان، وأخيرا وصل الإخوان المسلمون في مصر عن طريق صناديق الاقتراع، وأما الإخوان المسلمون في السودان فقد أتوا إلى الحكم عن طريق دبابة.
وعندما سئل إن كان الإخوان المسلمون في تونس ومصر سيحتذون نظام الحكم في السودان، قال الصادق المهدي، يجب أن تبتعد جميع الحركات الإسلامية التي جاءت إلى نظام الحكم عن طريق صناديق الاقتراع عن ذلك.
وعندما سئل أن كان نظام الرئيس مرسي وهو يحاول في توجهاته أخونة نظام الحكم في مصر أن يقتدي بنظام حكم البشير في السودان، قال الصادق المهدي يجب أن تتجنب أنظمة الحكم الإخوانية التي جاءت إلى الحكم عن طريق الاقتراع التجربة السودانية.
وعندما أخبر أن بعض القوى في مصر تنادي بإنشاء مليشيات خاصة قال الصادق المهدي إن انشاء مليشيات في مصر لن يحل المشكلات بل سيزيد من تعقيداتها، ويجب أن تحل جميع المشكلات المصرية عن طريق التراضي.
ولدى سؤاله إن كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير سيفي بوعده بعدم الترشح لدورة انتخابية أخرى، قال هذه مشكلة ستواجه الحزب الحاكم الذي بنى وجوده على شخصية البشير لضمان مصالحه، وقال إن الرئيس البشير ليس أول رئيس يعلن أنه لن يعيد ترشيح نفسه فقد سبقه إلى ذلك الرئيس السادات والرئيس اليمني علي عبدالله صالح ولم يفيا بوعدهما، ويرى الصادق المهدي أن مسألة إعادة ترشيح الرئيس لا تعتمد على قراره الشخصي بل على مصلحة النظام بأسره .وقال إن المسألة الآن لم تعد تقتصر على إعادة ترشيح البشير بل يجب أن يتغير النظام بأسره بسبب المشكلات التي تواجهها البلاد من تحزب واخفاق وحروب، ،ولن تحل مشاكل السودان إلا في إطار نظام حكم جديد.
وعندما سئل الصادق المهدي عن الكيفية التي سيأتي بها نظام الحكم الجديد قال إن ذلك سوف يأتي باتفاق جميع القوى الوطنية في البلاد بشرط عدم الجنوح إلى العنف ويرى أن الكثيرين يعتقدون أن إزالة ما يسميها النظم الاستبدادية لا يتم إلا عن طريق العنف. ويرى الصادق المهدي أن النظام نفسه يجب أن يدرك أنه يجب أن بساعد في التغيير لأنه أخفق في تحقيق الشعارات التي رفعها حين تولى السلطة.
وكما نرى فإن أراء الصادق المهدي – كما هي دائما – تتسم بالاعتدال والموضوعية، ولكن أهم ما ذكره – الآن – هي المواقف التي تتعلق بالتطورات السياسية في مصر بكونها تأتي من زعامة حزب الأمة الذي كانت له مواقف غير تلك في الماضي، ولا يمكن تفسير مثل هذا التحول الجوهري إلا في إطار التغيرات والتحديات التي تواجه السودان في الوقت الحاضر.
‘ كاتب من السودان