إن الجهود التي يبذلها رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن ليفضي الى فوز المطرب من غزة محمد عساف في مسابقة ‘محبوب العرب’ تبدو أكثر تصميما وجهدا من جهوده لاستدراج رئيس وزرائه رامي الحمدالله الى البقاء في المنصب.
حاولت حماس في الحالين ان تُفشل ذلك. فحماس ترى هاتين الحالتين ‘مؤامرة مظلمة’ يجب القضاء عليها. في حال الحمدالله، وهو استاذ كرسي في علم اللغة ورئيس جامعة النجاح، لم يفهم أحد لماذا وافق أصلا على أن يكون رئيس حكومة أعرج على عكازين، وهما المستشاران اللذان ألصقهما أبو مازن به كي يحد سلفا من أدائه وسلطاته.
وفي حال المطرب عساف، أدرك أبو مازن فورا انه عثر على طاقة كامنة ناجحة. فكيف يمكن عدم ارسال رسالات قصيرة تؤيد نجما وسيما في الثالثة والعشرين من عمره يسكن في مخيم اللاجئين خان يونس، وأصبحوا يسمونه ‘توم كروز الفلسطيني’. إن له صوت جرس وهو يعرض أغاني تتحدث الى كل واحد في العالم العربي. والبنات مجنونات به بالطبع.
إن عساف الذي بدأ حياته المهنية مطرب أعراس مسلحا بأم مستحثة تعلم سريعا كيف يفعل ذلك. فقد كان يكفي ان يصعد الى المسرح ويلف نفسه بالكوفية الفلسطينية. فهو يؤثر في القلوب من غير خطب سياسية ايضا. قال له واحد من فريق الحكام في منافسة ‘محبوب العرب’ حتى قبل فرز الاصوات في بيروت: ‘أنت صاروخ من غزة لنا جميعا’. وهذا الحكم وهو راغب علامة هو نفسه نجم الحفلات الغنائية ويجب ألا نتناول التفصيلات. إن التصفيقات الحادة التي تصاحب المطرب من غزة نجحت في ان تُهدئ روع قيادة حماس ايضا. فقد كانوا في المراحل الاولى يرون عساف ‘كافرا علمانيا’. لكن في اللحظة التي ارتفع فيها الى رتبة ‘صاروخ من غزة’ سارعوا الى نسبته اليهم.
إن مصر مرسي الاسلامية ايضا لم تعانقه بشدة، فحينما حاول المطرب من غزة ان يعبر الممر الحدودي في طريقه للفحص في قاعات التلفاز في القاهرة، أغلقوا المعبر، لكن والدة عساف لم تتنازل.
وقالت له بهاتفه المحمول لا تعد الى البيت، ولا تتجرأ على التنازل. واستقر رأي عساف على ان يفعل ما يُحسن فعله أكثر من كل شيء وهو ان يغني أغنية رومانسية على مسامع الحراس، فقد تسلق جدار الفصل وهم ينظرون في دهشة وقفز الى الجانب الآخر من الحدود.
ولم يعارض أحد وأُعلن في الغد أنه واحد من الثلاثة الذين سيبلغون الى نهائي المسابقة. كان له منافس مصري ومطربة من سورية، لكن يبدو ان احتمالاته هي الأكثر وعدا بفضل خلفيته الفلسطينية وأطنان من السحر الشخصي.
مع عدم وجود احتمال تصالح بين غزة ورام الله، تدعو الادارتان واحداهما علمانية والاخرى اسلامية متشددة، تدعوان الله للنجم الذي ولد حديثا. في حماس يعدون بتكريم كبير لعساف اذا عاد أصلا، وبأنهم لن يشوشوا عليه عروضه في ذروة موسم الأعراس، وقد نشر أكثر من 100 مقالة في وسائل الاعلام العالمية عن ظاهرة ‘المطرب من مخيم اللاجئين’، الذي برز خلافا لجميع الاحتمالات. وجعله الشباب بطلا وطنيا ورمزا للآمال الكبيرة التي لا ينجح الساسة في تحقيقها.
سيبتلعون ريقهم في المعسكر الاسلامي، فعساف بعد كل شيء يغني بالانكليزية ايضا وليست عنده (الى الآن) رسائل متحمسة. وهو سيبقى من وجهة نظرهم ‘الصاروخ الذي أطلقناه من غزة من دون ان يخطئ’. وفي الجانب الثاني أدخل أبو مازن السفارات في الخارج في استعداد عملياتي للحث على ارسال الرسائل القصيرة. وقلصت شركتا الهواتف المحمولة الفلسطينيتان كلفة الرسائل النصية الى النصف.
اذا أُعلن أنه الفائز فسيحصل النجم المولود الفلسطيني على عقد تسجيلات تدليلي وسيارة (كيف بالضبط سيُدخلها الى غزة؟ وماذا عن الضرائب؟). إن الشيء المؤكد هو أنهم أصبحوا يُعدون لاحتفالات فوز في مدن الضفة من غير الفائز، وسيهاتفه أبو مازن كما يفعلون عندنا بالضبط كي ينال عنوانا صحافيا ايجابيا.
سمدار بيري
يديعوت 23/6/2013