الصراع على سورية بين المناورات العسكرية والمؤتمرات السياسية!

هناك ظاهرتان رئيسيتان تسيطران على خريطة المشهد السوري هذه الايام لا يمكن تجاهلهما اذا اردنا ان نستشرف المستقبل من خلال التوقف عندهما وقفة متأنية.
*الظاهرة الاولى: كثرة المناورات العسكرية في اماكن مختلفة من المنطقة العربية. فهناك مناورة جوية سعودية ـ تركية هي الاولى من نوعها، وهناك مناورة في الاردن تحمل عنوان ‘الاسد المتأهب’ تشارك فيها 19 دولة بهدف معلن هو تأمين الاسلحة الكيماوية السورية من خلال تدخل عسكري بري، وهناك مناورة بحرية ثالثة في منطقة الخليج تشارك فيها 41 دولة تركز على كيفية ازالة خطر الالغام البحرية في قاع البحر، ومنع اغلاق مضيق هرمز، وهناك مناورات عسكرية رابعة تجريها البحرية الايرانية.
الظاهرة الثانية: زحمة من اللقاءات السياسية والدبلوماسية، فيوم امس اجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي في بروكسل لمناقشة مسألة رفع الحظر عن توريد اسلحة للمعارضة السورية. ومساء امس عقد لقاء ثلاثي في باريس ضم وزيري خارجية روسيا سيرغي لافروف وامريكا جون كيري، ومضيفهما الفرنسي لوران فابيوس، للاتفاق على جدول اعمال ‘مؤتمر جنيف 2’ بشأن سورية، ولا ننسى في هذه العجالة اجتماع المعارضة السورية في اسطنبول لبحث توسيع الائتلاف وضم كتلة ميشيل كيلو واتخاذ قرار بشأن المشاركة في مؤتمر السلام الدولي.
اللافت ان لا خلافات اطلاقا على صعيد الظاهرة الاولى وهي المناورات العسكرية، فالمشاركة فيها، وغالبا من القوى الغربية العظمى وحلفائها، تتم في انسجام تام وبطريقة حماسية، خاصة تلك التي تجري في الاردن قرب الحدود السورية، او الاخرى التي تجري في الخليج العربي.
***
المناورات الجوية السعودية ـ التركية التي جاءت بعد زيارة مفاجئة للامير سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، لأنقرة الاسبوع الماضي، هي العنصر الجديد والأبرز في هذه المناورات، فلم يسبق ان اجرى البلدان مناورات كهذه مطلقا، بل ان السفير السعودي غاب عن انقرة لأكثر من عامين، فهل سبب هذا التناغم المتسارع هو تشكيل ‘كتلة سنية’ في مواجهة ‘الكتلة الشيعية’ (ايران، حزب الله، سورية، العراق) حيث ينجرف الصراع على سورية الى مناح طائفية صرفة؟
وفي مقابل هذا الانسجام في المناورات العسكرية تسود الخلافات جميع اللقاءات السياسية والدبلوماسية المتعلقة بالملف السوري:
*اولا: اجتماع المعارضة السورية في اسطنبول مدّد اجتماعه الذي بدأ قبل اربعة ايام الى يومين اضافيين لحلحة العقد المستعصية على الحل، وابرزها الاتفاق على الذهاب الى مؤتمر جنيف وهوية رئيس الوفد والاعضاء فيه.
السيد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف ما زال في حكم المستقيل، والسيد جورج صبرا نائبه هو الذي ترأس الاجتماعات، ومصير رئاسة السيد غسان هيتو رئيس الوزراء في مهب الريح، فمنذ آذار (مارس) الماضي وهو يحاول تشكيل حكومة دون جدوى، وهناك من يقول ان اسهمه انخفضت في اوساط المعارضة الى مستويات دنيا.
فرنسا وامريكا ودول اوروبية والسعودية تضغط لتوسيع الائتلاف (60 عضوا) لضم مجموعة ميشيل كيلو الليبرالية، لكسر هيمنة الاخوان المسلمين عليه، ولكن هذه الضغوط تواجه مقاومة شديدة من كتلة الاخوان في المجلس بدعم من دولة قطر، ولا يلوح في الافق حلّ قريب.
*ثانيا: فشل اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي في التوصل الى اتفاق بشأن رفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية، مما يعني انهيار العقوبات المفروضة على دمشق اذا لم يتم التمديد لها وللحظر قبل مطلع الشهر المقبل (الجمعة).
*ثالثا: استمرار الخلافات بين لافروف وكيري حول مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد قبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وكذلك حول الدول المشاركة فيه خاصة ايران، وطبيعة تمثيل سورية ووفدها.
مؤتمر جنيف الثاني في حال انعقاده سيكون المحاولة الاخيرة لمناقشة، وليس للتوصل الى، حل سياسي للأزمة السورية يوقف نزيف الدماء، واتفاق لافروف ـ كيري قطبي الحرب بالوكالة الدائرة حاليا في سورية، او عدمه هو الذي سيقرر طبيعة المرحلة المقبلة.
الدول الغربية وحلفاؤها في تركيا ومنطقة الخليج (مصر غائبة تماما) يستعدون للحرب سواء من خلال المناورات المكثفة، او اعادة التلويح باستخدام النظام السوري للاسلحة الكيماوية كورقة تغطية لتبرير التدخل العسكري، في حال صدر قرار اللجوء اليه.
صحيفة ‘لوموند’ الفرنسية قالت انها تملك ادلة على استخدام النظام لهذه الاسلحة مجددا في منطقة جوبر القريبة من العاصمة، ورددت الخارجية الفرنسية الزعم نفسه قائلة ان لديها ادلة اضافية اكثر قوة، وورد هذا على لسان فابيوس نفسه.
***
هناك احتمالان حول هذه المسألة الكيماوية، فإما ان يكون النظام لجأ فعلا الى استخدام هذه الاسلحة لإحراج الرئيس باراك اوباما وخطوطه الحمراء مرة اخرى، لقناعة راسخة لديه بأنه متردد في التدخل المباشر في الأزمة، وهذا احتمال وارد ولكنه ضعيف، او ان الدول الغربية تدرك جيدا ان فشل مؤتمر جنيف شبه مؤكد، وان لا مناص من اللجوء للقوة، وما يرجح ذلك ان بان كي مون امين عام الامم المتحدة اعرب عن قلقه الشديد من زيادة عدد القتلى في الحرب السورية، وطالب بوقف الحرب في اسرع ما يمكن.
الحرب في سورية بدأت ثورة شعبية من اجل الاصلاح والتغيير الديمقراطي وتحولت الى صراع طائفي، او بالاحرى حرب اقليمية طائفية سنية شيعية بالانابة، بين معسكر يضم ايران وحلفاءها تدعمه روسيا والصين من ناحية، وآخر يضم تركيا والسعودية وتدعمه امريكا وبريطانيا ودول غربية.
مؤتمر جنيف هو طوق النجاة الاخير الذي يمكن ان يوقف الانزلاق الى هذه الكارثة من خلال التوصل الى حل سياسي وفرضه على الجميع، او الذهاب الى الحرب.
باختصار شديد اما الحلّ السياسي او حرب طائفية تتطور الى عالمية مدمرة.
للتذكير فقط نقول ان الحرب الصفوية التركية الطائفية الطابع استمرت 166عاما.
Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الشعوب العربية:

    لا يجب ان ننسى ان الجيش الروسي الضارب لديه اساطيل في البحر الابيض و يجري مناورات هنا وهناك كقوة ردع حاسمة . المناورات الغربية لن تجدي وهي اعلامية و تضر المنطقة و تركيا و دول الخليج و تؤثر على استقرارها لان الكثيرين لا يعلمون شيئا و الافضل عدم التهور الى مستنقعات عميقة قد تمتد لسنوات و الشعوب تراقب و تعلم كل شيء

  2. يقول صوت الامة العربية:

    المناورات ليست نزهة و اي صدام سيمتد الى سنوات وليس ايام و يجب عدم التهور لان المخفي اعظم .

  3. يقول WILIAM MORGANE:

    ثورة حتى النصر
    قامت الثورة ضد الظلم والاستبداد والفساد والسرقة من السطلة الحاكمة وطالما لم تحقق الثورة اهدافها لن تتوقف لو وقفو كل دول العالم في وجهها … ولن يعود الثوار الى بيتوتهم طالما بشار في السطلة
    -سوريا

  4. يقول مصري:

    لماذا تقول ان مصر غائبة تماما؟؟؟
    مصر ليست غائبة…اذا كانت علي المناورات التي لا تخيف ذبابة فالقوات البرية المصرية تجري مناورات مع نظيرتها السعودية في تبوك…كما ان الجيش المصري يجري تدريبات و تفتيشات لم يشهدها من عقود منذ تولي السيسي منها اكبر ابرار ليلي في تاريخ مصر..يا اخي العرب كالعادة متفرجون لن تنفعهم مناورات و لا يحزنون!

  5. يقول ابو مندو:

    الاستاذ عبدالباري عطوان المحترم ….
    تحليل واقعي ومنطقي والحرب القادمة طائفية بامتياز …
    ولكن السؤال من فعل هذا من اوصل البلد إلى هذا الوضع الذي نحن فيه ؟؟
    هل يحتاج الاصلاح لهذه الحرب المدمرة من قبل النظام … اعتقد لايستطيع النظام أن يفعل اصلاح لأنه سوف ينهار فورا … تركيبة النظام بهذا الشكل ولايمكن اصلاحه.. من اول انقلاب في سوريا لايوجد نظام شرعي .. ولارئيس شرعي .يعني من قبل حزب البعث سوريا يحكمها دكتتوريين لذلك حان الوقت ونحن في هذا القرن الناس اصبحت في قمة الرفاهية ونحن نفكر بالحرية والتعددية والانتخاب الحر …. ولكن في النهاية ..
    من سمح لحزب الله أن يتدخل في سوريا … أعتقد ان الحزب ضل الطريق وسوف يكون من الخاسرين ….. ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون … إلى جهنم وبئس المصير ……

    1. يقول حنظلة:

      والله أن حزب الله هم الغالبون وسترون ذلك بأم اعيينكم أن كانت لكم اعين

    2. يقول Ali Alshammari-Iraq:

      انتم تطلبون العون لديمقراطيتكم من دول مضى عليها 100 سنة ولم تعرف انتخابا او اصلاحا

  6. يقول محمد الكرافس:

    تحياتي الأستاذ عطوان على المقال الذي نلمس فيه قراءة شاملة لتطورات الوضع حول الملف السوري. فعلا هناك حراك مكوكي دوليا و إقليميا لاحتواء الأزمة السورية قبل أن تتداعى و تأتي على الأخضر و الجاف. السيناريوهات التي قدمتوها في المقال تلخص الملف السوري بمختلف متدخليه و تسرد الحلول و الإمكانيات المتاحة سياسيا و عسكريا و ديبلوماسيا.
    قراءة محكمة و واعية بما يدور على الأرض..

  7. يقول Majed:

    وهل هناك وضعا افضل واكثر راحة ( لاسرائيل ) من الوضع الحالي.
    – على الصعيد الفلسطيني .فحالة الانقسام والتناحر متواصلة منذ العام 2007 , و ( شبه ) الوطن الفلسطيني اصيح اثنين احداهما محاصر ويسعى لتكريس ( الهدنة مع العدو ) باي ثمن … والاخر اصبح اشلاء بعد ان نال منه الاستيطان … فيما القدس لم بعد لنا فيها وجود .
    – الوضع في سوريا … حدث ولا حرج … مئات الالاف من الضحايا .. وما زال المسلسل متواليا بفصوله الدموية …. والحراك الشعبي تم اخطافه من النطام اولا باتهامه ( بالمؤامرة الكونية ) وبدفع الناس بقوة السلاح الى اليحث اي شيئ للذود عن ذاته … واختطفت لاحقا من القوى المسلحة حيث حلت محل الحراك الشعبي ولم تبقي له اثرا… ثم توسع الاختطاف ليصل الى الدولة ذاتها والى الجماعات المسلحة ايصا … بحيث ان النصريحات التي تخص سوريا اصبحت تصدر من طهران وموسكو ولاخقا من الضاخية الجنوبية في بيروت … والامور التي تخص المسلحين اصبحت تسمع من واشنطن وباريس ولندن والدوحة ووووووووو … وهو ما الغى وجود الطرفين , ولم يقتصر الامر على هذا الحد بل تجاوزه الى تدمير سوريا حجرا حجر … وبالسلاح السوري ذاته الذي وجد للدفاع عنها … وبايدي ابناء سوريا انفسهم … يعني ان اسرائيل وهي العدو المحتل لجزء من سوريا لم تطلق طلقة واحدة لتدمر سوريا … فالمهمة انجزت وبايدي السوريين انفسهم !!!!! فلم يعد هناك شيئ اسمه سوريا لا اليلد ولا الشعب … فالبلد لحق به من الدمار ما لم تصاب به افغانستان او الصومال … والشعب هجر ارضه واصبح مشردا على طاولات اللئام فيما اصطلح على تسميتها بدول الجوار , والتي ثبت انها ايعد من المنافي ولا تمت للجوار بشيئ …. !!!! وفي ضياع سوريا هذا … تاه الاخرون … فسحب حزب الله قواته التي تسلحت بسلاح من عرق السوريين … ليرتد به الى صدورهم وهم من احتضنوا اللبتاتيين وحدهم وبدون اي مساعدة من احد في عدوان 2006 …!!!!!
    هي اذن حرب الاخرين … ولكتها على ارضنا ونحن وقودها ….. !!!!!

  8. يقول Hassan:

    العرب أشد قمعا للعرب وما يحدث للعرب هو من أجل زيادة قمع العرب للعرب.
    فلا قامت ولا تعافت العرب التي آثرت السقم على الشفاء.

  9. يقول د0 عطوة محمد عطوة0 فلسطين:

    عن هاارتس قبل قليل وصول صواريخ روسية مضادة للطائرات وتبعث لنتنباهو
    تطمين انها ليست ضده ولكن ضد خطوة الدول الاوروبية من التدخل المباشر
    اى ان احتمال الحرب الكونية القريب جدا والتى لن تكون لصالح النظام
    ولا لصالح المعارضة بل لصالح الكيان كى يكمل مخططه فى بناء الهيكل
    ويكون الضحايا مسلمين فقط فان كان حربا فلتكن ويمكرون ويمكر الله والله
    خير الماكرين فهدفهم قتلنا وفى حال العركة غالبا ما يجد الله امرا باذنه
    تعلى خيرا ان شاء الله فمن يريدها طائفية لتنقلب عليه باذنه تعلى ومن اراد
    ان لا يجرح اصبع صهيونى ان شاء الله تنقلب حساباته وتكون دمار على رؤؤسهم
    وعلى اقل حساب ينحسم ويتوزع فعل ماكنة الفرم عن اخوتنا والدائمة منذ
    عامين بمعدل 200 ضحية كل يوم وزلزلوا زلزال شديدا ليميز الله الخبيث من
    الطيب ففى الشام سيخرج المهدى وعيسى عليهما السلام والله غالب على امره
    ولن يعودوا الا بزلزال شديد جعل الله النصر لدينه وهو على كل شئ قدير
    والسلام على من اتبع الهدى وخشى الرحمن وحده ولم يخشى الردى والله اكبر
    والعاقبة للمتقين

1 2 3 4

إشترك في قائمتنا البريدية