بعد توقيع اتفاقيات ما يسمى بـ«السلام» بين الدول العربية والعدو الصهيوني، كما المعاهدات التجارية والبروتوكولات والملاحق التجارية، كما الزيارات التطبيعية، دأب الإعلام الرسمي العربي، في مسخ «الصراع» مع العدو، بتحويله إلى نزاع فلسطيني ـ إسرائيلي، بعيدا عن المضامين الرئيسية للعملية الصراعية.
الدبلوماسية العربية لا تنطق عن الهوى، وتدرك الفرق بين المصطلحين في فلسفة اللغة ولغة الفلسفة. إن مصطلح الصراع هو تعبير يقتصر على وصف العلاقة التصادمية بين متناقضين يستحيل التعايش بينهما، ومحكومين بقوانين وتناقضات جذرية تناحرية، خاصة أن العدو الصهيوني ارتكب ويرتكب حملة إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني، بينما مصطلح النزاع هو تعبير عن وصف علاقة بين متناقضين يمكنهما المساومة دون حاجة أي منهما للقضاء على الآخر، باختصار إن مصطلح الصراع ينتمي إلى عالم الفلسفة وقوانين الحياة العامة، التي تحكم هذا الكون في ظواهره الطبيعية، كما في سلوك الإنسان الذي يحيا فيه، بينما مصطلح النزاع يخضع لعالم السياسة ومناوراتها.
وبعيداً عن السياسة والمفاوضات والتطبيع مع العدو، وكل ما يصدر من تصريحات سلامية، فإن منطق التاريخ يؤكد أنه ليس باستطاعة أي مرجع مهما كانت صفته وقوته، إنهاء أي صراع، ولو صدر عنه ألف اتفاق وألف معاهدة، ووقع عليها من وقع. باستطاعة هذه المراجع أن تمنع الحروب أو أن تؤجلها، وأن تقمع الثورات أو أن تحجمها، وأن تفرض الهدنات وتجهض الانتفاضات، ولكن مع ذلك تبقى عاجزة عن إنهاء عملية الصراع، طالما أن الأسباب التي أدت إلى اندلاعه لا تزال قائمة من دون حلول حقيقية لها، فأي مرجع يمكنه إنهاء هذا الصراع الذي يسمونه نزاعاً؟ وهناك وطن مسلوب بأكمله باعتراف الدنيا بأسرها؟ إضافة إلى شعب عريق تحول بفعل القهر إلى لاجئ مشرد في أصقاع الأرض، بما في ذلك وطنه ذاته الذي لم يعرف له وطناً غيره لآلاف السنين؟ من يستطيع فرض التعايش بين الضحية والجلاد، وإقناع الفلسطيني بتشريع الجريمة التي ارتكبت بحقه، وأن يعفو عمن قتله وشرده ولا يزال؟ من يستطيع أن يشطب ذاكرة شعب ويمحو تاريخه وتراثه بقرار سياسي، حتى لو صدر مثل هذا القرار عن قمة عربية او غير عربية؟ ونطرح هذه الأسئلة ونستمدها من واقع التجارب المادية الحقيقية. نستمدها من تجربتنا في الجزائر ومن فيتنام ومن جنوب إفريقيا ومن كوبا ومن كوريا وغيرها من تجارب الآخرين، أوليس دونالد ترامب الساعي مسعوراً لفرض حل مجرم بحق شعب فلسطين ومقدساته، من خلال تصفية قضيته من خلال تمرير ما يسمى بـ»صفقة القرن»؟ وها هو بعد قراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، ومثلما تقول مصادر أمريكية وإسرائيلية، يتهيأ لإصدار قرار بالموافقة على قرار إسرائيل بضم هضبة الجولان العربية السورية، واعتبارها أرضا إسرائيلية، القرار الأمريكي مخالف لقرارات الشرعية الدولية، فلم تمض ثلاثة أيام على ضم إسرائيل للجولان في 14/12 /1981 حتى أصدر مجلس الأمن الدولي في17/12/1981 القرار رقم 497 الذي يرفض الإجراء الإسرائيلي جملة وتفصيلا ويعتبره ملغى وباطلا.
من منطلقات هذا الوضع، فإنه لا يجوز التعامل مع مرحلة ما بعد قرار ترامب وسن القوانين العنصرية الصهيونية: قانون القومية، قانون الولاء الثقافي، قانون إعدام الفلسطينيين، كافة القوانين المؤكدة على أن كل أرض فلسطين التاريخية، هي الحق التاريخي لليهود، وهي المكان الطبيعي لإقامة إسرائيل وغيرها، كما الرفض الإسرائيلي المطلق لكافة الحلول مع الفلسطينيين: حل الدولتين، حل الدولة الواحدة، حل الدولة الثنائية «القومية»، لا يجوز التعامل الآن فلسطينيا وعربيا وعلى المستويين الرسمي والشعبي، بالنسبة للنظرة إلى الصراع الفلسطيني العربي ـ الصهيوني، بالأساليب ذاتها في مرحلة ما قبل ما ذكرناه. ذلك، أن تلك السياسات التي انبثقت عن اتفاقيات «السلام»، والتي راهنت على حل الدولتين، ونهج المفاوضات مع العدو، أثبتت عقمها ولم تنتج سوى الفشل، وأثبتت عدم معرفة هذه الأطراف بحقيقة هذا العدو التوسعية والعدوانية. وهي لم تزد عدونا الصهيوني إلا إنكارا لحقوق شعبنا الوطنية، وإصرارا على تهويد القدس، وبمباركة أمريكية هذه المرّة، واستيطانا ينزع كل الأسس المادية، لأي احتمال ولو ضئيل لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، لذلك أصبحنا أمام مرحلة جديدة من الصراع.
إن تجذير النضال الوطني الفلسطيني بالعودة إلى منطلقات الثورة، حول تحرير الأرض الفلسطينية، سيستقطب من حوله، جميع قوى وطاقات أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج، لتعزيز هذا الهدف، وسيخلق واقعا جديداً في المنطقة العربية، قادرا على التأسيس لمخاطبة أصدقاء القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي بواقعية وعدالة هذا الهدف، بعد أن ثبت بالملموس أن العدو الصهيوني، الذي لم يرسّم حدود دولته حتى اللحظة، يخطط للاستيلاء على المزيد من الأرض العربية، سعياً وراء حلمه بتحقيق دولته الكبرى. وواهم كل عربي يعتقد أن دولته بمنأى عن العدوان الصهيوني، الذي على مدار سبعة عقود، امتد ليشمل 12 دولة عربية، إن لم يكن العدوان على بعضها تم بصورة مباشرة، فباغتيالات قادة فلسطينيين وعربا فيها، أو ضرب أهداف في بنيتها التحتية أو العلمية. لقد تطاول ليبرمان على التهديد بقصف السد العالي، وعلى ذلك قس.
بالنسبة لعرّابي إسرائيل في المنطقة من النظام الرسمي العربي، فقد بلغت بهم الوقاحة، إلى حدّ توجيه الأوامر لصنائعهم من الكتبة، بالترويج لحقيقة الأساطير التضليلية الصهيونية وصحتها، من نمط «الحق التاريخي لليهود في فلسطين» و»أن دولة فلسطين لم تقم لها قائمة في يوم من الأيام»، وغيرها من الشعارات، التي يأنف يهود كثيرون من تريدها! ولكن نسمعها على ألسنة صهاينة عرب. بالطبع، ليس بغريب على مسؤول عربي مجرم وقاتل، وهو أشبه بقطّاع الطرق منه إلى رجل سياسة، أن يقوم بزيارة بعض الدول العربية، رغم رفض قطاعات واسعة من جماهيرها وأحزابها ومؤسساتها المدنية ونقاباتها لزيارته، لكن، وبكل صلف وعنجهية يقوم بزيارتها، في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن أن صانع وحامي هذا المسؤول ربما يتعرض للإقالة بسبب من التستر على جرائم هذا المسؤول، الذي لا يناقش في طبيعة الأوامر التي توجه إليه من سيده بالنسبة لطبيعة العلاقة التي عليه تنفيذها مع دولة الكيان الصهيوني، وبالنسبة لحجم الأموال التي يتوجب توريدها (كجزية حماية لبقاء نظامه واستمراره) لواشنطن. هذا النموذج الفاقع قي الوضع الرسمي العربي، الذي اقترح على قمة بيروت عام 2002 ما سمي حينها بـ»مبادرة السلام العربية»، ولم تمض سنوات على هذه المبادرة، التي قال عنها شارون «بأنها لا تستأهل الحبر الذي كتبت به، ويتوجب أن ترمى في سلة المهملات»، حتى لحستها الدولة التي قدّمتها لتسير في النهج الصهيوني بشكل كامل.
يأتي القرار الأمريكي سيئ الصيت والسمعة، بعد اعتراف أمريكا بالقدس الموحدة عاصمة لدولة الكيان الصهيوني، رغم إرادة الشرعية الدولية والمجتمع الدولي، ما يؤكد أن شعار العدالة التي ترفعه واشنطن منذ تشكيل أمريكا كدولة، ما هو إلا ديماغوجيا واضحة، كما أن قواتها الاحتلالية تتواجد في الشمال الشرقي السوري، وهي التي دعمت وتدعم كافة منظمات الإرهاب في مخططها التآمري لتمزيق وحدة الأراضي السورية وتفتيتها إلى دويلات متناحرة. الهدف الأمريكي من تسويغ الاحتلال والضم الصهيوني لهضبة الجولان العربية السورية، هو خدمة لأمن الدولة الصهيونية أولا، ومحاولة لإضفاء الشرعية للاحتلال الأمريكي ـ التركي لأراض سوريا كجزء من تصور أمريكي للبقاء في المنطقة العربية.
من جهته، وفي مقابلة مع رويترز وصف وزير المخابرات الصهيونية إسرائيل كاتس، الإقرار الأمريكي بسيطرة إسرائيل على الجولان، القائمة منذ 51 عاما، باعتباره الاقتراح الذي «يتصدر جدول الأعمال» حاليا في المحادثات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وسينظر إلى أي خطوة من هذا القبيل على أنها متابعة لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الدولي مع إيران، واعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وفتح سفارة أمريكية جديدة في المدينة هذا الشهر. وأشادت إسرائيل بتلك الإجراءات، بينما سببت قلقا شديدا بين كبار حلفاء واشنطن الأوروبيين. ووصف كاتس، عضو مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي المصغر الخطوة الأمريكية، بأنها جزء مهم من نهج لإدارة ترامب يقوم على مواجهة ما ينظر إليه على أنه توسع إقليمي وعدوان من جانب إيران، باعتبارها العدو اللدود لإسرائيل.
مجمل القول: إن الصراع العربي ـ الصهيوني يعود إلى مربعه الأول، شئنا أم أبينا، ليس بإرادة الفلسطينيين والعرب، بقدر ما هو بفعل عدوانية وأطماع العدو الصهيوني. الحقيقة الثانية، واهم كل عربي أن ظن أنه بمنأى عن العدوان الصهيوني، حتى لو مسخ الصراع إلى يسمى بالخلاف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
*كاتب فلسطيني
ان عنوان مقال اليوم للدكتور فايز رشيد “الصراع «وليس النزاع» يعود إلى مربعه الأول” هو حقيقة كنت دائماً اتمنى حصولها لكي نبدأ من المربع ألأول بعد ان عرفنا عملياً طبيعة وحقيقة عدونا. وان هذا الرجوع للمربع ألأول هو ترجمة الواقع لقولنا انه “ما يصح إلا الصحيح”. ان عدونا جبان بطبيعته لانه يعرف تمام المعرفة بان لا حق له بأرض فلسطين. والآن يتوجب على كافة القيادات الفلسطينية نبذ خلافاتها وتوحيد صفوفها للعمل بيد واحدة بالتخطيط من اجل تحرير هذا الوطن المسلوب. ان نبذ خلافاتنا وحده سيؤدي ان زيادة الهجرة المعاكسة لأبناء هذا العدو الجبان حتى قبل بدء تحرير اول شبر من أرض فلسطين.
السلام عليكم
تحية طيبة لك أستاذ “رشيد” وللجميع
فلسطين بل القضية الفلسطينة أصبحت اليوم بين خط سكتي القطار”النزاع السياسي نحو الإنبطاح “و “الصراع نحو التهافت لمرضاة الصهاينة” وقد خلقوا لذلك أزمات إفتراضية ومصطنعة من أجل تخويف الطبقة الداخلية المسحوقة والمجتمعات الدولية تحت “يافطة الإرهاب …العالم في خطر” ففي الداخل أطلقوا شعار محاربة الفساد والمفسدين –وهم الفاسدين حقا-وبدؤوا في تنقية ساحتهم من المعارضين لهم بحكم محاربة الفساد من رجال المال والسياسة والمال والإعلام..وفي الخارج بجعل”إيران” شماعة لذلك (رغم أنّ لي مواقف من إيران) وأشعلوا حروبا لم تبق ولم تذر هلك فيها الحرث والزرع ودمرت مدن وقتل فيه شيوخ ونساء وأطفال وأبراياء دون رحمة ومن يعيش وعاش منهم يعاني المرض والجوع والتهجير والسجن والعذاب..كل ذلك من أجل المحافظة على عروشهم وكراسهم وما سلبوه من خيرات المواطن فجعلوا من فلسطين وقضيتها “كبش الفدا”
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله