إسطنبول-“القدس العربي”: مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو/حزيران من العام المقبل وعدم استبعاد احتمال إجراءها بشكل مبكر يتكشف حجم الصعوبات التي يواجهها معسكر المعارضة في اختيار مرشح توافقي لمنافسة الرئيس رجب طيب أردوغان وتحقيق حلم المعارضة بإنهاء حكم حزب العدالة والتنمية المتواصل منذ نحو 19 عاماً.
لكن الخلافات حول اختيار مرشح توافقي لا تتعلق فقط بأحزاب المعارضة المختلفة التي يجمعها فقط هدف “إنهاء حكم أردوغان” بل تعمقت الخلافات داخل أروقة حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة حيث تبين تباعاً مدى تباين وجهات النظر بين أقطاب مختلفة داخل الحزب حول المرشح الأمثل لخوض الانتخابات يمكن أن تؤدي لانقسامات تضعف الحزب من الداخل ومعسكر المعارضة بشكل عام.
ولأول مرة، وفي رغبة جامحة غير مسبوقة، يسعى رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو إلى خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة على الرغم من أنه امتنع عن خوض الانتخابات الرئاسية في أكثر من مناسبة في السابق مفضلاً تقديم مرشحين من داخل أو خارج الحزب.
وعلى الرغم من تكتمه الشديد ورفضه إعلان هذه الرغبة بشكل علني وقطعي، إلا أن خطاباته في الأشهر الأخيرة وتحركاته السياسية يُجمع محللون أتراك على أنها تؤكد بشكل قاطع قراره الترشح للانتخابات المقبلة وهو ما تدعمه تسريبات مختلفة من داخل أروقة الحزب.
وفي تصريحات سابقة، ألمح كليتشدار أوغلو مراراً إلى إمكانية ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة من خلال القول إنه مستعد لخوض هذه المعركة وأنه لا يخاف مواجهة أردوغان في الانتخابات المقبلة، لكنه حرص مؤخراً على التأكيد على أنه “جاهز لخوض الانتخابات في حال طلب منه تحالف الأمة ذلك”، في إشارة إلى تحالف المعارضة الذي يضم إلى جانب الشعب الجمهوري حزب الجيد ويلقى دعماً بشكل غير معلن من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي.
والثلاثاء، وفي كلمة أمام الكتلة البرلمانية للحزب، تحدث كليتشدار أوغلو بلغة غاضبة غير مسبوقة، متعهداً بـ”القتال ضد الحكومة” حتى النهاية، واستخدم عبارات حادة مفادها أنه ينوي السير في هذا الطريق مع من أراد السير معه و”من لا يريد عليه أن يتنحى عن طريقه”، وهي كلمات اعتبرت بمثابة إعلان غير صريح بنيته الترشح للانتخابات المقبلة من دون حصول توافق على هذا التوجه داخل أروقة الحزب.
وبينما يؤيد معسكر داخل الحزب توجه كليتشدار أوغلو نحو الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، يعارض معسكر آخر هذا التوجه لخشيتهم من أن كليتشدار أوغلو لن يكون قادراً على مواجهة أردوغان وأن هناك شخصيات أخرى داخل الحزب فرصها أعلى بكثير بالفوز ويتوجب عدم تفويت هذه الفرصة حيث يشار بدرجة أساسية إلى أكرام إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول ومنصور يافاش رئيس بلدية أنقرة واللذان تشير استطلاعات الرأي إلى أن حظوظهما أعلى بكثير من حظوظ كليتشدار أوغلو الذي يبدو مؤمناً هذه المرة بقدرته على الفوز.
صحيفة جمهورييت أكبر صحف المعارضة اعتبرت خطاب كليتشدار أوغلو بمثابة إعلان صريح بنيته الترشح للانتخابات المقبلة، ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير بالحزب قوله إن هذا الخطاب كان بمثابة إعلان ترشح واضح وإعلان مسار جديد في سياساته داخل أروقة الحزب، ورأى عدد كبير من الكتاب المقربين من الحزب أن كليتشدار أوغلو “حسم قرار ترشحه للانتخابات المقبلة”.
ويرى كليتشدار أوغلو في الانتخابات المقبلة فرصة حقيقية للفوز مع المؤشرات على تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد بالآونة الأخيرة وتطوير خطاب المعارضة وبعض الاستطلاعات التي تقول المعارضة إنها تعطيها أفضلية للفوز في الانتخابات المقبلة، لكن حسابات كليتشدار أوغلو تبدو أنها تتعارض مع حسابات ميرال أقشينار المتشككة من دوافع حليفها الأساسي.
يشير كُتاب مقربون من حزب الجيد الذي تتزعمه أقشينار إلى أن حزبها يتخوف من ترشح كليتشدار أوغلو لأسباب مختلفة أبرزها ما يتعلق بحظوظ فوزه المتواضعة أمام حظوظ فوز إمام أوغلو التي تؤكد العديد من الاستطلاعات أنها أكبر بكثير، بالإضافة إلى خشية حزب الجيد من أن وصول كليتشدار أوغلو للرئاسة بصلاحيات واسعة قد يغريه للبقاء في المنصب وعدم دعم رؤية أقشينار التي ترغب في البدء فوراً في إجراءات تحويل نظام الحكم من رئاسي إلى برلماني مجدداً.
إلا أن السبب الرئيسي يتمحور حول التوجهات الفكرية للمرشح المقبل، فبينما يعتبر كليتشدار أوغلو يساري كمالي تقليدي على الرغم من تغير خطابه مؤخراً، يظهر إمام أوغلو بفكر كمالي حديث قادر على إقناع جانب مهم من القوميين والمحافظين الأتراك، كما أن منصور يافاش رئيس بلدية أنقرة يحمل توجهات قومية قوية وبالتالي يعتبر إمام أوغلو ومنصور يافاش أقرب فكرياً وسياسياً لحزب الجيد من كليتشدار أوغلو.
لكن معارضو كليتشدار أوغلو داخل أروقة الحزب وبعض الكُتاب المقربون منه يُلمحون إلى أن زعيم الحزب يواجه خيارات صعبة تتعلق بمستقبله السياسي تتأرجح بين نهاية “مُذلة” لحياته السياسية في حال ترشحه للانتخابات الرئاسية وخسارته، وبين احتمال إزاحته عن رئاسة الحزب في حال ترشح شخصية أخرى من داخل الشعب الجمهوري وفوزها بمنصب الرئاسة ذو الصلاحيات الواسعة والذي يتيح له القانون أيضاً الجمع بين رئاسة الجمهورية والحزب.
وإلى جانب التباينات بين الشعب الجمهوري وحزب الجيد حول مرشح انتخابات الرئاسة، توجد تباينات أكبر بين حزب الجيد ذو التوجهات القومية وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي والذي يعتبر انضمامه للتحالف عامل حاسم للفوز بالانتخابات، حيث ردت أقشينار على مواطنون انتقدوها بالقول إنها لم ولن تتحالف مع الشعوب الديمقراطي بأي شكل من الأشكال وهو ما يضعف من مستقبل تحالف المعارضة بالانتخابات المقبلة.
إلى جانب ذلك، أعلن علي باباجان زعيم حزب الديمقراطية والتقدم، الأربعاء، أن حزبه سوف يخوض الانتخابات المقبلة بشعاره واسمه بشكل مستقل، واضعاً حداً للتكهنات حول إمكانية اندماجه مع أحد أحزاب تحالف المعارضة، دون أن ينفي إمكانية دخول التحالف أو دعم مرشحه في الانتخابات الرئاسية.
وفي ظل هذه الخلافات المتزايدة، يعول حزب العدالة والتنمية على قوته في حسم مرشحه للانتخابات بشكل مبكر وعدم وجود تباينات مع حليفه حزب الحركة القومية، كما يحذر معارضون من أن تحالف المعارضة يجازف بخسارة فرصة تاريخية للوصول إلى السلطة إذا فشل في اختيار مرشح توافقي قوي للانتخابات الرئاسية وهو ما يعزز فرص فوز أردوغان رغم تراجع شعبيته بشكل كبير، حسب تقديرهم.
نقول لكم من الآن أن الذي يحب أن يسميه الناس السلطان أردوغان هو الذي سيفوز في الانتخابات القادمة لأن يهود تركيا يقفون معه